الحركة السياسية في غرب كوردستان ومهمات المرحلة (8)

جان كورد
الفكر، تحديد المفاهيم الأساسية المستنبطة من الفكر، تثبيت الأهداف وأولويات العمل لتحقيقها، الخطط التي يجب وضعها للخروج من المشروع بنجاح ملموس. وهذا ما نسعى له ونأمل الوصول إليه من خلال ما نطرحه من رؤية متواضعة على كل الناشطين في حراكنا السياسي –  الثقافي في غرب كوردستان وفي المهاجر.  
المجزرة الكبرى المرتكبة من قبل نظام الأسد الأب في مدينة حماه في عام 1982، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 50.000 مواطن سوري، ألقت الرعب في نفوس المعارضين جميعاً، سواءً أكانوا إسلاميين أو علمانيين، يساريين أو مطالبين بنظام ديموقراطي حر، ومنها الحركة الكوردية السورية، حيث مات الرئيس الذي يعتبر مسؤولا عنها من دون عقاب أو حتى تقديمه إلى محاكمة دولية بسببها، وهذا ما دفع المعارضات السورية عامةً إلى عدم القيام بأي تظاهرات ضد الأسد في يوم رحيله، بل دفن في قريته (قرداحة)  باحتفالٍ عظيم، فظّن أولاده وأتباعه أنهم يمكن الاستمرار في سياسته الدموية الدكتاتورية، ولكن الأسد الجديد الذي حل محل أبيه كان غير ناضج سياسياً مثل أخيه (باسل) الذي كان أبوه يؤهله للرئاسة، إلاّ أنه مات جراء حادث سيارة، ويشك البعض أنه تم اغتياله. 
 ولذا، فإن (بشار) قد بدأ حكمه بكثيرٍ من الكلام المعسول عن التجديد والحريات السياسية والانفتاح على كافة الشعب السوري، على غرار ما كان أبوه قد بدأ حركته التصحيحية بشعار “إنها ثورة للشعب لكل الشعب”،  إلاّ أن الواعين من المثقفين الوطنيين كانوا مدركين جيداً أن النظام الذي بناه حافظ الأسد على جماجم السوريين لا يزال مستمراً، وأن الحرس القديم للرئيس لن يتخلى أبداً عما كسبه من مواقع وما عززه من مصالح مالية واقتصادية، حتى صار سند النظام السابق وسيظل سنداً لنجل الرئيس، بل إن “العائلة الحاكمة” التي استغلت اسم “الطائفة”  قد صار أفرادها والاقربون إليها من أغنى أثرياء البلاد، يملكون المليارات من الدولارات ولهم استثمارات خارج البلاد، حتى في إسرائيل أيضاً المعلنة كعدو رقم واحد لسوريا. ولم ينخدع الواعون بالمظهر المثير للرئيس وزوجته التي تحمل الجنسية البريطانية، وما أراد جعله رسالة للغرب من مظاهر البساطة والتواضع وما بثه عبر الإعلام في الشعب السوري من آمال بتغيير الوجه الاشتراكي المتخلّف للحكم في سوريا، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتحرير الشعب السوري من كثيرٍ من المظالم والقيود ومن سطوة الطغمة العسكرية الحاكمة، حيث كان مؤكداً أن نجل الأسد لن يسير إلاّ على خطى أبيه الراحل في مختلف المجالات، وذلك لأن النظام عزز من سطوته في كل مجالات الحياة العامة، وحاول ذلك في لبنان أيضاً، لأن سوريا كانت هي المسيطرة على الساحة اللبنانية بموجب اتفاق الطائف الذي أقرّ فيه قادة العرب وقف الحرب الأهلية في لبنان، عن طريق دفع الجيش السوري لاحتلاله، فجعله الأسد الراحل بلداً تابعاً لسلطانه بكل معنى الكلمة، عن طريق اغتيال الزعماء المعارضين للاحتلال السوري وشراء الذمم وفرض سياسة إرهابية على اللبنانيين، والسماح لضباطه وأعوانه بممارسة سياسة نهب وسلب لا مثيل لها.
بدأ بعض السياسيين الذين انبهروا بوعود وتصريحات الرئيس الجديد، بافتتاح نوادٍ ومنتديات ثقافية بخلفية سياسية، إلاّ أنهم دفعوا الثمن غالياً بحياتهم، وفي مقدمتهم السياسي الكوردي مشعل التمو، الذي كنت أجده في مراسلاتنا مؤمناً بأن استغلال أدنى بصيص أمل في حجرة هذا النظام المعتمة واجب يقع على عاتق كل المثقفين السوريين، إلاّ أن النظام ما كان ليرحم مثقفاً كهذا لعلمه بأن أطروحاته ستنتشر كالنار في الهشيم، وبخاصةٍ فإن الشهيد مشعل التمو أرادها سوريا حرة، ديموقراطية، تتسع للجميع، ويتمتع فيها شعبنا الكوردي بحقه في تقرير مصيره بنفسه، ويسود الأمن والسلام والاستقرار لكل مواطنيها دون استثناء.  وقد تبين باندلاع “الانتفاضة” في آذار 2004 في مدينة القامشلي الكوردية أن المثقفين السوريين كانوا غير قادرين على زج طاقات الشعب السوري جميعاً لمقارعة النظام الذي انتفضت المدن ذات الأغلبية الكوردية في وجهه، في حين صمتت المدن ذات الأغلبية العربية صمت القبور، رغم أنه كان فيها نسبة عظيمة من الأحرار المعارضين للأسد ونظامه الطائفي المكروه. 
قضى النظام بوحشية على الانتفاضة الكوردية التي كانت تعبيراً واضحاً عن عدم رضا الشعب بالسياسات المختلفة للأسد الجديد والسلطة الشريرة لمحافظ الحسكة سليم كبول الذي ساهم بنفسه في إطلاق النار على الشباب الكوردي، وذلك بالتعاون مع أبناء عشائر عربية كان بينها وبين الكورد علاقات حسن جوار عريقة، إلاّ أن النظام تمكّن من خداع الحركة الوطنية الكوردية بالتودد إليها لحض الشباب المنتفض على الكف عن تمردهم، فوافقت الحركة السياسية للشعب الكوردي، على تسمية الانتفاضة بأسماء تقلل من أهميتها التاريخية والوطنية، على الرغم من وقوع شهداء ونهب أموال وممتلكات الكورد واعتقال الكثيرين من الذي ساهموا في الانتفاضة أو لمجرّد أنهم لم يكونوا ضدها، وعلى الرغم من أن شعارات ونداءات الشباب المنتقض كانت واضحة ومطلوبة في الحرة السياسية أيضاً،  وفي الوقت ذاته شدد النظام من قبضته الأمنية على أنصار حزب العمال الكوردستاني في سوريا، فشن حملات اعتقال وتعذيب وحشية ضدهم، في محاولةٍ منه لإرضاء الحكومة التركية ولتحقيق مصالحة بين الدولتين الجارتين والاتفاق حول الماء والتجارة وموضوعات أخرى تهم البلدين. 
الخطأ التاريخي الكبير للحركة الكوردية “السورية” يكمن في تلك المرحلة من تاريخ شعبنا في غرب كوردستان، إذ ظهر أنها لم تعمّق من تضامنها وتعاونها مع قوى المعارضة السورية، طوال حكم حافظ الأسد، ولم تتمكن من استغلال الضعف الشديد الذي ظهر به النظام في وجه الانتفاضة الشعبية المجيدة، كما ظهرت من دون سند أو معينٍ دولي، بل بدت وكأنها “بلبل في قفص” في أحرج اللحظات التاريخية التي كان يمكن للنظام فيها أن يشرع في إبادة شاملة، كما فعلها نظام الأسد الأب في مدينة حماه في عام 1982 ضد المعارضة الإسلامية آنذاك.
وعندما تحرّك الشيخ الوطني الواعي الدكتور محمد معشوق الخزنوي للوقوف مع الجماهير الكوردية على أثر الانتفاضة، فإن النظام شك في أن هذا الشيخ الكوردي الذي ينتمي لعائلةٍ واسعة النفوذ بين الملالي والشيوخ في كوردستان، وله إدراك شامل بما يجري على الساحتين الكوردية والسورية، ومتحمس لقول الحق رغم الإرهاب البعثي – الأسدي، قد يصبح حلقة وصل بين الشباب الكوردي الثائر وأطراف واسعة في المعارضة السورية، بحكم علاقاته الواسعة في دمشق والجزيرة السورية، فاختطفته أيدي الإجرام السرية للنظام في الحال وعذبته حتى الموت ويقال بأنه تم تقطيع جثمانه الطاهر بصورة وحشية ليجعل منه عبرةً لكل من يقف في وجه النظام الذي ليس فيه من جديد سوى الرئيس وزوجته. 
  والدرس الذي نأخذه لنا من تلك المرحلة يتألف من هذه النقاط: 
– لا ثقة بأي نظامٍ سياسي جديد حتى يثبت على الساحة بأنه مختلف عن سابقه حقاً.
– لا يمكن لأي حركة سياسية أن تتطوّر وتقوى ما لم تكن قادرة على تحمل مسؤولية القيادة للشعب في مختلف المراحل وفي الأزمات خاصةً.
– لا حل للقضية الكوردية في أي جزءٍ من كوردستان دونما تضامن فعّال بين الحركة القومية الكوردية والمعارضة الديموقراطية والوطنية في البلد الذي تتواجد فيه.
– لا قوة لأي حركة كوردية تتجاهل وجود العمق الكوردستاني لها.
– الكورد بحاجة إلى عمق سياسي دولي، وهذا لا يتحقق من دون تواجد ممثليات كوردية قوية تدرك جيدا أين تكمن مصالح الدول والحكومات، وبمجرّد القول أن الكورد أصحاب “قضية عادلة” لا يكفي لكسب التأييد العالمي لهم.
– من دون قوّة قتالية جيدة ومدربة لا يمكن لأي حركة سياسية أن تجد لها مكاناً تحت الشمس في عالمٍ يعج بأدوات الحرب والقتال والنزاعات تحل بقوة السلاح على الأغلب. 
‏23‏ حزيران‏، 2017
((يتبع))  
kurdaxi@live.com 
  facebook: Cankurd1

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…