الثورة السورية في عامها الثالث ،انجازات واخفاقات.

عبد الجبار شاهين

إن ما حققته الثورة السورية في بدايتها وخلال السنة الأولى من عمرها وبقيادة القادة الميدانيين الشباب ،رغم افتقارهم إلى التنظيم وممارسة القيادة بالطرق العلمية والمدروسة، الذين كانوا يحفزون الشباب للثورة بدون دعم مالي او خارجي وعندما توحدت القيادات الميدانية مع بعضها عبر التنسيق والإتصال من خلال تشييع جنازات الشهداء ،الذين سقطوا بأيدي القوات النظام وشبيحته، ومشاركة الاحياء مع بعضها كان أكبر وأعظم مما حققته الثورة على مستوى قيادة الثورة على الأرض وعلى مستوى التنظيم الذي حصل عبر التنسيق بين الاحياء في المدن الثائرة.فكانت ثورة الشباب السوري التواقون إلى الحرية والكرامة .
 لكن سرعان ما ركض المتسلقون من الخارج والداخل إلى ركوب الثورة وقاموا بتأسيس مجالس وهيئات دخلت فيها التيارات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة و التيارات اليسارية العلمانية  وأخرى قومية ذات نزعة شوفينية والمتسللين من عناصر النظام الى داخل صفوف هذه المعارضة المليئة بالتناقضات الفكرية ومتفاوتة الأهداف ومعدومة القدرة على رسم خريطة الطريق لسوريا المستقبل اي لسوريا ما بعد الأسد والبعث، ومن هنا بدء الخط التصاعدي للثورة بالنزول وعدم التقدم لتحقيق غاية وهدف الشعب السوري التي كانت الحرية والكرامة وضد الفساد والاستبداد البعثي.

بهذه التركيبة المليئة بالكتل المتناقضة بدأت ظهور عجز المعارضة الغير متجانسة ايديولجياً ومخترقة من قبل النظام ومفتقرة إلى التنظيم والتخطيط للثورة ناهيك عن الفساد المالي وسرقة أموال الثورة وصرفها في غير مكانها،  والتى شكلت المجلس الوطني ومن بعده الأئتلاف ومن ثم إبعاد كل طاقات الشباب ومحركيين الثورة عن مركز القيادة والقرار.
هذا ما حدث مع أغلب الناشطين الذين إلتحقوا بركب هذه المعارضة وبعد أن حققت المعارضة الغاية من وجود هؤلاء القادة الشباب أبعدتهم بطرق خبيثة وملتوية متفردة بالقرار لغاية في نفسها لا خدمة للثورة والثوار .
أدى هذا إلى إبعاد الحاضنة الشعبية عنها لعدم تفاعلها مع نشطاء الثورة على الأرض وتلبية إحتياجتهم  والتى أثبتت فشلها مع مرور الأيام وإرتباطاتها بأجندات الدول الداعمة  لكتلها المتناقضة وإبتعادها عن السبب الحقيقي الذي قدم فيه الشعب السوري أغلى ما يملك من الدماء الطاهرة من خيرة شبابه والبنية التحتية والعمرانية التي دمرها النظام بكل وحشية.
النظام كان ماكراً ولا يزال واستطاع أن يوجه مسار الثورة السلمية إلى حيث يريده هو بإدخاله الأسلحة ضمن صفوفو المعارضة ليبرر لنفسه وأمام المجتمع الدولي بأنه يواجه عصابات مسلحة تتخذ من الإسلام ستاراً لها وبالتالي ليوجه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه يواجه الإسلام المتطرف الذي يشكل خطراً على جميع القوى الديمقراطية في العالم متناسياً بأنه الراعي الأول للعصابات الإرهابية وهي في الغالب من صناعته وبساندته ودعمه .
العصابات الإرهابية التي دخلت على خط الثورة من أمثال جناحي تنظيم القاعدة “داعش وجبهة النصرة ” الإرهابيتين اللتان سهل لهما النظام بأن يكونوا قوة مؤثرة على الأرض وليعيثوا على الأرض فساداً ودماراً باسم الإسلام خدمةً للنظام ليس إلا ، وفي كل المعارك التي خاضتها العصابات الإرهابية الإسلامية لم تكن لها أية مواجهة مباشرة وغير مباشرة مع النظام ،فقط كانت تركتب الجرائم المروعة وتدمر اي مكان يحل فيه تاركة خلفها دماراً وخراباً ومقابر جماعية اغلبها من الثوار الذين ثاروا ضد النظام .
أما على الصعيد الكُردي نرى أن النظام أيضاً هنا أستطاع أن يشق صفوف الكُرد. نحن نعلم أن الثائرين الكُرد ثاروا في أغلب المناطق الكُردية وقبل الكثير من المناطق العربية وهتفوا للحرية والديمقراطية وإسقاط النظام  .
النظام عرف تماماً أن سقوطه سيكون سريعاً فيما إذا دخلوا الكُرد على خط التسليح في الثورة بشكل منظم كون أن الكُرد هم من أكثر المكونات في سورياً تنظيماً ولديهم أحزاب يمكن أن تقود الثورة من داخل المناطق الكُردية ضد كل مرتكزات النظام ، والعنصر الكُردي في صراعه مع النظام سيكون العنصر الأهم استجلاباً للقوى الدولية للتدخل عسكرياً بحجة الحماية الأقلية من الإبادة الجماعية .
 إن النظام أستوعب أهمية الكُرد في الثورة وكان من المؤكد أنه سيكون العامل الأقوى والأهم في سقوطه عاجلاً .
عمد النظام إلى إبعاد الكُرد عن الثورة السورية منذ بدايتها الأولى تارةً بمنحه الجنسية للذين سُحبت منهم الجنسية وأخرى بإمالة بعض الأحزاب الكُردية إلى صفه وفي أغلب الأحيان كان بالترغيب عبر منحهم بعض الأمور ودعوتهم لحضور اجتماعات والحوارات مع النظام ، لكن ما هو أهم في الأمر هو أن الحزب الأكثر تنظيماً والأكثر خبرة من الناحية العسكرية كان حزب العمال الكردستاني PKK  وقد قام النظام بدعوة الجناح السوري لهذا الحزب بعدما ما كان المطلوب الأول لدى النظام  وعلى ما يبدو تم عقد صفقة ما على الأغلب بواسطة النظام الملالي في طهران.
بموجب الاتفاق الذي جرى بين النظام وحزب العمال الكُردستاني PKK  دخل رئيس الجناح السوري لـ PKK إلى سوريا وبدأ على الفور بعقد ندوات واجتماعات في الميادين والساحات وعلى الملأ بدءاً من نقطة دخوله من عين ديوار إلى مروراً بجميع المدن الكُردية إلى قلب دمشق والنظام كان قائماً في كل المناطق التي أقام فيها ندواته واجتماعاته ، إن دل ذلك على شيئ فهو أن الإتفاق الذي حصل بين هذا الحزب والنظام هو اتفاق استراتيجي على ما يبدو وأن الحزب حسم خياره وصف الى جانب النظام بحجج كثيرة منها تجنب المناطق الكُردية من القصف والدمار.
وليتم تحييد الكُرد نهائياً من ما يجري في سورياً تم تسليم المناطق الكُردية الى هذا الحزب بموجب اتفاق مع النظام ، الذي لا يعلم فحواه سوى هذا الحزب .
بهذا الشكل أصبح هذا الحزب الذراع الضارب للنظام في المناطق الكُردية عبر قمعه لأي نشاط معادي للنظام ، واعتقال واغتيال الكثيرين من النشطاء السياسيين من الكُرد في الثورة السورية ، هكذا يكون قد ضرب عصفورين بحجرة أولاً إرضاء النظام بما يقوم به من افعال لصالح النظام ، ثانياً التخلص من المناوئين له والسيطرة على المناطق الكُردية بالحديد والنار وإقصاء كافة التيارات السياسية الكُردية الأخرى ، وعدم اشراك اي حزب من الأحزاب التي لها وزن في مراكز القرار والحقيقة ، خوفاً من كشف الحقيقة والجهة الحقيقة التي تصدر الأوامر لهذا الحزب ، وهذا يدل أن هذا الحزب لديه ما يخفيه عن مناصريه أولاً  والشعب الكُردي الكُردي ثانياً . وهذا هو السبب الحقيقي لعدم استطاعته الإتفاق مع الأطراف الكُردية الأخرى.
أما على الصعيد الآخر نرى الأحزاب الكُردية الأخرى دخلوا في دوامة الوحدة والاتحاد بضغط من الشارع الكُردي وليس برغبة من قادة تلك الأحزاب التي تبحث فقط عن مكاسب شخصية بعيدة عن الصالح العام للقضية وبدأت بين تلك الأحزاب قضية التمثيل بالاعداد سواءً في المجلس الوطني الكُردي أو الهيئة العليا الكُردية التي ولدت ميتة بالأصل بسبب استفراد حزب الاتحاد الديمقراطي بجميع قراراتها عبر شق صفوف أحزاب المجلس الوطني الكُردي وإغراء بعض الأحزاب الصغيرة التي لا وجود يذكر لها على الأرض وأعداد أعضائها لا يتجاوز عدد الأصابع وفي الكثير من المناطق الكُردية لا وجود لها اصلاً .
كما نعلم ان اربعو من الاحزاب قاموا بتشكيل ما يسمى بالاتحاد السياسي نزولاً عند رغبة قواعد هذه الأحزاب بالتوحد وتطور هذا الاتحاد الى أن يصبح حزباً واحداً وايضاً بضغط من القاعدة الجماهيرية لتلك الأحزاب، ولكن صراع المناصب بين هذه الاحزاب والتكتلات المرضية بين صفوف قادتها أدى الى تعطيل أو تأجيل الى أجل غير مسمى لانعقاد المؤتمر التوحيدي لهم واتى منع عبور المندوبين من قبل حزبPYD  حجة وذريعة لتأجيل المؤتمر من قبل قياديين من احد اطراف الاحزاب الأربعة بحجة انهم غير جاهزين الآن للوحدة ويلزمهم وقت أكثر ، هذا يدل على عدم رغبة هؤلاء في الوحدة لأن في اطار وحدوي هؤلاء بكل تأكيد سيخسرون ما توصلوا اليه في أحزابهم ، وباب الفساد سيغلق في وجوههم والفاسد لا يمكن له أن يجد لنفسه موطئ قدم في عمل مؤسساتي منظم وشفاف لذلك يعملون ليلاً نهاراً جاهدين لإفشال الوحدة بينهم.
لكن هناك رغبات حقيقية واصرار لدى البعض لانجاز هذا العمل الوحدوي واستطاعوا أن يوصلوا مندوبيهم إلى مكان الذي كان سينعقد فيه المؤتمر بشتى الوسائل وتجاوزوا كل العقبات التي اعترضتهم، أما الطرف الآخر  كان يبحث على مايبدو مبرراً لإلغاء المؤتمر واتى منع الـ PYD  ذريعة وحجة لتأجيل المؤتمر وأصدروا أوامر فوراً لمندوبيهم بالعودة إلى منازلهم لانهم لا يستطيعون العبور ، لو كان لدى هؤلاء رغبة حقيقية في انعقاد المؤتمر كانوا عبروا مندوبييهم مثلما عبروا مندوبي باقي الأحزاب ، الحزب الوحيد الذي أمر بعودة مندوبيهم إلى بيوتهم هو حزب البارتي ، وكل عوائق التأجيل كان من البارتي ولا يزال .
الثورة السورية كشفت الكثير من المستور والمستخبى لدى الشعب السوري بكل مكوناته ، ظهر الكثير من العاهات والأفكار المسمومة لدى الشعب السوري بدءاً من الأفكار التكفيرية الإرهابية إلى القومية والشوفينية إلى المافيات السياسية والعسكرية .
منعطفات كثيرة في الثورة وهذا أمر طبيعي في الثورات ويظهر فيها الكثير من العورات ، وما يبدو في الأفق لدى الكثيريين بأن الثورة فشلت واتخذت منحى آخر غير المنحى الذي قامت من أجله الثورة ، وهم على حق في ذلك لأن في أية ثورة كانت هناك محطات ومنعطفات ومتسلقين وانتهازيين وهؤلاء قد يغييرون مسار الثورة لبعض الوقت إلا انهم لا يستطيعون الاستمرار في تغييرها إلى ما لانهاية.
الثورة الحقيقية في سوريا لم تبدأ بعد أو لم تتبلور صورتها النهائية بعد ، ستبدأ الثورة الحقيقية بعد سقوط النظام ، وستدخل مرحلتها الحقيقية والتي تبدأ فيها الغربلة بين صفوف المعارضين من كل التيارات ، وستبدأ الاصطفافات الحقيقية وقتها من فكرية إلى عرقية ودينية وستتصارع تلك التيارات فيما بينها وقد تستمر لفترة طويلة أطول بكثير مما نتوقعه، والنصر سيكون الى جانب الاصطفاف الذي سيمثل كافة مكونات الشعب السوري من اثنية إلى دينية بكل تأكيد وإلا سوريا ذاهبة للانقسام عاجلاً أو آجلاً فيما لو لم يستوعب مكونات الشعب السوري بعضه البعض.
وفي نهاية المطاف اود أن أذكر كل السوريون أن لا يدخلوا في اجندات غير سورية فلا يوجد للسوري غير السوري ولقد اثبتت الثورة في بدايتها عندما لم تكن هناك تدخلات خارجية من دولية إلى إقليمية كم كانت قوية وكم كانت تهز عروش النظام .

كما أتمنى أن يعيد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD النظر في سياساته الاقصائية وأن يفك ارتباطه بالنظام  ويصطف الاصطفاف الصحيح وفي الاتجاه الصحيح هذا الحزب لو اصطف في بداية الثورة الى جانب الثورة كان من الممكن أن يكون هو من يقود الثورة السورية بأكمله كونه الحزب الأكثر تنظيماً والأكثر خبرةً في التاحية العسكرية إلى أن اتخاذه القرار الخاطئ بهذا الاصطفاف جعل منه سلطة دكتاتورية لا تقبل حتى الرضوخ للمصلحة الكردية العليا فقط ما يهمه هو حزبه والمحور الذي دخل فيه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…