آه منّا نحن الأكراد السوريين !

ابراهيم محمود
ثمة خطأ قاتل، قدَري، يبدو أنه لن يصحح إلى أجل غير مسمى بالنسبة إلى موقع ” الأكراد السوريين ” من عموم الكرد، فالذين يعيشون في صميم الجاري كردستانياً، في الإقليم وباكوري كردستان وروجهلاتي كردستان، يظهرون قدْراً كافياً من الاختلاف المؤلم في تقييم الكردية التي يستحقها كل كردي تبعاً لجهته. ولا بد من قول الحقيقة المرة هذه وهي أنه بمجرد أن يعرَف هنا أو  في الجهات الكردية الأخرى، عن أنك ” كردي سوري ” وليس روجآفا  أو باكوري سوري، حتى تنخفض قيمتك، ويقل رصيدك في تدبير الأمور، حتى لو كنت فطحلاً ابن فطحل. الجهات الكردية تحكم، وتضع الكرد ضمن تراتبيات/ مراتب، ولكَم يكون الكردي منكوداً منحوساً إذا كان ” كردياً سورياً “.
هنا، وأسمّي مباشرة إقليم كردستان، وعلى أكثر من مستوى” شارعي ” وحتى مؤسساتي ” جامعي ” وغيره، إذا كنت عاملاً فإجرتك أقل بكثير من إجرة الكردي الإيراني، والكردي التركي، وأنت دائماً في موضع شبهة ما، أو معرَض للطرد من العمل أو المضايقات، أو حتى لعدم دفع إجرتك التي تقابل أشهراً، والجامعي الكردي الإيراني والتركي لهما ميزة أخرى في العقد الموقع، بفارق لافت، وكذلك الحال مع متعهد عمل يجري تسهيل أموره إن كان كردياً إيرانياً أو تركياً مع تفخيم في المقام، ويبقى الكردي السوري” كردي سيري “، مجال تعليق وتهكم في أمكنة مختلفة غالباً، وهي أشبه بظاهرة خطيرة لاحظتها وعايشتها عن قرب، وما زلت، بقدر ما تشير إلى أن الكردي السوري مصنّف طارئاً على الكردية وخارج عن الخارطة السياسية الكردية ” ومعاق ” أو في أفضل الحالات، من ” أصحاب الاحتياجات الخاصة “.
أقولها من تجربة تستغرق قرابة خمس سنوات وعبر علاقات ولقاءات ومتابعات. منها، أن ابني عرَّف بنفسه كردياً تركياً، وهو مدرب كمال أجسام، فكان أن نال تقديراً غير مسبوق، وغامر بالخروج كغيره من الكرد ” المشبوهين ” في كرديتهم أخيراً إلى أوربا واستقر هناك، وكذلك ابني الآخر الذي عمل خطاطاً في شركة يديرها كردي إيراني كان لا يدخر جهداً في احتقار عماله الكرد، وللأكراد السوريين سهم وافر من ذلك، وكان يعرَف بنفسه خارجاً على أنه كردي تركي هو الآخر، ليغامر بدوري متوجهاً، بعد نكد، إلى ألمانيا وينال اهتماماً هناك..
ولا بد أن يطرَح سؤال من هذا القبيل: لماذا يحصل كل ذلك؟ في البداية أعتبر من يعرّفون بأنفسهم أولي أمر الكرد الحزبيين، في الواجهة، وهم مسلوبو الإرادة يعيشون تبعية هذه الجهة أو تلك، ويحددون لهم مرجعيات في كل صغيرة وكبيرة، ولا يترددون في إيلام بني جلدتهم جرّاء ذلك، وعبارة ” الخط العوج من الثور الكبير” شديدة الدلالة هنا. والأمر الثاني عائد إلى  مدى تخلف الوعي القومي الكردي، واستحالة الحديث عن هذا الوعي ولا حتى بنسبة مئوية ضئيلة بالمفهوم الكردستاني، كما يقال، جرّاء هذا التفاوت واستصغار الشأن، رغم أن الأكراد السوريين هؤلاء، لم يدخروا جهداً في التعبير عن كردستانية لكم قصّر الآخرون فيها. الأكراد السوريون لم يتوانوا عن احتضان أخوتهم ” الكرد ” الآخرين عند الملمات. عبر المناطق التي كانت تضم إليها الأكراد السوريين تاريخياً، شق  أكراد آخرون طريقهم إلى حيث يمكنهم التنفس وبناء أمجاد لهم، من صلاح الدين الأيوبي وليس انتهاء بجلادت بدرخان” مثلاً، لولا همة وكرم ضيافة ووعي قومي كردي قائم لدى الأكراد السوريين في بيت علي آغا زلفو وخارجه ، لما كان في وسع ابن بدرخان بك أن يعرَف كما يعرَف الآن “، ليس انتهاء بأي كردي يؤم جهة الآكراد السوريين وهو يفتح له قلبه قبل بيته رغم بؤس حاله وضعف مقدرته المادية أحياناً.
ليحقق من يريد التحقق من ذلك، ولينظر من يريد أن ينظر في هذه المأساة التي لا صلة لأي عدو كردي بها، كيف أن الأكراد السوريين لم يكونوا إلا كرداً ويقيمون في أرض كردية، ولكل منهم شخصيته ومواهبه بما يجعل الكردية أثرى وأمضى بقاء.
وآه منا نحن الأكراد السوريين وألف آه مما يجري بـ” حقنا ” حين يجب علينا أن نحصل بشكل دوري على براءة ذمة، ممن يعتبروننا أكراداً سوريين، ولم يحن بعد أوان الاعتراف بهم كرداً!
دهوك، في 8-7/2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…