مصطفى أوسو
يصادف يوم 15 سبتمبر / أيلول، مناسبة اليوم العالمي للديمقراطية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2007 حيث دعت كافة الدول الأعضاء وسائر المنظمات الإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية، إلى الاحتفال به، لإتاحة الفرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في العالم، وجعل المثل العليا الديمقراطية تتحول إلى حقيقة، يتمتع بها جميع البشر في كل مكان. وفكرة هذا اليوم، استندت على ضرورة بذل المزيد من الجهود لخلق ثقافة قبول الآخر المختلف، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والالتزام ببناء مجتمعات قائمة على المشاركة، وفقاً لمفاهيم ومعايير حقوق الإنسان، والمساهمة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، واستتباب السلم والأمن الدوليين.
والديمقراطية كمفهوم، يترابط ويتداخل بشكل كبير مع مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان، إلى حد نستطيع معه القول: أن الحق والقانون، يشكلان مرتكزين أساسيين للديمقراطية، فلا يمكن مثلاً الحديث عن قيام الديمقراطية بدون وجود دستور ينسجم ويتناغم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبدون تطبيق مبدأ سيادة القانون، وتحقيق الفصل بين سلطات الدولة الثلاث: (التنفيذية، التشريعية، القضائية) وأيضاً بدون نبذ استخدام الدولة / السلطة، للقوة والعنف أو التهديد بهما، في علاقتها مع المواطن، سواء كان ذلك في زمن الهدوء والاستقرار والسلم، أو في زمن الإضطرابات والحروب. ولكي تكون الديمقراطية سليمة، يجب العمل على ترسيخ مفاهيم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، والإقرار بالتعددية السياسية والقومية والدينية، وتشريع قيام مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة عن الدولة / السلطة، وإطلاق الحريات الفردية والعامة – حرية الرأي والتعبير والنشر والتجمع – ووجود قدر كبير من الشفافية في العلاقة بين الحاكم والمواطن، وتحقيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات، وتعزيز مفهوم دولة القانون والمؤسسات المبنية على مبادىء الحرية وحكم الشعب، والتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع. أن الديمقراطية في تطبيقاتها المختلفة وسيرورتها التاريخية، وإن كانت تتخذ القوالب والأشكال ذاتها، وأنما قد تكون لها أشكال ومظاهر مختلفة ومتعددة، تبعاً لطبيعة أنظمة الحكم وخصائص المجتمعات البشرية، إلا أن ذلك لا يبرر في كل الأحوال وفي جميع الظروف قبول تهرب الأنظمة الحاكمة من تطبيق مبادئها العامة واستحقاقاتها المختلفة بداعي الخصوصية، أو التذرع بأنها مفاهيم غربية مستوردة ولا تلائم أو تنسجم مع طبيعة مجتمعاتها.
ونحن أمام الاحتفال بهذه المناسبة، بعد مرور عقد كامل على إقرارها، نستعرض واقع الديمقراطية في سورية، التي تحتل مع غيرها من دول المنطقة ذيل قائمة التقارير الدولية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد دأبت أنظمة الحكم المتعاقبة في سورية منذ الاستقلال وحتى الآن، على تغييب الديمقراطية في الحياة العامة للبلاد، وإقامة نظم الحكم الديكتاتورية والعسكرية والاستبدادية والتوليتارية / الشمولية، القائمة على فرض حالة الطوارىء والأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية، التي قيدت بشكل صارم حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، فانعدمت معه جميع مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، وتفاقمت العديد من المشاكل في مختلف مجالات الحياة، وغابت التنمية والتطور، وانتشرت مظاهر البطالة والفقر والفساد والمحسوبية، وتجاهلت أيضاً، أنها بموجب تقسيم المنطقة وترسيم حدودها، أصبحت تضم جزءاً من الكرد أرضاً وشعباً، يجب التعامل معهم بموضوعية وإيجاد الحلول الديمقراطية لقضيتهم القومية وحلها بشكل ديمقراطي، فمارست بحقهم سياسة التجاهل والإنكار والشطب على وجودهم التاريخي، وتطبيق سياسة الاضطهاد القومي وإفرازاتها من القوانين العنصرية والقوانين الاستثنائية، وإقصائهم من المشاركة في الحياة العامة للبلاد، وخاصة بعد انتشار الأفكار القوموية العروبية واستلام حزب البعث السلطة، وهذه السياسة الممنهجة والتراكمات السلبية، أدت إلى خلق حالة من الاحتقان الجماهيري، برزت على شكل احتجاجات وانتفاضات هنا وهناك، لتكون ذروتها، الثورة الجماهيرية، التي اندلعت في عام 2011 في مختلف المدن والبلدات السورية، للمطالبة بالحرية والديمقراطية، فتصدى لها النظام السوري الحاكم بالقوة والعنف واستخدم مختلف أنواع السلاح، بما في ذلك السلاح الكيميائي المحرم دولياً، في محاولة منه للقضاء على كل المحاولات الرامية لتطبيق المبادىء الديمقراطية في البلاد، ولعل الخطاب الأخير الذي أدلى به رأس النظام بشار الأسد، وحديثه فيه عن “المجتمع الأكثر انسجاماً” يؤكد إصراره على معاقبة ومحاربة المطالبين بالحرية والديمقراطية، وعدم اكتراثه بضحايا حربه المجنونة على الشعب السوري، من القتلى والجرحى والمعتقلين والمفقودين والمهجرين واللاجئين، وعزمه الاستمرار في إجرامه وجعل المجتمع السوري يناسب مقاسه. ومن المؤسف أن فوبيا الديمقراطية أصابت أيضاً المعارضة السورية، التي تطرح نفسها بديلاً للنظام، وهي ناجمة عن خلل كبير في بنيتها الداخلية وشرعية تمثيلها، وأيضاً تشوه نموها، بسبب ولادتها في حاضنة الأفكار القوموية والعنصرية، المبنية على مصادرة الحقوق والحريات العامة، بالقوة والعنف، وهو ما نلمسه بوضوح في خطابها ورؤيتها السياسية وعجزها عن مواكبة تطورات العصر.
ورغم الآثار الكارثية، التي حلت بسوريا وشعبها، نتيجة غياب الديمقراطية وتجاهلها، لا يزال هناك ثمة إصرار من النظام الحاكم والمعارضة على حد سواء، مجتمعين ومنفردين، على تجاهل الديمقراطية ومحاولة إعادة انتاج الاستبداد والنظام الشمولي، وكلّ على طريقته الخاصة، من خلال إصرارهما على فرض الحل السياسي للأزمة القائمة، بالشكل الذي يلائم فكرهما ويلبي مصالح داعميهما، دون مراعاة لمبادىء الديمقراطية وحقوق مكونات الشعب السوري، وخاصة الشعب الكردي، التي تعتبر قضيته القومية من أهم القضايا، التي تشكل محكّاً واختباراً حقيقياً للديمقراطية.
إن الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ستبقى حلم السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والطائفية، وسوف لن يٌكلوا العمل من أجل تحقيقها وتطبيقها، لأنها تمثل الحل الأنسب الذي يحقق التنمية والتطور، ويجنب البلاد والعباد المزيد من المآسي والويلات بدون طائل.