ابراهيم محمود
رحل فرهاد عجمو الشاعر رحيله الجسدي الهزيل قبل رحيله الروحي بفارق زمني كبير، وقد كتبتُ عن رحيله قبل رحيله في ” 17 ” كانون الثاني 2017، وقوامه جسد متهالك ونظر يستميت في الدفاع عن المتهالك فيه، وما أقل أقل الذين أرادوه حياً رغم مصابه الجلل وهم صدّوقون، ما أكثر أكثر الذين أرادوه موضوعاً لهم وهم دون اسمه الكبير لينظَر إليهم من خلاله، رحل رحيله الكامل، وبقي في الجوار صوته الروحي” حبك Evîna te ” محلّقاً به فوق رؤوس الأشهاد.
لكم بقي جسده الهزيل طي غرفته المعتمة بأكثر من معنى، ووجهته القبر، وطريقه الكمد، ودواؤه توسّل الموت ليسرع إليه، مدركاً على ضوء روحه أن عمره قد أغلِق محضره، وأن الـ” 57 ” عاماً لا تعني له شيئاً إلا المزيد من التوجع والتفجع، حيث لا يبكي روحه إلا روحه، حيث لا يخفف من مصابه إلا مصابه عينه وهو في عراء الوجع، محكوماً بخلل تملّك عليه حركة قدميه، نظرته كما كانت إلى الجوار، الشارع الذي يمتد بين بيته لصق طريق الحسكة العام، ومحله الواقع شمال قامشلو، بين سيجارة تحترق سريعاً وتشتعل في أخرى، كما كان معهوده، كما لو أنه قدَّر أن الحياة احتراقات تترى، وأن السيجارة التي تحترق وتنفث دخانها، تسامر على مدار الساعة روحه وهي متقاسَمة بين سلسلة احترقات، ومن نظر إليه عن قرب لتلمس آثار هذا الحريق المندلع في رأسه وجسده، وهو ينتظر موته المتأخر عليه كثيراً.
يا الـ ” فرهاد عجمو “، ها قد رحلت رحيلك الفعلي وأنت تيمم قبراً، تراباً يلفك أم يضمك، لا فرق، عالماً آخر يحتويك، لتغيب عن الأنظار كلياً، لتعيش روحَك بروحك التي كانت بساطك المقدام إلى جهات شتى، ناجياً من فضول من أراد رؤيتك تعظيماً لنفسه، ومن لم يرد رؤيتك تأكيداً على جهالة والغة فيه، ومن قدّرك وهو دون قدْر، من صافحك وهو فاقد النعومة.
يا الـ” فرهاد عجمو “، أيها الصديق الذي كان، الصديق الذي يكون، وسيكون، كما سراً أبقيته رهين جنبيك، وأنت كما أنت الوحيد المفرد موهوباً لشعر أظنه المشيَع الأكبر لك، وقد منحته دفقاً بمداد من صوت شجي تعرفه قلوب كثيرة من كردك البسطاء، أكثر مما يتفقهون ويتحذلقون بكلمات لتأكيد نسابتهم الأدبية.
يا العزيز الرحالة بكلماته التي لن تموت، وروح الرحالة في جهات شتى، قارئك شعرك، فارشة ظلة، وحدتك الكثيرة، ترددات صوتك البالغ الهدوء، عزلتك الثرية، ياالعزيز فرهاد، بوركت إذ أعلِن عن رحيلك الختامي إثر هذا الطريق الماراتوني الطويل من الألم والألم والألم، ناجياً من تطفلات تترى، والفراغ الذي نصبته محل رحيلك ممتلىء بظلك الروحي، إذ لا أعظم من رحيل أبدي حين تكون الحياة وسط أناس يفتقرون إلى نصاب الحياة في حدها الأدنى.
أخي، صديقي، رفيق الكثير مما تحدثنا فيه، أي فرهاد عجمو ليكن مقامك جلاء النور، ولشِعرك الأهلي الكريم، وللقلة القليلة ممن كانون يسمّونك ” فرهاد ” وأنت فرهاد كما هو جمال معناه.
اطمئن، ما مات من خلَّف كلاماً مزروعاً في تربة القرطاس الخصبة، هو شعرك الذي لا بد أنه سينبت الكثير من البقاء، الكثير من الفرص التي تستبقيك كما لو أنك لن ترحل أبداً.
دهوك
في ليل 9-6-2017