د. ولات ح محمد
شهدت الأيام القليلة الماضية سعياً محموماً من أطراف إقليمية ومحلية لعرقلة الاستفتاء أو على أقل تقدير للتأثير على الجمهور الكوردستاني لإبعاده عن صناديق التصويت. وذلك في سباق مع الإرادة الكوردستانية وقد تنوعت الأطراف العاملة في هذا الاتجاه كما تنوعت أساليبها، وما حصل في كركوك أمس مثال صارخ على هذا السباق الساخن.
بعد أن حاولت الأطراف الإقليمية المتمثلة في تركيا وإيران على وجه الخصوص خلال الفترة الماضية التأثير في قرار قيادة إقليم كوردستان لثنيها عن المضي في قرار الاستفتاء كثفت من محاولاتها في الأسابيع والأيام الأخيرة ابتداء من زيارة رئيس أركان إيران إلى تركيا منتصف الشهر الماضي ومروراً باجتماع وزراء خارجية العراق وإيران وتركيا قبل أيام والتهديد الإيراني بإغلاق الحدود مع الإقليم، وزيارة قاسم سليماني إلى الإقليم لمرتين خلال الأسبوع الماضي والتنقل بين مدنه وبغداد،
وكذلك زيارة رئيس الأركان العراقي لتركيا، وليس انتهاء باجتماع المجلس القومي التركي وإصداره بياناً بالإجراءات التي يمكن لتركيا اتخاذها في حال تم إجراء الاستفتاء، وتعليق طهران للرحلات الجوية بينها وبين كل من السليمانية وأربيل بناء على طلب بغداد، وذلك قبل ساعات فقط من بدء فتح صناديق التصويت صباح 25 أيلول.
على الصعيد الداخلي العراقي صعّد نوري المالي (بدون كـ) من لهجته التهديدية ولوّح أو طالب بإجراءات عسكرية ضد الإقليم. تبعاً له كان من الطبيعي أن تصعد أطراف مدعومة من نوري المدعوم من قاسم سليماني من لهجتها وتهديداتها كبعض جماعات الحشد الشعبي التي تعمل خارج السيطرة الحكومية. وقد تم النقل عن سليماني قوله لقيادات في الاتحاد الوطني إنه لا يستطيع ضبط الناس من الآن فصاعداً. وهي عبارة تهديدية غير مباشرة صار يرددها أنصار جماعته في الحشد الشعبي أيضاً.
أما في الداخل الكوردي فإن ما حصل في كركوك أمس السبت يدخل في إطار هذا السباق؛ فقد انتشر خبر مفاده أن الاتحاد الوطني الكوردستاني يعلن عدم مشاركته في استفتاء كركوك. ثم تردد أن الحزب منقسم بين مؤيد ومعارض لذلك، وأن هناك من داخل الاتحاد من يريد الانقلاب على الدكتور نجم الدين كريم لإزاحته وتعيين شخصية أخرى مكانه في موقع محافظ كركوك. كما انتشر خبر يقول إن الحزبين الديمقراطي والاتحاد قد اتفقا على تأجيل الاستفتاء.
كل هذه التحركات جاءت للتشويش على استحقاق الاستفتاء وتشتيت انتباه الناس وزرع الخوف والقلق وعدم الثقة بالعملية في نفوسهم بغية دفعهم لعدم الذهاب لصناديق التصويت حتى تكون النتيجة بأقل نسبة ممكنة وتكون ضربة في صميم إرادة الكوردستاني في تقرير مصيره. وكذلك أراد نوري وسليماني بهذه الحركة دق أسفين في الصف الكوردي قبل ساعات قليلة من الاستفتاء بهدف تغيير العملية وصرف أنظار الناس والإعلام عن التصويت وتوجيهها باتجاه حل الخلافات الحزبية وإشغال الناس بها وتقسيمهم بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك، وكذلك بغية إرسال رسالة للعالم مفادها أن هؤلاء القوم غير جديرين بدولة.
اللافت في سباق الساعات الأخيرة أنها كانت مترافقة مع حملة إعلامية واسعة وناقلة لأي همس يخرج من أي شخص ما دام ضد الاستفتاء وضد الكورد مع كثير من التحوير والتزييف والتضليل. فقد نقلت تلك القنوات (غير العراقية) لساعات طويلة خبر إلغاء الاتحاد الوطني مشاركته في استفتاء كركوك، واتفاق الاتحاد مع الديمقراطي على تأجيل الاستفتاء. مع العلم أن أي بيان أو تصريح لم يصدر عن جهة رسمية في أي من الحزبين أو من المفوضية العليا للاستفتاء التي قامت على الفور بنفي الخبر وتأكيد إجراء الاستفتاء في وقته المقرر. قامت تلك القنوات كذلك بنشر خبر يقول إن ما تسمى (تنسيقية شباب التركمان؟) ترفض الاستفتاء في كركوك، ولم تسأل تلك القنوات مثلاً: من هؤلاء؟ ومن يمثلون؟، فالمهم عندها أن مجموعة من الشباب أصدرت بياناً وافقَ هواها فقامت بنشره والتركيز عليه.
الدليل على أن هذا الإعلام قد ورط نفسه في الاصطياد في المياه العكرة هو أن الأحزاب الكوردستانية (الديمقراطي والاتحاد والإسلامي) اجتمعت صباح اليوم الأحد وأعادت التأكيد على أن موعد الاستفتاء ثابت وأن الاستفتاء سيتم في كركوك كما كان مقرراً وأن شيئاً لم يتغير. والسؤال الذي يعود من جديد: من أين استقت تلك القنوات (التي تدعي المصداقية) أخبارها إذن؟ وهل ستخجل من نفسها ومن جمهورها بعد بيان المفوضية العليا للاستفتاء أمس وبيان الأحزاب الكوردستانية اليوم من أن كل الأمور مستمرة كما كانت؟ أم أن مبدأ تلك القنوات صار: إن لم تستحِ فانشر ما شئت ؟!.
شعب كوردستان قرر المضي في حقه المشروع في التعبير عن إرادته والذهاب غداً في يوم تاريخي إلى صناديق الاقتراع لصنع حدث تاريخي بتقريره لمصيره ومستقبله. ومن يقف في وجه الحق الكوردي قرر من جهته المضي في عرقلة هذا الحق ومنعه بكل الوسائل الرخيصة والمبتذلة. السباق محموم والمسافات باتت قصيرة جداً ولن يكون الفوز إلا من نصيب صاحب الحق الذي عمل جيداً وحضّر جيداً لهذا السباق ويؤمن بحقه المشروع ويثق بقدرته على الفوز.
كل السباقات تهدف للوصول إلى خط النهاية أما السباق الكوردي نحو يوم الاستفتاء فهو لبلوغ خط البداية …