الساحة الكبرى ،، كوردستان تركيا.. وتداعيات حل القضية سلمياً على الاجزاء الأخرى

 قهر مان مرعان آغا
هكذا كانت المناقشات والمجادلات ، ومناظرات الساسة في الحركة التحررية الكوردستانية تدور خلال عقود القرن الماضي  ، لكل جزء من كوردستان حق تقرير مصيره بنفسه وفق خصوصيته الذاتية وظروفه الموضوعية ؟  
ونظراً لمساحة كوردستان تركيا (الجغرافيا الواسعة) وعدد سكانها الكبير وتاريخها النضالي الطويل  ، فلا بديل للاستقلال (serxwebûn)  والكفاح المسلح، فكان لوقع الكلمات والشعارات الكبيرة أثرها البالغ في نفوس وعقول الشباب الكوردي الثائر و التواق إلى الحرية في معظم أجزاء كوردستان و كذلك صداها في الآذان ، كما كان لحركة التحرر الوطني الكردستاني في كوردستان العراق معاودة القتال إثر إنتكاسة ثورة أيلول  (1961-1975) أثرها النضالي المحفز وخاصة امتداد التضاريس والجيولوجيا على طرفي الحدود وكذلك الحاضنة الاجتماعية (الريف الكورستاني)  حيث يشكلان عمق استراتيجي تعبوي (إذا حسن استثمارهما) .
فالشعب الكوردي في كوردستان تركيا(باكور) عاش الويلات منذ تشكل الدولة الكمالية في بداية عشرينيات القرن الماضي 1923، وفي ظل ثورات وانتفاضات متلاحقة  و لم يتمخض عن التضحيات الجسام لحركة التحرر الوطني الكورستانية نتائج سياسية ، على تلك الساحة الكبرى و بالمقابل إنقلابات عسكرية و دساتير عنصرية تمجِّد العِرق التركي و الإرث الأتاتوركي  المكرِّس لوحدة الارض و السكان  و اللغة في إطار الجغرافيا السياسية لتركيا الدولة  , وتنص بالمطلق على إنكار وجود الشعب الكوردي ذو التمايز القومي الاصيل على أرضه التاريخية . إذاً نحن أمام هشاشة بنيوية في الفكر السياسي والمؤيد القانوني الناظم , الذي نشئ بموجبه دستور دولة, يجِّرم حقوق شعب له خصوصيته الثقافية , وفي الوقت ذاته حرمان الشعب الكوردي من الميراث الشرعي كمكون للدولة العثمانية وكذلك حرمانه من الميراث القانوني الدولي وفقاً لإتفاقية سيفر (1920). و بالتالي قمع كل تطلعاته .
كانت ثورة ايلول المجيدة والمنتصرة و قائدها الملهم السروك ملا مصطفى البارزاني (1903-1979) محل استقطاب و آمال أبناء شعب كوردستان في الاجزاء الأربعة , حيث كانت الحركة القومية الكوردستانية في أوج انتصاراتها بعد اتفاقية آذار 1970 التاريخية , وقيادة  الحزب الديمقراطي الكوردستاني – تركيا ينشط على تلك الساحة في ظل خلافات وتنافسات  كما هو حال الكورد على مراحل التاريخ القديم والحديث , وبعد حدة الصراع في اختيار شكل النضال في (باكور) تم اغتيال المناضل سعيد آلجي و من ثم محاكمة المناضل الدكتور شـفان , وعلى الأرجح كانت تلك المؤامرة بفعل استخبارات الجيش التركي(الميت) و التي أودت بالنتيجة بحياة الشهيدين , و بعد إنتكاسة الثورة في آذار1975 , وتفشي مرض اليسار الطفولي وايدولوجيا الماركسية اللينينية البغيضة في البنية الفكرية للحركة القومية الكوردية  كظاهرة شكلية  في عموم كوردستان ، اما في كوردستان تركيا ، فكانت متماهية مع الحركة العامة لليسار القومي التركي الراديكالي في المرحلة الاولى وبفردانية وتشرزم مجوعات ثورية متناحرة أكثر منها أحزاب,تحت سمع ونظر الجونتا العسكرية في المرحلة الثانية , حيث أختفى الحزب الديمقراطي الكوردستاني – تركيا ، من الساحة السياسية ، وكذلك الشخصيات القومية التقليدية، و النخب الثقافية إما بالإنزواء أو الهجرة أو التصفية الجسدية .  
وبعد إنقلاب افرين في ايلول 1980 وبعد قتال وتصفيات الاخوة لبعضهم , كما يقول فنان الشعب الكوردستاني شفان برور : قتل من قتل وهرب من هرب و أُعتقل من اُعتقل في إحدى أغنياته . 
ومنذ صيف 1984 وإعلان حزب العمال الكوردستاني /pkk/ الكفاح المسلح , تحت شعار الإستقلال , وحرب التحرير الشاملة , على هدى نهج قائد الحزب عبدالله أوجلان ذو الفكر الماركسي, وفي الوقت ذاته كانت قلعة البروليتاريا ( الإتحاد السوفييتي السابق) يعلن عدم صلاحية  ايدولوجيته ( منظومته الفكرية ) ويدعوا من خلال زعيمه كورباتشوف (1985) بـ (البيريسترويكا)،( الغلاسنوست) التجديد و التطوير و  العلانية  في ظل إنهيار تام للإقتصاد والحريات , فخبؤا شعارهم( ياعمال العالم إتحدوا) تحت يافطة روسيا الإتحادية والعرق السلافي العنصري لاحقاً ….؟ , و للتذكير كان معظم الاحزاب الكوردية و الكوردستانية تتبنى أو تهتدي بذلك الفكر….! ونحن نعلم بأن المجتمع الكوردي بوضعه السابق والحالي  مجتمع زراعي ( لأسباب معروفة يتعلق بتجزئة كوردستان و إلحاقها بدول القوميات الأخرى) ومعظم المقاتلين الذين ألتحقوا بالثورات الكوردية هم أبناء الريف و المدن الصغيرة , أي لم يتواجد بروليتاري واحد  خلال كل هذه الفترة  ضمن تلك الصفوف , أو في التنظيم الحزبي  . على العكس سادت العشائرية و العائلية  و أشكال أخرى (حزبوية )بأنماطها الأصولية ولم تزل تلك السلوكيات تنخر في جسم الحركة الكوردية ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة  , ويسبب عرقلة في تطوير الفكر السياسي و بالتالي عامل تفرقة و تشرزم وبعثرة للمجهود القومي .
وبعد مبادرة قائد حزب العمال الكوردستاني (  pkk )السيد عبدالله أوجلان في نوروز/2013/ بوقف القتال وإنسحاب مقاتليه خارج حدود الدولة التركية (بند من اتفاق شامل مع رئيس الاستخبارات العسكرية التركي) ومع تصعيد حدة الصراع في سوريا بين النظام المجرم والشعب الثائر ، ومع تنامي دور المحاور الإقليمية المتصارعة ، برز دور حزب العمال التنفيذي من خلال تجديد التحالف الشيعي ، الذي اسس خلال الحرب العراقية الايرانية في بداية ثًمانينات القرن الماضي واصبح أكثر اتساعاً بعد ضم عراق المالكي   ، وانتقال الكثير من المقاتلين إلى ساحة كوردستان سوريا كساحة بديلة ليس للقتال فقط ، بل ، لممارسة السلطة على الأرض ،  وبموجب اتفاق  يلزم تسليم إدارة البلدات الكوردية وحراسة المنشآت النفطية والمخافر الحدودية لجناح حزب العمال (pyd) والمتمثلة بقوات الحماية الشعبية (ypg)  بدءاً من شباط 2012، وبالتالي تقسيم كوردستان سوريا (bin xet) مؤخراًوالإعلان عن  تشكيل ثلاث كانتونات مغلقة بفعل  الحرب والقمع والحصار ،  ناهيك عن تواجد النظام بقواه العسكرية والأمنية والادارية وهو مرتاح البال والخاطر في مدينتي القامشلي والحسكة ، ولهذا فإن الساحة البديلة ، اصبح يدر على أنصار  (pkk) الكثير من الإيرادات المالية وكذلك ممارسة السلطة على الشعب الكوردي ،  والاستفراد بها ، في حين لم يتسنى لهم  خلال ثلاثين عاماً  من القتال  والتضحيات الكبيرة دون نتائج على الأرض وتحت مختلف الشعارات و العناوين من الاستقلال التام إلى المساواة بالمواطنة  ان يستفردوا بحكم قرية كوردية واحدة في كوردستان تركيا غير مدمرة ، كما هو الحال في كوردستان سوريا الآن ، حيث اصبح حقوق الشعب الكوردي ومصالح أبنائه في سوريا رهينة تناحرات وصراعات القوى والأحزاب الكورستانية(pkk+ynkxpdk)(الاختزال اللغز)   ، و كذلك الدول الإقليمية ، وأصبحنا في واد والثورة في واد آخر ؟ وانقلبت الآية عكساً ، فبدلاً من تحرير الجزء الأكبر (Bakur)اصبح الجزء الأصغر بداية لحدوث المتغير الأكبر ليس في في كوردستان بل في منطقة الشرق الأوسط !  
وبالتوازي نشط الدور السياسي الإقليمي و الدولي  لجناحه المدني والمتمثل بحزب /pdb / حزب السلام والديمقراطية المحتكر للحياة السياسية في كوردستان تركيا ( حيث افتتح ممثليه له مؤخراً في امريكا) و بموازاة ذلك أرتفعت أصوات تنادي بكسر ذلك الاحتكار من ضمن صفوف القيادات التقليدية للاحزاب الكوردستانية و هناك إرهاصات لتشكيل جسم للحركة السياسية الكوردية  في كوردستان تركيا ، توّج بزيارة الرئيس مسعود البارزاني إلى آمــد. وبدء مرحلة جديدة للحياة السياسية الكوردية مع حزب العدالة والتنمية و مع الشركاء المفترضين في إطار الخصوصية الديمقراطية للدولة القومية التركية و يبقى هامش النشاط متعلق بمدى تعديل الدستور لصالح المواطن الصالح (إذا صح التعبير) في خطوة متأخرة جداً لغرز دبوس في نعش الكمالية (الأتاتوركية) كمرحلة اولى . ووضع دستور يقر بالتعددية العرقية و الثقافية في تركيا كمرحلة ثانية وفي نظري تعددت الرسائل و الغايات لتلك الزيارة التي وصفت بالتاريخية ومن أهمها :
– إعلان تشكيل الحزب الديمقراطي الكوردستاني – باگور ، المتبني لنهج الخالد ، الملا مصطفى البارزاني ، والمحافظ للتقاليد النضالية للحركة التحررية الكورستانية الأصيلة ،  
– سيحدث إحساس لدى قيادات حزب /PDB/ بأن دورهم قد يتقلص كلما حصل إنفراج سياسي تجاه القضية الكوردية  في هذه الساحة الكبرى (جغرافياً وبشرياً) , ليس فقط من زيادة مناصري حزب العدالة والتنمية (رئيس الوزراء أردوغان ) بين أبناء الشعب الكوردي  , بل إن الكثير من القوى الكوردية  ستنافسهم مادام هناك أجواء آمنة للنشاط السياسي , بعيد عن هيمنة الحزب الواحد و خاصة نحن مقبلون على إنتخابات بلدية في ربيع  (آذار2014)  الحالي .
-إن قضية الشعب الكوردي يجب أن يقرره كل الشعب الكوردي  في أي جزء و ليس شخص أوحزب بعينه , بل هو مصير أمة , ولم يعد ينطلي على الأغلبية الصامتة التلاعب بالسياسة على حساب مصالحه الخاصة واحتياجاته اليومية .
– الرسالة الأخرى إلى بغداد بان العلاقة مع تركيا كدولة تعني العلاقة مع أكثر من عشرين مليون كوردي على أقل تقدير  يشكلون بقواهم الاقتصادية والبشرية عمق استرتيجي و مجال حيوي للاقليم الفيدرالي كما هو وضع سائر الاجزاء لكوردستان وعودة الهدوء يعني عودة التنمية و البناء بدل الحرب و الدمار . و المطلوب من الفعاليات الاقتصادية الكوردستانية في الاقليم الاستثمار في كوردستان تركيا وكذلك الأغنياء من أبناء (باكور) ، الذين يستثمرون اموالهم في المدن الكبرى والاناضول ، مع عودة الأهالي إلى بناء قراهم المدمرة ، لأن الناس لم يعد يعبؤن بالعواطف القومية  التي تسببت  في بؤسهم وشقائهم وتشتتهم  ؟ 
– الثقة بالنفس التي يتمتع بها الرئيس البارزاني كشخص مارس النضال التحرري طوال عمره ,و لديه قدرة كبيرة للاحساس بعدالة قضيته القومية  وهو يعلن بكل صدق و إخلاص بأنه لن يخذل شعبه مادام على قيد الحياة , كما كان أسلافه و سيعمل على استمرار تلك الروحية وذاك النهج و السلوك كموروث ثقافي ,إجتماعي ,ديني على خطى الوالد, الأب والزعيم الخالد { الملا مصطفى البارزاني } إذاً نحن بإنتظارأن يتبلور المفاهيم إلى أبعد تصور في المستقبل ، وبالمقابل أن التريث والتردد في اتخاذ القرارات المصيرية ، وسوء إدارة الملفات  ، و البطانة الفاسدة وتعدد مراكز القوة والنفوذ في الإقليم والآليات الغير مجدية في تناول القضايا العاجلة ، سينعكس سلباً على تطور القضية الكوردية في الأجزاء الأخرى وهذا ما يحصل تحديداً مع قضية الشعب الكوردي في سوريا ونحن في عتبات السنة الرابعة من ثورة الحرية والكرامة (šoreše Azadîyê û Rûmetê). 
 والجدير بالذكر ، انه قد مر الذكرى ال(500) عام على اتفاقية جالديران (1514) ووقف القتال بين  العثمانيين بقيادة السلطان سليم و الصفويين بقيادة الشاه إسماعيل والذي بموجبه تم تقسيم كوردستان بين الدولتين ، وان اتفاق السلطان العثماني مع الأمراء الكورد بمحاربة الصفويين وضم جزء من كوردستان إلى السلطنة يعيد الذاكرة إلى التحالف المذهبي الذي يتجدد صوره في أكثر من مكان ، و ما ذكره وزير خارجية تركيا السيد داوود أوغلو في معرض رده على سؤال عن العلاقات الإيرانية التركية ،  في مؤتمر دافوس 2014 (ندوة ت . العربية) وبحضور الرئس البارزاني ، حيث قال ان حدود البلدين بقي مستقراً ولم يتغير خلال (500) سنة ؟  يعني ان مغتصبي كوردستان قد يختلفون في كل شيء ولكنهم متفقون على بقاء كوردستان مجزأة والكورد منقسمين ضمن الجزء الواحد ؟
– و أخيراً نحن في عالم متغير ,وان رسالة السلام مرهون بتحقيق الاستقرار وعودة حقوق الشعب الكوردي في الاجزاء الاخرى , والثورة السورية  ستنتصر لامحالة , ونضال الشعب الكوردي ومساهمته سيحقق له  التمتع بحقوقه القومية ,ضمن سورية اتحادية ,ذات نظام فيدرالي , ليس إلا .  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…