لا بديل عن قيم العيش المشترك

  اياد عبد الكريم

حاولت السياسة الرسمية في سوريا مراراً اللعب على وتر الأقليات والتظاهر بحماية الأقليات في المجتمع السوري، هذا الإدعاء الذي سقط بشكل كامل خلال الأزمة السورية من خلال الوحشية التي أبدتها السلطة السورية تجاه الأغلبية، ويمكننا القول بأن من لا يحترم الأغلبية ووجودها لا يمكنه أن يدعي حماية الأقليات، عدا عن أن فكرة حماية الأقليات ليست سوى خدعة وتكتيك أراد النظام من وراء ترويجها رفع صفة الشريك الوطني عن الأغلبية وتصويرها على أنها خصم وافدٌ خلقته ظروفٌ تاريخية استثنائية.

ويعتبر الشعب الكردي من تلك الأقليات التي حاول النظام تخويفها بفزاعة الأغلبية، رغم خضوع الأكراد بشكلٍ خاص لشتى السياسات القمعية والشوفينية والتي هدفت إلى تحطيم وضرب بنيته الاجتماعية وبالتالي تغييبهم سياسياً وعزلهم خلال عقود عن إطارهم الوطني العام.
وفي المسألة الكردية لم تكن السلطة السورية الحالية وحدها من دأبت على إحداث الشروخ في العلاقة المجتمعية بين الكرد والعرب والمكونات الأخرى فجميع الأنظمة التي تعاقبت على حكم سوريا منذ تأسيسها عام 1919 تجاهلت الوجود القومي للكرد هذا على المستوى السياسي، إلا أن روابط العيش المشترك بين الكرد والعرب تاريخياً في هذه المنطقة كانت أقوى كثيراً من تلك السياسات، وبقي المجتمعان العربي والكردي يحافظان على علاقة متوازنة رغم الضغوط السياسية الكبيرة التي مورست على الجانبين لنصب شراك الفتنة بينهما ومثلت أحداث ملعب القامشلي في آذار 2004 أبرز التهديدات التي تعرضت لها هذه العلاقة.
وإذا ما نظرنا للواقع بموضوعية وحاولنا استشفاف الخارطة الإجتماعية لمعارضي النظام السوري في المناطق ذات الأغلبية الكردية سنلاحظ أن أكثرهم حيوية وإلتزاماً ومعاناةً من الاضطهاد والتهميش هم الأكراد ومعهم بعض المسيحيين وأبناء العشائر العربية، واجمالاً لم يبدي هؤلاء مواقف متطرفة اتجاه بعضهم مع بدأ الأزمة السورية في آذار عام 2011، وإنما تفاجئ الجميع باعتدال وعقلانية المكونات المجتمعية وحرصها على حفظ العلاقة الاجتماعية في مأمن بعيداً عن الحساسيات السياسية التي ظهرت بوضوح مع قيام طرف كردي هو حزب الاتحاد الديمقراطي بتسليح عناصره وتمهيد الظروف والآليات التي تمكنه من بسط سلطته على المنطقة.
وما بات يدعو للقلق بشكل متزايد هو دخول المجموعات المسلحة إلى المنطقة كجبهة النصرة وداعش وغيرهم والذين أرادوا إثارة النعرات القومية في المنطقة مختبئين خلف سلفيتهم وأفكارهم غير المألوفة والمستغربة في ثقافة المجتمعات المتعايشة في المنطقة، وهم بالتالي يستكملون ما فشلت في تحقيقه السلطات الرسمية السورية، من خلال تحريضهم العرب ضد شركائهم الكٌرد وأيضاً تحريض الكٌرد من خلال ما يبثونه من رعب هائل وصور وفيديوهات لضحايا من الكٌرد سقطوا في القرى العربية من المنطقة.
ومن أجل الحفاظ على تلك العلاقة التي تفرضها قيم العيش المشترك تاريخياً، يبقى المدخل الوحيد المشرَّع أمامنا هو التعاون بين جميع أبناء المنطقة، ما يتطلب دعوة أصحاب الضمائر الحية والمثقفين والقوى السياسية والشخصيات الوطنية  وكل من يحمل حساً مسؤولاً تجاه المنطقة وقيمها، لتعزيز وصون مفهوم العيش المشترك والسلم والأمن الأهليين وإبراز المصلحة الحقيقية للجميع التي سيحققها السلم الأهلي لجميع الأطراف وتغليب تلك المصلحة على المواقف الذاتية وعدم تعميم الخصومات الضيقة.
والمبدأ الصحيح والسليم للمواطنة الحقيقية لم ولن يتحقق إلا بالعمل معاً للتخلص من مخلفات النظم الشمولية القمعية والوقوف في طريق أي محاولة قد تنتج نزاعاً عربياً كردياً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…