برزان شيخموس
نشرت صحيفة الحياة يوم الاربعاء 29-3-2017 مقالاً بعنوان ” أكراد سورية هم ما تبقَّى من ثورتها” للكاتب عهد الهندي, يوضِّح فيها أنَّ تجربة الإدارة الذاتية المعلنة في المنطقة الكرُدية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب العمال الكرُدستاني بأنّها تجربةٌ فريدةٌ ويجب على المعارضين السوريين الاقتداء بها ودراستها, بعدما قارنها بمحافظة إدلب وريف حلب الغربي واللتان تعيشان طقوس الإمارة الإسلامية حيث تُمارَس الشريعة بنسختها القاعدية، وسكان الرقة والدير الذين يعيشون في ظلال الخلافة.
إلى حدٍ كبيرٍ يمكن الاتّفاق مع ما طُرِح في المقال, حيث نِحت الثورة السورية المنطلَقة أواسط آذار 2011 إلى مناحٍ بعيدةٍ عمّا كان يدور في عقول وأفئدة الثوار الأوائل ومعظم أبناء الشعب السوري الذي كان يطمح إلى نيل الحرية أسوةً بباقي شعوب المعمورة والعيش في كنف نظام تعدّدي ديمقراطي, إلا أنّ التخاذل الدولي ونصرة حلفاء النظام له هي من دفعت بعموم سوريا إلى مآلات لا تُحمد عقباها سواءً في مناطق الإمارة الإسلامية أو الواقعة في ظل الخلافة أو المتبقّية تحت سيطرة النظام كالمنطقة الكرُدية والتي أوكل فيها النظام بعض المهام الأمنية لإدارةٍ أو بمعنى أدقَّ سلطة وكالة – الإدارة المعلنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي – فسلطة الجناح السوري للعمال الكرُدستاني كانت في بادئ الأمر كما باقي المناطق السورية على شكل ميلشيات أو لجان شعبية كانت مهمتها قمع جميع الأصوات المناصرة للثورة السورية أو الطامحة لنيل الحرية والعيش في كنف الديمقراطية وفي مقدمتهم الشعب الكرُدي من خلال قمع التظاهرات الجماهيرية من خلال تصفية النشطاء وصولاً إلى المجزرة التي ارتكبتها قوات تلك السلطة في مدينة عامودا بإطلاق النار على متظاهرين عزَّل, إلى أن تبلورت على شكل إدارة تزامن إعلانها مع بدء محادثات جنيف2 والتي شارك فيها المجلس الوطني الكرُدي ضمن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية, بغية إضعاف موقع المجلس والائتلاف في المحادثات و بأنّ الواقع شيء مغاير, وأنَّ القوى المفاوِضة لا تملك شيئاً على الأرض, الأمر الذي باح به السيد جميل بايق القيادي في العمال الكرُدستاني لقيادات المجلس في وقتٍ لاحقٍ.
كلُّ ما سبق يعدُّ نسفٌ لما لم يوضحه الكاتب بأنَّ أكراد سوريا هم ما تبقَّى من الثورة, لربُّما لبعده عن المنطقة الكرُدية وعموم سوريا, أو لمتابعته لبعض ذر الرماد الذي تنثره تلك الإدارة من خلال إعلامها والمتضمِّن ادّعاء الديمقراطية وضمان حقوق جميع مكوَّنات المنطقة العرقية والأثنية وإظهار نفسه في مشهد حامي حمى المرأة, الأمر الذي استند عليه الكاتب ورآها ما تبقّى من الثورة مختصِراً سلبيات الإدارة في الشمولية وإغلاق مكاتب الأحزاب الموالية لإقليم كرُدستان العراق.
الأمر منافي لما تمّ تبيانه فمعظم الشخصيات المشارِكة في تلك الإدارة هُم ممّن تمّ توجيههم بأمرٍ من أفرع النظام الأمنية بدليل أنَّ الإدارة قمعت جميع مناصري الثورة في تلك البقعة الجغرافية و من جميع المكوَّنات وكان آخرها إغلاق مكاتب المنظمة الأثورية الديمقراطية والتي يعلم جميعنا بأنَّها غير مناصِرة أو مؤيِّدة لإقليم كرُدستان العراق وليس لها أيُّ طموحٍ في بناء الدولة القومية, تزامناً مع زجِّ العديد من الناشطين والإعلاميين في سجون الإدارة إلى جانب العديد من حالات الخطف والتعذيب وبتر أصابع الصحفيين كما حدث مع جنكين عليكو مراسل موقع يكيتي ميديا ونفي أعداد من السياسيين وقادة أحزاب كان من ضمنهم رئيس المجلس الوطني الكرُدي في مشهدٍ مناقِضٍ لأبسط مفاهيم الديمقراطية بل هي في حذو أعتى الدكتاتوريات .
المرأة التي استشهد بحريتها الكاتب في مناطق نفوذ إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ليست إلا سلعة للاستهلاك الإعلامي وأداة لتلميع صورة الإدارة وأمثلة انتهاك حريتها لا تُعد ولا تُحصى ابتداءً من تجنيد مئات القاصرات في قواها العسكرية والتي دوَّنتها ووثَّقتها العديد من المنظمات الدولية ومنها هيومن رايتس ووتش, بالإضافة إلى حادثة مراسلة شبكة روداوو الإعلامية رنكين شرو والتي مُنِعت دخول سوريا من قبل شرطة الإدارة بل سُحِل بجسدها الذي كان يحوي في أحشائها جنين إلى الجانب الآخر من الحدود دون مراعاةٍ لأنوثتها.
أما عن علاقة تلك الإدارة بالنظام فالعلاقة ليست ندية بل تبعية بحتة لأنّ تماثيل حافظ الأسد ونجله باسل مازالت شامخة في أكبر مدن الإدارة, وجميع فروع أمن النظام قابعة في المكان ذاته وتدير المنطقة وتصرف رواتب معظم موظفي الدولة وتؤمِّن الدقيق لمخابزها وجميع مستلزمات منشآتها ومراكزها الحيوية, ناهيك عن وجود مسلحي حزب الله اللبناني والحشد الشعبي في مدينتي الحسكة والقامشلي, والتي تشرف على تخريج دورات المتطوعين في فصائل رديفة للجيش العربي السوري وكان آخرها تخريج دفعة جديدة من كتيبة “خنساوات سوريا” في قرية (خربة عمو) في ريف القامشلي بحضور الأمين القطري المساعد لحزب البعث هلال هلال .
في السياق ذاته النظام يستولي كما سابق عهده على جميع واردات المنطقة سواءً المحاصيل الزراعية أو المشتقات النفطية والتي بدأ منذ فترة ليست بالبعيدة بتوريدها إلى مصفاتي بانياس وحمص عبر شركة نقل لبنانية تُسيِّر يومياً مئات الصهاريج المحمَّلة بالنفط الخام, وأسعار المشتقات النفطية بدأت هي الأخرى في ارتفاعٍ كما باقي عموم سوريا خلافاً لما ذكره المقال.
لعلَّ ورود اسم الكرُد في أعلى قائمة ما تبقى من ثورة كان سيكون محطُّ فخرٍ واعتزاز, لكنَّ المشهد مغاير تماماً وحال المنطقة الكرُدية ليس بأفضلَ أو أحسنَ من مناطق الإمارة الإسلامية والخلافة لأنَّ النظام ومن خلفه حلفاؤه حاولوا جاهدين إيجاد البديل الأسوأ له, أو منهم أكثر طغياناً عساه يتدارك مساعي البسطاء بتمني ونيل ناره بديلاً عن جنان من ورثه.