الإدارات الكانتونية والتحدّي السياسي المطروح

حسين عمر

يمثّل إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظوماته الرديفة وحلفائه من الأحزاب الكوردية والتشكيلات العربية والسريانية عن ثلاث إدارات كانتونية منفصلة في المناطق الكوردستانية الثلاث الرئيسية معطى وواقعاً سياسيين جديدين، يتطلّب من الحركة السياسية الكوردية التعاطي معها بالسياسة لا بالدعاية والفتوى.
إنّ إعلان الاتحاد الديمقراطي لهذه الإدارات الكانتونية هو خطوة إضافية لاستكمال فرض سلطة الأمر الواقع التي يمثّلها الاتحاد ومنظوماته المختلفة منذ إخفاء النظام لمظاهر سلطته في بعض المناطق لاعتقاده بأنّها ستكون بأيدٍ أمينة وسوف يتمكّن من استردادها حينما يشاء.
 والحقيقة أنّ ما أعلن عنه حزب الاتحاد الديمقراطي لا يرتقي إلى مستوى الإدارات الذاتية بالمعنى الدقيق لا اصطلاحاً ولا مضموناً. فالإدارة الذاتية إمّا أن تكون في إطارٍ دستوريٍ مع إدارة مركز الدولة بغضّ النظر عن شكلها الدستوري ومضمونها السياسي وإمّا أن تكون منفصلة (لظروفٍ سياسية ما) عن إدارة المركز وتجد مرجعيتها الدستورية في ذاتها وتتحمّل مسؤولياتها وتتّخذ قراراتها وتدير شؤون المواطنين المقيمين في نطاق حدودها وتقدّم لهم الخدمات بذاتها. ما أُعلِن عنه في المناطق الكوردستانية في سوريا لا يرتقِ إلة مستوى إدارة إذاتية بأيٍّ من الحالتين السابقتين، حيث أنّها لا تحظى لا بالغطاء الدستوري ولا حتى بالاتفاق السياسي مع إدارة المركز، كما أنّها ليست منفصلة عن هذه الإدارة والمناطق الواقعة في نطاقها تخضع تماماً لقوانين وقرارات المركز، وبالتالي ما هو حاصل فعلياً ليس سوى تخلٍّ مؤقّت من السلطة المركزية عن مظاهر سلطتها على هذه المناطق واستعفاء من تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها لدواعٍ تتعلّق بخطط النظام الأمنية في ظلّ الأزمة وهو لا يتحمّل أي التزامات أو ضمانات حيال هذه المناطق ويمنّي نفسه بالعودة إليها متيقّناً أو متوهماً تجاوزه لهذه الأزمة. إذاً ما أعلن عنه الاتحاد الديمقراطي لا يتجاوز تكوين مجالس محلية تضمّ إلى جانبه تكوينات وتشكيلات سياسية وعسكرية عربية ذات طابع عشائري بمعظمها ذات توجّه واضح في موالاة النظام ستكون وظيفتها الرئيسية العمل كإدارات متمّمة ورديفة لسلطات النظام المتمركزة في مركز المحافظتين اللتين تتبع لهما هذه الإدارات الكانتونية والمدن الرئيسية فيها كمدينة قامشلو المفترض بها أن تكون عاصمة كانتون الجزيرة.
إنّ الخيار السياسي الذي تبنّاه حزب الاتحاد الديمقراطي منذ بداية الحراك السلمي في سوريا، والمنبثق أساساً من استراتيجية حزب العمال الكوردستاني، كمركز يرتبط به الاتحاد الديمقراطي أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً، والمتمثّل في اجتناب الانخراط في العمل المناهض للنظام السوري في سياق ما تحوّل لاحقاً إلى ثورة ومن ثمّ حرب أهلية تجاوزت في أبعادها الداخل السوري لتتحوّل إلى صراعٍ إقليميّ ودوليّ مرير، والتخندق ضدّ المعارضة السورية الجذرية في معارضتها للنظام، هذا الخيار لا يتيح لحزب الاتحاد الديمقراطي هامشاً للتحرّك السياسي والعسكري خارج إطار متطلبات ومستلزمات هذا الخيار السياسي المتبنى، أي لا يمكنه أن يتّخذ، منفرداً، خيارات سياسية تدعو إلى وتعمل على إقامة إدارة ذاتية تكون بديلة عن سلطة النظام في المناطق الكوردستانية لا رديفة لها.
وإذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي يتحمّل وحده مسؤولية خياراته ونتائجها إلاّ أنّه ليس الوحيد في تحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع سياسياً وميدانياً في غرب كوردستان من انقسامٍ سياسيٍّ كورديٍّ حاد، ولا هو وحده سيكون المسؤول عن تجاوز هذا الانقسام وإعادة المسار السياسي والوضع الميداني إلى حيث يجب أن يكون بما يخدم المصلحة الكوردية المتسامية على المصالح والأجندات الحزبية.
إنّ المجلس الوطني الكوردي مثلما يتقاسم مسؤولية هذا الانقسام السياسي مع الاتحاد الديمقراطي بسبب هشاشة بنيانه التنظيمي وبؤسه السياسي وافتقاره للقرار السياسي المستقلّ والمتماسك وللاستراتيجية المتكاملة وانشغاله بالصراعات البينية في داخله وعجزه عن القدرة على خلق حالة من الفاعلية السياسية والميدانية بما يمنع تهميشه بل وتغيبه عن اقرار مصير العملية السياسية في غرب كوردستان عليه الآن قبل كلّ شيء تجاوز حالة العطالة والشلل التي يعاني منها في الداخل وعدم الركون إلى نشوة المشاركة في مؤتمر جنيف اثنان، رغم أهمية هذه المشاركة، ومن ثمّ المبادرة إلى إحياء حوارات هولير مع الاتحاد الديمقراطي سبيلاً إلى التوافق على استراتيجية مشتركة يكون محورها الأساسي تحويل مشروع الإدارات الكانتونية إلى مشروعٍ وطنيٍّ كوردستاني لإدارة ذاتية ذات طابع سياسي تكون ركناً من أركان اللامركزية السياسية المقترحة لسوريا المستقبل التي ينبغي العمل في سبيل أن تكون ديمقراطية وتعددية تعترف دستورياً بحقوق الشعب الكوردي وفي المقدّمة منها حقّه في إدارة شؤونه في مناطقه وبالتأكيد لا يمكن تحقيق ذلك من دون التفاهم والتوافق مع المكونات المتعايشة مع الكورد في مناطقهم أوّلاً والمكونات الشريكة لهم في عموم سوريا ثانياً وذلك من خلال التفاعل مع القوى الوطنية الديمقراطية المستعدّة للقبول بالحقوق الكوردية والمستجيبة لها، ولا شكّ أنّ هذا لا يتحقّق إلاّ من خلال إعادة الأطراف الكوردية للنظر في خياراتها واعتماد الخيارات النابعة من المصالح الوطنية الكوردية والسورية وهذا هو التحدّي المطروح والمطلوب الاستجابة له.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

سمعنا عن الأحداث من الراديو، وبعدها حاولت الاتصال مع أخي دجوار، الذي كان متواجداً في ملعب قامشلو البلديّ، لكن ردّ عليّ شخصٌ آخر وهو الصديق حسن، قال: إنّ دجوار ترك هاتفه معي..!، وبعدها علمنا أنّ هناك شهداء، حاولتُ الاتصال بالكثيرين وأخيراً اتّصل دجوار من قامشلو. الساعة الرابعة أتى جوان خالد إلى منزلي، وقال: شعبنا يُقتل.. علينا أنْ نفعل شيئاً، ولا…

ماهين شيخاني مقدمة حين تنهار الدولة المركزية، وتتعالى أصوات الهويات المغيّبة، يُطرح السؤال الكبير: هل تكون الفيدرالية طوق نجاة أم وصفة انفجار؟ في العراق، وُلد إقليم كوردستان من رماد الحروب والحصار، وفي سوريا، تشكّلت إدارة ذاتية وسط غبار المعارك. كلا المشروعين يرفع راية الفيدرالية، لكن المسارات متباينة، والمآلات غير محسومة. هذه المقالة تغوص في عمق تجربتين متداخلتين، تفكك التحديات، وتفحص…

طه بوزان عيسى منذ أكثر من ستة عقود، وتحديدًا في عام 1957، انطلقت الشرارة الأولى للحركة الكردية السياسية في سوريا، على يد ثلة من الوطنيين الكرد الذين حملوا همّ الكرامة والحرية، في زمن كانت فيه السياسة محظورة، والانتماء القومي جريمة. كان من بين هؤلاء المناضلين: آبو عثمان، عبد الحميد درويش ،الشاعر الكبير جكرخوين، الدكتور نور الدين ظاظا، ورشيد حمو، وغيرهم…

عبد اللطيف محمد أمين موسى إن سير الأحداث والتغيرات الجيوسياسية التي ساهمت في الانتقال من حالة اللااستقرار واللادولة إلى حالة الدولة والاستقرار في سوريا، ومواكبة المستجدات المتلاحقة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، تكشف بوضوح أن المتغيرات في سوريا هي نتيجة حتمية لتسارع الأحداث وتبدل موازين القوى، التي بدأت تتشكل مع تغيرات الخرائط في بعض دول الشرق الأوسط، نتيجة…