لماذا الفدرالية تحديداً..!؟

م.رشيد 
    بات مؤكداً وواضحاً استحالة حكم سوريا الجديدة من قبل حزب واحد أو طائفة واحدة أو قومية واحدة وفق مركزية مشددة كالسابق قبل عام 2011 بعد اتساع الشروخ وتعميق الجرح في النسيج الاجتماعي نتيجة عمليات العنف والعنف المضاد من قتل وتدمير وتهجير، التي ارتكبت بدوافع انتقامية على أسس طائفية وعرقية مقيتة، كما أنه من الصعوبة بمكان إعادة الثقة والألفة والاندماج بين أبناء الوطن تحت سقف الدولة المركزية بقيادة أحزاب شمولية عقائدية-عنصرية (دينية كانت أوقومية أواشتراكية) التي ثبت فشلها في توفير التقدم والرخاء والأمن والاستقرار والحرية والاستقلالية.. لأوطانها ومواطنيها.
 لذلك أصبح ضرورياً اعتماد نظام اتحادي ديموقراطي  تعددي علماني يحقق المواطنة الحقيقية والشراكة الفعلية لكل المكونات على قدم المساواة  في السلطة والثروة والحقوق والواجبات، ويوفر لها المجال والضمان لممارسة خصوصياتها القومية وطقوسها الروحية ونشاطاتها الثقافية  والاجتماعية والسياسية بحرية وأمان، ويؤمن أسباب التعايش والتبادل والتوافق (احترام المصالح المشتركة) مع المحيط الاقليمي والوسط الدولي المليئين بالمصالح والتوجهات والأجندات لدرء تدخلاتها المباشرة وما تنجم عنها من نكبات وكوارث ومآسي كما هو الواقع في سوريا اليوم، ومنع تكرارها مستقبلاً.
1) فالفدرالية نظام حكم مألوف ومطبق عالمياً في كثير من الدول وفي جميع القارات، تعريفه وأسسه معروفة لا تحتاج إلى اجتهاد أو جدال أو تأويل لإقرار صيغته، وهو الأفضل لتوحيد البلدان بعد انقسامها بفعل أزمات وحروب من منطلقات طائفية أوعرقية.. كما هو الحاصل في سوريا.
2) الفدرالية تطبيق عملي للديموقراطية، بحيث يحكم كل إقليم جغرافي نفسه بنفسه ويدير شؤونه الذاتية وفق خصوصيته العرقية والدينية والثقافية عبر ثلاث سلطات منفصلة، منتخبة محلياً بالتعاون والتنسيق مع المركز الفدرالي، الذي يتولى أمورالدفاع والعملة والخارجية كمشتركات بين الأقاليم جميعها، تتحقق بموجبها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع على حد سواء. 
3) باعتبار الفدرالية شكل محدد ومعين من اللامركزية (الفضفاضة والآيلة لأكثر من تأويل) التي تحتمل المراوحة والمراوغة في التعريف والتوصيف والتحليل والتطبيق من اللامركزية الإدارية إلى الواسعة الصلاحيات إلى المحلية إلى الذاتية إلى السياسية إلى حق تقرير المصير..إلخ، فاعتماده يلغي اللغط والخلط والتشويه والتحوير المتوقع والمتقصد حسب الأهواء والنوايا والغايات.
4) الفدرالية كمفهوم ومنهج يزيل التوجس والقلق والتحسس لدى المكونات والأطراف من سيطرة المركز ذو اللون الواحد، وكذلك يبعد الشكوك والاتهامات تجاه تلك المكونات كالنزوع إلى الانفصال عن الوطن الموحد أو تقسيمه (كالحالة الكوردية)، ومنع استثمارها واستخدامها من قبل دول إقليمية وعظمى لفرض شروطها وتنفيذ أجنداتها.
5) الفدرالية حل واقعي وعملي لمفهوم المواطنة والشراكة في بلد نامي من العالم الثالث، متعدد الأعراق والأديان والثقافات، يعاني من النزاعات والصراعات بين فئات تكافح من أجل هويتها وخصوصيتها واستقلاليتها كحقوق عادلة ومشروعة حرمت وسلبت منها بفعل ظروف وأحداث تاريخية استثنائية غير طبيعية، وفئة تحتكر السلطة والسيادة كحقوق طبيعية مكتسبة تستقتل من أجل الحفاظ عليها، على عكس البلدان المتقدمة حيث تتركز اهتمام مكوناتها وخلافاتها حول الخطط والبرامج الأكثر قبولاً ونجاحاً وجدوى لخدمة أوطانها وتطويرها وحماية أمنها ومصالحها.
6) الفدرالية حل وطني وديموقراطي (حاسم وجدي) للقضايا القومية المزمنة والعالقة كقضية الشعب الكوردي، لتتجاوز الحدود الدستورية وآليات الأكثرية والأقلية في الاستفتاءات العامة في تثبيت الحقوق، وضمان ممارستها بدون عوائق واشتراطات وضوابط وإجراءات قانونية أو إدارية أو تنفيذية.
7) اعتماد الفدرالية كمشروع (خيار) وطني من قبل السوريين أفضل من فرض نماذج أخرى كالتقسيم من قبل القوى العظمى ووفق مقاساتها وأجنداتها، الذي يطرح على لسان الدبلوماسيين والاستشاريين والمسؤولين في مراكز القرار والبحوث العالمية.
8) الفدرالية مطلب كوردي عام ومشترك لكل الأطر والأطراف الكوردية بمختلف اتجاهاتها وتحالفاتها بمثابة مشروع قومي ووطني لتأمين حقوق الشعب الكوردي ضمن الاطار الوطني الموحد على أساس التوافق والتفاهم والشراكة.
9) الفدرالية نظام مجدي وناجع في مجالات البناء والإدارة والتنظيم والتنمية والإنتاج على جميع الأصعدة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية..، لأنها توفر الحرية وتوزع المسؤولية والصلاحية وفق التقسيمات المناطقية والتخصصية لكل قطاع وإقليم.
10) الفدرالية تزيد حاجة الأقاليم للانسجام والتكامل والتنافس الايجابي ضمن الوطن الواحد، بسبب تفاوت نسبة النقص أو الفائض في الموارد والثروات والكفاءات والخبرات من إقليم لآخر، فالتعدد والتنوع يزيدان البلد قوة وجمالاً والتحاماً في كافة النواحي والمجالات طوعياً وطبيعياً دون قسر أو إكراه.
11) الفدرالية تحقق العدالة والمساواة والحرية والديموقراطية..، لذلك تعارضها الأحزاب الأصولية والشمولية، وترفضها التنظيمات الشوفينية المتسلطة، وتحاربها الذهنيات المتطرفة المتعصبة، وتنبذها الأنظمة الدكتاتورية والتوليتارية المستبدة، حتى تبقى بلدانها بؤراً للتخلف والقلاقل والتناحر، وعرضة للأخطار والدمار، وحقولاً وأسواقاً للاستثمار والاستغلال والاستنزاف من قبل كارتيلات وشركات عالمية ضخمة.
    للأسباب السابقة ذكرها وغيرها فإن البديل والكفيل لاستعادة سوريا سيادتها ووحدتها وشرعيتها وعافيتها هو الفدرالية (الاتحادية)، لأنها الأمثل نظاماً وأسلوباً، والأوفر حظاً وقبولاً، والأنسب ذاتياً وموضوعياً لتبنيه وتطبيقه كخيار وطني استراتيجي يلبي طموحات وتطلعات عموم السوريين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم ومؤهلاتهم..
——– انتهت ———

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…

شفيق جانكير في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتلاشى المعايير، يبقى صوت الأستاذ إبراهيم اليوسف علامة فارقة في المشهد الثقافي والإعلامي الكردي، لا لبلاغة لغته فحسب، بل لما تحمله كلماته من وفاء نادر وموقف مبدئي لا يهادن. في يوم الصحافة الكردية، حين تمضي الكلمات عادة إلى الاحتفاء العابر، وقفت، عزيزي الاستاذ إبراهيم اليوسف، عند موقع متواضع في شكله، كبير بما يحمله…