الآثار السلبية للخلافات السياسية على المجتمع الكوردي

فيصل سفوك

مهما بلغ الاعتراض أشده حول الحديث أو الكتابة في موضوع الخلافات السياسية , و اعتبارها جدال عقيم ومجهد من غير جدوى , فأن الكورد لن يخرجوا من محنتهم الحالية إلا إذا أدركوا كيف دخلوا إليها ,فلا أحد منا بالتأكيد يطرب بالحديث عن الخلافات والصراعات وإنما لتجنبها , ولا أحد يستمتع بفتح الجراح سوى لتعقيمها .

المقولة الشهيرة : الكورد أخوة “kurd birane” تكاد تندثر في المجتمع الكوردي , نتيجة لارتفاع حدة الخلافات الفكرية والحزبية في الوسط السياسي الكوردي , وعندما نقوم بالفَصل بين قداسة المبدأ ومكانة الأشخاص والتزام الإنصاف والحياديَّة ، يصبح الحديث مجدياً إلى حد ما في هكذا موضوع حتى في مكان وزمان حساسين للغاية فيما إذا اعتبرنا أن مؤتمر جنيف (2 ) المنعقد حالياً سيكون خارطة طريق للحل السياسي للأزمة السورية ,
 وسيكون للكورد حصتهم في أي فشل أو نجاح نسبي محتمل , كما أن انشغال القوى والأحزاب الكوردية بخلافاتها في هذا الوقت ينعكس سلباً على الشارع الكوردي الذي بات يدرك تماماً بأنه ما لم تتوصل هذه القوى إلى توافقات وتسويات فيما بينها لا يمكن الحديث عن إمكان تحقيق أي تقدم  يذكر على صعيد القضية الكوردية ومستقبلها ، وإنما ستكون أمام جهد ضائع وهدر للوقت .

ولعل من أبرز الآثار والنتائج السلبية لهذه الخلافات والتي ينبغي التنبُّه إليها، والحذر من مخاطرها :
1- الهجرة الجماعية المكثفة وإفراغ المنطقة الكوردية وخاصة من خلال معبر سيمالكا الذي استخدم كورقة ضغط سياسية من قبل هذه القوى في الوقت الذي هو المنفذ الوحيد للكورد في الانتعاش الاقتصادي والتجاري وبالتالي الحد من هذه الظاهرة .
2-نشوب خلافات شديدة داخل الأسرة الواحدة في كثير من العوائل الكوردية بسبب التعصب الحزبي والانتماء السياسي الذي من المفترض أن يكون مجرد تنافس لتقديم الأفضل للمجتمع الكوردي .
3-التغذية الأيديولوجية السلبية والتي باتت تهدد بتحويل الأحزاب إلى ميليشيات مسلحة و الخلاف والاختلاف إلى صراع مؤدلج لا تدري لماذا تقاتل و لا لصالح من تقاتل ” .
4-  اللجوء إلى شعارات لم تترجم إلى أي نوع من أنواع الواقع الملموس, وأحياناً بلا مبالاة واستخفاف ,حتى أصبحت المسافات تطول بين ما تنادي به وما يمكن تحقيقه ميدانياً ,أثرت على معنويات الشعب الكردي وخلقت حالة من الإحباط والتخوف إزاء مصير ومستقبل قضيتهم .
5- تشتيت الطاقات والمواهب الفكرية و الثقافية للشباب الكورد لانشغالهم بتشكيل تنسيقيات وهيئات ومنظمات تفتقر إلى الخبرة نتيجة غياب الدعم والتأهيل .
6- تأثير هذه الخلافات على الحالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية للمجتمع الكوردي تنذر بانحراف الشباب قوة المجتمعات و عمادها ، وصلاح أي مجتمع , وبالتالي انتشار ظاهرة الفساد وغياب الوعي وانهيار المنظومة التربوية بأسرها .
7- تنامي ظاهرة التصعيد الإعلامي بين الفرقاء و وصولها إلى حافة حرب إعلامية من خلال بيانات وتصريحات شديدة اللهجة تضمنت لغة التهديد والوعيد وبعض التخوين إلى جانب حوادث فردية لسنا بصدد الدخول في حيثياتها .. في الحقيقة تؤدي لعواقب وخيمة وصراعات على الأرض .
8-  استحالة تشكيل قوة عسكرية كوردية موحدة ذات بٌعد وانتماء قومي ووطني وبعيدة عن التخندق الحزبوي والدفاع عن مناطقها والتصدي لأي تهديد أو خطر خارجي , يشارك فيها الجميع من أبناء الشعب الكوردي دون تمييز أو إقصاء أي جهة أو طرف سياسي ,كانت سبباً في أضعاف الشعور والرغبة لدى الكثير في مواجهة بعض الجماعات المسلحة المتطرفة والتكفيرية ,مما قد يخلق فرص سيطرة هذه المجاميع على المناطق الكوردية على المدى المنظور والغير منظور .  

 علينا جميعاً أن ندرك بأنه لا يمكن بناء منزل جديد على أنقاض بيت مهدم وأن ترتيب البيت الكردي من الأولويات قبل الدخول في لعبة المصالح الإقليمية وبازارات الدول العظمى حتى لا نقع ما وقع فيه بطل حكاية مونت كريستو الذي حفر سبعة أعوام في زنزانته ليجد نفسه في زنزانة أضيق وأشد ظلاماً .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…