قراءة في مقابلة رضا آلتون مع عُكاظ

إدريس سالم
يرى آلتون، أن العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة الأمريكية هي علاقة اضطرارية، وليست محبة، ولا يوجد خيار ثان، وأن ما يحصل في غربي كوردستان ليس مشروعاً كوردياً. أعتقد أن آلتون أصاب في قراءته، لأن حزب الاتحاد الديمقراطي ليس لديه أي مشروع بصبغة كوردية، فهو يعمل منذ بداية الأزمة السورية على مشروع أخوة الشعوب «هل سينجح مشروع PYD على البعد الاستراتيجي وسط غياب مشروع المجلس الوطني الكوردي، وتنكيل الأول بالثاني؟».  
رضا آلتون، وهو قيادي كوردي رفيع، ومرافق أوجلان، يعدّ وزيراً للخارجية في حزب العمال الكوردستاني، في مقابلته مع صحيفة “عكاظ” السعودية، تحدث عن الدور الذي يلعبه حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وأن الكورد لأول مرّة يمارسون السياسة باسمهم فيما أسماها بمصطلح ”روج آفا“؛ وأنهم اعتمدوا فلسفة زعيم حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان. هنا يبادر في ذهن القارئ السؤال التالي: ”كيف لا يملك PYD مشروع كوردي؟ وكيف يمارس الكورد السياسة باسمهم، وهم في الأساس مرتبطون بفيدرالية فارغة من روح الكوردايتي، ومشروعهم هو لأخوة الشعوب وديمقراطيتها؟“.
آلتون يوضّح “لو حاولنا قراءة سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا لا نستطيع القول إنه يمارس السياسة الكوردية التقليدية المألوفة؛ لأنه يعتمد على موقعه وقوته، ولا يعتمد على طرف داعم، بحيث إذا انسحب هذا الطرف ينهار”. قد نتفق معه أن PYD لا يمارس السياسة التقليدية، ولكنه مرتبط بعدة أطراف، ويده طويلة في ذلك، من النظام السوري، إلى أمريكا، أخيراً روسيا، فهل علاقاته بهذه الأطراف الثلاث استراتيجية، بحيث تخدم الكورد، وتثبّت حقوقهم، أم أنها تكتيكية اضطرارية؟ ثم أن جميعهم يمدّون PYD بالدعم العسكري واللوجستي، بدليل تصريحات تركيا النارية ضدّ أمريكا، لأن الأخيرة تدعم الكورد بالسلاح. 
يؤكد مرافق عبد أوجلان أن نموذج جمهورية مهاباد اعتمد على دعم الاتحاد السوفيتي، وأن هذه الجمهورية انهارت جراء توقّف الدعم السوفيتي، ويتساءل عن تكرار هذا السيناريو بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي مع أمريكا. نعم هذا الخيار وارد جداً، خاصة وأن المسؤولين الأمريكيين صرّحوا في أكثر من مقابلة ومناسبة أن الكورد في سوريا هم شركاء لهم، ولم يقولوا بأنهم حلفاء، وهناك فرق شاسع بين الشريك والحليف، حتى لو اعتمد PYD على قدراته الذاتية، فإن تركيا والنظام السوري وميليشيات إيران والعراق ستعمل جاهدة على استنزاف هذه القدرات، وبكل السبل. 
لقد ثمّن ومدح آلتون كثيراً لدور حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، ليؤكد بأن لا روسيا ولا أمريكا ولا أي قوّة مؤثّرة أخرى في سوريا طرحوا أي مشروع ملموس للشعب السوري، ما عدا حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، اللذان طرحا مشروع ”سوريا ديمقراطية فيدرالية“. قد يكون ذلك صحيحاً نوعاً ما، إلا أن المجلس الوطني الكوردي ومنذ بدايات تأسيسه وانضمامه للثورة السورية والائتلاف السوري المعارض رفع شعار الفيدرالية عالياً، وثبّت الحقوق الكوردية ولو بوثيقة رسمية معترفة من قبل المعارضة علناً.
هناك شخصيات ومثقفون وكتّاب كورد، ممَن هم قريبون من حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية، لا يزالوا يكذّبون كل الروايات التي يتم تداولها حول العلاقة بين حزب العمال الكوردستاني والنظام السوري، فالسيد رضا آلتون بصفته قيادياً بارزاً في PKK يؤكد على وجود علاقات تواصل بين حزبه والنظام السوري، وأن هذه العلاقات ستستمرّ طالما النظام يريد ذلك، ولا مانع لديهم أيضاً، إذاً لم هؤلاء الكتّاب والمثقفون يضحكون على لحى الشعب الكوردي في غربي كوردستان، ويكذبون تلك الأخبار الواضحة وضوح الشمس؟
وفي سياق سؤال عكاظ حول استعداد العمال الكوردستاني لعلاقة ما مع أمريكا يجيب آلتون: “على الصعيد الاستراتيجي لا يمكن التحرّك مع أمريكا، العلاقات الموجودة في غربي كوردستان هي على المستوى التكتيكي والدعم العسكري، ومن غير الواضح إلى أين ستصل هذه العلاقة، ولا يمكن التكهّن كيف ستكون السياسة الأمريكية في سورية مستقبلاً، وكيف سيتصرّف حزب الاتحاد الديمقراطي تجاهها، ربما على الصعيد السوري ستكون هناك علاقات تكتيكية مع أمريكا وروسيا على أساس يتم به حلّ الوضع الكوردي في سوريا وهذا أمر آخر”. إن علاقة أمريكا مع أي دولة أو تنظيم سياسي أو فصيل عسكري في الشرق الأوسط هي علاقة مبنية على شعار ”أمريكا أولاً“، فمن غير المنطقي أن تترك أمريكا علاقاتها وتحالفاتها ومصالحها في سبيل أن تقيم علاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي أو العمال الكوردستاني، كحليفين استراتيجيين!! 
آلتون يرى أن رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني قد أخطئ في مشروع الاستفتاء، دون أن يدرك أهمية هذه الورقة الاستراتيجية لمستقبل الكورد، دون أن يدرك أن كل قوى الشرق الأوسط العربية لن تنادي الكوردي بضرورة أن ينظموا لأنفسهم استفتاء لتقرير مصيرهم، متناسياً وغير ناقد عن الخروج المخجل للكورد في مدينة آمد بشمالي كوردستان نُصرة للقدس وتنديداً بقرار ترامب، وكأنّ القدس هو قلب كوردستان، وليس كركوك، التي يسيطر عليها الآن قوات شيعية إيرانية، فلماذا لم يخرج أي مدينة كوردية في شمالي كوردستان نصرة لأهالي كركوك وتضامناً معهم ورفضاً للعدوان العراقي – الإيراني؟
حقيقة الإعلام العربي لا زال إعلاماً ناقصاً، فهو إلى الآن لا يعلم ماذا يريد، ”أكل العنب أم قتل الناطور“، فجميع وسائل الإعلام العالمية تتعامل مع إقليم كوردستان على أنه إقليم كوردي، وهو لا يزال يتحدث عن شمال العراق وما شابه ذلك، لدرجة أن المحاور قد شفّ غليله بحزب العمال الكوردستاني، فهو على الدوام كان يذكر القارئ بأنه حزب إرهابي وقيادي إرهابي ووزير إرهابي، متناسياً سادة الفساد في بلاده، إلا أن آلتون نفسه لم يقصر بحق الكورد، من حيث أن الكورد ليس لديهم مشاريع كوردية في غربي كوردستان، وأن كوباني ستتكرّر في عفرين، وأن بارزاني أخطئ في قرار الاستفتاء. 
كاتب وصحفي كوردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…