عبدو خليل
لن تكون المرة الأخيرة التي أتطرق فيها لموضوعة عفرين ضمن الإطار الكردي السوري . تلك القضية التي طرحتها مراراً ونعتني البعض بالمناطقية، لكن هذه المرة من زاوية أخرى أكثر خطورة، وذلك انطلاقا من فكرة أن مصائر الشعوب ليست بضائع للمتاجرة بيد بعض سماسرة الحرب، والسياسة الكردية ليس ببعيدة عن تلك الأجواء. وكل ما نملكه من أدوات هو الكشف عن ألاعيب وصفقات هؤلاء. حتى لا نترك يوماً ما تأويل التاريخ أو كتابته بما يتماشى ومصالحهم، و التي أقل ما يقال فيها أنها دنيئة ووضيعة ولا تستحق أن تكون أكثر من لطخة سوداء على جباههم .
بداية سأنطلق من بوست كتبته عشية مؤتمر رياض 2. سألت فيه عن غياب ولو ممثل واحد من كوباني وعفرين وكرد حلب ضمن وفد المجلس الوطني الكردي، خاصة انه سبق وأن ضغط المجلس الكردي على أطر المعارضة السورية من أجل اعتباره الممثل الشرعي الوحيد لكرد سوريا. بالتأكيد لم يكن سؤالي بريئاً عن غياب كرد عفرين وكوباني وحلب، أعرف الخبايا وما يدور ببعض الغرف السرية لكتلة الكثير من الأحزاب الكردية بحكم أن جملة الصراعات البينية فيما بينها تفضح كل ما هو مستور. رغم أن البعض يصر على دفن رأسه في الرمال.
كان ذاك البوست سبباً لأن أتلقى تهديداً مبطناً من قيادي كردي طالما أعتبر نفسه عراب المجلس الوطني الكردي، طالبني بسحب البوست بعدما نبهني إلى رشوة كان قد قدمها لي دون أن أنتبه لذلك. ربما لأنني من ناكري المعروف ؟. أو ربما لظنه أنني أشبه من حوله. ممن يتهارشون على مقعد هناك وهناك لحضور مؤتمر أو فعالية، وأعتبر هذا الأمر بمثابة الفتح المبين له ولمن حوله من السذج، وتلك تفصيلة أترفع عن الخوض فيها لاعتبارات كثيرة، لأنني لست مخولاً بذلك، وأترك الموضوع لصاحب “ة” العلاقة ذات نفسه رغم أنه تحمل وزر وتبعات ما كتبته وهو براء منها. ولكن ما أثار استغرابي هو التهديد المضمر بسحب البوست. ولكم أن تتصوروا كيف أن مجلساً يدعي تمثيله لكرد سوريا يفقد صوابه على خلفية بوست لا يتجاوز الخمسين كلمة ؟.
سأعود لقضية عفرين التي يحاول البعض في المجلس الوطني الكردي بيعها لتركيا، والبيع هنا بمعناه السياسي. بالتغاضي عما يجري من حولها لقاء بعض المكاسب والمنافع الشخصية، وذلك عبر إقصائها و حتى محاولة عدم تداول تلك المفردة التي باتت تغيظ حلفاءهم الأتراك، وللوقوف بحياد على قضية عفرين التي باتت تأخذ مساحة واسعة في الإعلام العربي والغربي نظراً لخطورة الوضع. صحف من وزن الغارديان ودير شبيغل وقناة بي بي سي خصصت لها مساحة ليست بالقليلة، كذلك صحف عربية بحجم الحياة والشرق الاوسط وقناتي العربية والجزيرة وغيرها أعطت هامشاً واسعاً لما يحاك حول عفرين، وحتى لا أتهم بتلفيق الذرائع والأوهام. قمت بمراجعة التقارير الأخيرة الصادرة عن الحزبين الرئيسيين اللذين يشكلان المجلس الوطني الكردي. بعد التدقيق وجدت أنها تخلو من أية إشارة لما يجري في عفرين وما حولها، مثلاً. البلاغ الصادر عن اجتماع حزب يكيتي الكردي والذي يترأس فيه السيد ابراهيم برو زعامتين. زعامة حزبه وزعامة المجلس الوطني الكردي، تطرق حتى للزلزال الذي ضرب بعض مناطق إقليم كردستان العراق ولو كانت هناك صلاة خاصة لدرء الزلازل لكان ضمنها في بيانه ودعا إليها، وتطرق للوضع السياسي والعسكري في كركوك(1) ولبطولات زعيم المجلس وسكرتير الحزب في مؤتمر رياض2 وكيف أنه أخرج الزير من البئر وأحضر الدب من ذيله، لكنه تغاضى عن كل ما يثار حول عفرين وأعتبر أن ما يجري هناك يقع على الضفة الغربية للفرات التي لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد.
الشيء ذاته نجده في تقرير الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري (2) والذي يتطرق وبإسهاب لكل الجغرافيا الممتدة من الجزيرة السورية وصولاً لكركوك ويفرد لها مساحة شاسعة من حيز اهتمامه، ثم يشوح وينوح وهو يسرد مظلوميته من سلطات ب ي د ويرسم لنا بانوراما سياسية مملة عن سياقات راهن المنطقة كلها لكننا لا نجد ولو تلميحاً عابراً فيما يخص تطورات عفرين وكأنها تقع في أقصى القطب الشمالي ؟.
حتى بيانات وتصاريح المجلس الوطني الكردي الأخيرة تتجنب التطرق لعفرين وكأنها خط أحمر(3)، حقيقة للوهلة الأولى ظننت أنني أما تصاريح وبيانات تتبع لمجلس كرد العراق، طبعاً هذا لا ينتقص من قدرنا واحترامنا لكرد العراق ولا يعني البتة أنه لا توجد جملة تقاطعات ومشتركات. أدرك أن هناك من سيحاول الاصطياد في الماء العكر ويعتبرني خارجاً عن شور عشيرته السياسية ، ولكن هل يعقل أن نرى كل هذا الكم من البيانات والاهتمام بعيداً عن ما يجري في المناطق الكردية من سوريا. أليس من المعيب أن يتبجح رئيس المجلس ونائبته بأنهم يمثلون كرد سوريا عبر وسائل الإعلام، وهما ذات أنفسهم حضروا رياض2 تحت قائمة المستقلين ؟. يؤسفني القول أن من يعاني من عورة سياسية عليه أضعف الإيمان الالتزام بالصمت لا التبجح بمنجزات هو بعيد كل البعد عنها.
حقيقة لا يمكن تفسير كل هذا الإقصاء والصمت والتقصير تجاه عفرين إلا من منطلقين اثنين، إما أن المجلس الوطني الكردي قد باع عفرين لتركيا وقبض ثمن صمته المريب، أو أن هذا المجلس يمثل فئة محدودة من منطقة الجزيرة وما حولها وهذا ما يظهر من خلال مناطقية كتلة المتحكمين بمفاصله. وأهلنا هناك. أي في الجزيرة وما حولها، براء من سلوكياتهم وأفعالهم وغالبيتهم يعانون الوجع الذي يعصف بعفرين وهذا ما نجده لدى أغلب الأصدقاء الجزراويين . في كلا الحالات تلك خيارات هؤلاء الساسة ولكن لا بد من إماطة اللثام عن الحقائق. حتى لا يخرج أحدهم ويدعي أنه يمثل كل كرد سوريا ويصدع رأسنا بخطب الإطناب والحماس التي عفى عليها الزمن. تلك التي لا تغني عن خيمة لاجئ لتدفع عنه قسوة شتاءات المنافي. من حق هؤلاء. الساسة، الفاشلون أن يستجدوا ويتوسلوا الدول وأطر المعارضة للادعاء بأنهم الممثلون الوحيدون والوكلاء الحصريون لمن ينقاد خلفه ، ومن حقهم التباهي بأنهم يمضغون أجود أنواع اللبان السياسي ، ولكن من حقنا تعرية الحقائق ورميها في الفضاء.
أخيراً. ندرك جيداً أن هناك ثلة تجير المجلس لغايات وأجندات لقاء الحفاظ على مكاسبه الشخصية ويعتبر السياسة مجرد دكانة سمانة وما يهمه هو ديمومة بضائعه وزبائنه واحتكار المساحة التي استولى عليها بحكم جملة الظروف ، لذا ليس غريباً أن يختبئ البعض خلف إقليم كردستان العراق. حتى أنني مؤخراً وقعت على مادة في موقع المدن(4) تقول فحواها أن تركيا تضغط على شخصيتين من كرد سوريا لأنهما محسوبتان على إقليم كردستان العراق، لكم أن تتخيلوا الباقي. علماً كل هذه الشخصيات هي بالنهاية ليست سوى عالة على الاقليم بحد ذاته. لذا القضية اليوم في جانب منها ليست مناطقية فقط، إنما باتت نفعية لمجموعة لصوص يتقنون فنون الخطابة والتمويه والمواربة وتقمص قضايا الشعوب . هم بالنهاية نسخة مهجنة عن تجار وأمراء الحرب والسلاح ولكن بلبوس مدني.
1 _ راجع موقع يكيتي ميديا
2 / 3_ راجع موقع المجلس الوطني الكردي
4 _ راجع موقع المدن : النظام يدين.. وإقليم كردستان يغيّر تحالفاته. سعيد قاسم