هشاشة اتحاد الكتاب الكرد – سوريا.. أو ردا على البعض

د. محمود عباس

جاء تأسيس اتحاد الكتاب الكرد -سوريا من خلفيات، على الغالب، لا لخدمة القضية، ولكنه وُشح بالقضية كأي شق في الصف الكردي، وما أكثره، كي لا تشكل رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في المستقبل حجر عثرة أمام مآرب الدول الإقليمية، وكذلك كي لا تكون خارجة عن السيطرة الكردستانية.

فيما مضى كان الكرد في كردستان الغربية يعانون من أربعة أنظمة مقتسمة لكردستان الكبرى، وكانت الحركات الكردية في هذا القسم تتكاثر بمتوالية هندسية، طبقا لما يراه النظام السوري أن تلد وليدا جديدا أو أكثر؛ وذلك حسب تقدير النظام للظرف وللحركات المتكاثرة بإرادته.
كانت تلك الحركات على دراية تامة أنها لن تحقق شيئا للقضية وليس بوسعها إنقاذ الشعب من الانصهار، ولكنها كانت، بالرغم من كل ذلك، منفسا نفسيا لمن تثور انفعالاته الذاتية كرد فعل على المعاناة الأليمة. وبعد أداء بوش الابن خدمة جليلة للكرد فيما كان يسمى سابقا شمال العراق، زاد محنة هؤلاء الكرد أكثر من ذي قبل. فبدلا من أربعة أنظمة صارت تواجهه خمس حالات، الواحدة منها أسوء من أختها. بدلا من تطوير تلك الأحزاب المخترقة من قبل النظام الشمولي السوري، إلى أحزاب على مستوى المسؤولية في أداء مهامها القومية، والقدرة على إنقاذ الشعب، الذي طالما وجد في تنفس أي جزء من كردستان الكبرى نسائم الحرية، سيكون عونا للباقي. للأسف لم يتحقق ما تخيله، وذهب كل ما بذل بما في وسعه من خدمات، لمن كان يدعي الوفاء للأرض المجزأة، أدراج الرياح. وما زاد من سوء الحال أن الحال المستجدة، تصرفت مع الحركات الكردية في الجزء الغربي (السياسية والثقافية والاجتماعية) كما تتصرف الدول الإقليمية حيالها. وعليه تكوّن لدى هؤلاء في القسم الغربي انطباع أنه من سنن النضال، النضال من خلال البوابة الأمنية.

لم يشأ جري هذا الانطباع على كل الكرد هناك، بل وجدت نخبة من الفئة المثقفة أن خللا في الأمر، وليس عليها تبني هذا الانطباع. وحاولت بما لديها من طاقة في دفعه عن نفسها، من خلال رابطة ضمت رتلا من الكتاب والصحفيين الكرد. وما ساعدها في الاحتفاظ بنفسها صحيحة، نوعا ما، هو تواجد بعض من نخبتها خارج نفوذ الدول الإقليمية وأيضا خارج مدى الإقليم والقنديل. وكذلك حافظت على قوامها باحتوائها أفرادا على قدر عال من الثقافة والثقة بالنفس ودراية الأمور، ويمكن إضافة عوامل أخرى إلى هذا وفي مقدمتها تفوقهم على القوى الكردستانية بخلفيتهم العلمية والذهنية من جهة، ومن جهة أخرى عدم تلوثهم في سخام الولاء لمقتسمي كردستان. هذا التفوق أرسى الطمأنينة لديهم رغم العثرات.

وما يخاف عليه هو إلى متى ستظل هذه النخبة صامدة، وبشكل خاص حرمانهم من وسائل المساندة المادية. تحديدا معاناة من هم في الداخل من شح تلك المساندة، مع تزايد ضغط الحرب الأهلية عليهم، تدفع بهم هذه العوامل إلى الالتجاء للانشطار الأميبي. مع كل هذا، ونحن في العام العاشر من تأسيسها، وهي لا زالت صامدة في وجه التقلبات والإغواءات. ويضاف إلى هذا تحريك القوى الكردستانية لدُماها من وراء الستار. وما يوحى لنا من هذه التحريكات، أن تلك القوى الخفية لا زالت في أجواء الحرب الباردة تحريكا لبيادقها. وما يثير العجب أنها لا تخجل من تصرفاتها الصبيانية تجاه هذه الرابطة، والتي إن لم تكن ضمن نفوذها، فهي تابعة لها قضية، شاءت الرابطة أم أبت.

إذا كانت النفوس ضعيفة حملت على أكتافها أحلاما لا تتجاوز أحلام العصافير، مهما كبر أو تضخم. ما يفصح عن هذه التصرفات هو أن تلك القوى الكردستانية تقع في درجات متدنية من حيث التحليل والتركيب أمام نخبة الرابطة، لذا تحاول بشق النفس في جر هؤلاء إلى ما دون مستواها. وهذه سنة طبيعية تلازم المجتمع البشري منذ وجوده وإلى يومنا هذا.

ربما يظن قارئ هذه الأسطر أنني رفعت من شأن القيمين على الرابطة إلى درجة الكمال، حتى لا يُظن بي ذلك الظن، فلهؤلاء لهم معايبهم ونواقصهم، ولكنها لا تتدنى إلى ما هو عليه القوى الكردستانية.

ربما يدفعني الشعور إلى التطرق عن هذه النخبة وما تعانيه في المستقبل. في الواقع هي بحاجة إلى المزيد من البحث في جوانبها وتبيان ثغراتها، ربما تكون لمصلحتها، وفي خدمة ديمومتها وصمودها في مواجهة القبضة الخماسية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأميركية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…