عبدالباقي طاهر
التحدي الذي واجه ويواجه الرئيس مسعود البارزاني في نضاله السياسي والدبلوماسي في سبيل الوصول الى دولة كردستان, لا يقل شراسة وخطراً عن التحدي والصعاب التي واجهته خلال كفاحه العسكري كبيشمركة. كذلك الانتصارات التي حققها في مدن وقصبات كردستان وفي اروقة الدبلوماسية والسياسة لا تقل روعة وعظمة من الانتصارات العسكرية التي حققها في جبال ووديان وكهوف كردستان وعلى المتاريس والخنادق. حيث سطر في كل الظروف والساحات ملاحم بطولية يشهد لها التاريخ وآثارها بادية للعيان, لذلك فهو يسير بخطى ثابتة وجريئة نحو الهدف المنشود, وقد ابدى استعداده لتحمل مسؤولية الفشل منفرداً, أما الانتصار فيتشارك فيه شعب كردستان مجتمعين.
الطريق الى دولة كردستان أصبح سالكاً وان كان محفوفاً ببعض المخاطر والصعوبات . فالإنجاز القومي بدرجة الاستقلال وانتزاع الاعتراف بدولة مستقلة, لا يأتي بسهولة, ودون مقاومة أولئك الذين كانوا يستخدمون خيرات كردستان ضد شعبها, واعتادوا أن يروا الكرد جنوداً أوفياء, ينفذون ما يطلب منهم, ويعملون على حماية مصالحهم, بل لا بد من دفع الثمن ,وتقديم ما يتطلب من تضحيات, الا أنه لم يعد بإمكان أحد انكار حق الاستقلال على الشعب الكردي, الذي قدم قرابين وتضحيات يعادل أثمان تشكيل دول, وليست دولة واحدة فقط. والظروف السياسية مؤاتيه أكثر من أي وقت مضى .فالدول المقسمة لكردستان في أضعف حالاتها, وتعاني كل واحدة منها من مشاكل داخلية وخارجية تعيق أي عمل عدواني تجاه كردستان, والتهديدات والعنتريات التي أطلقها ويطلقها بعض الدول لم ولن تؤتي أكلها ,فالدول ذاتها ترتبط مع اقليم كردستان بعلاقات اقتصادية تدر عليها أموالاً طائلة, ما يجعل فك هذا الارتباط ليس بالأمر الهين. خاصة وقد سبق لبعضها أن تعامل مع الاقليم كدولة مستقلة على الصعيد الاقتصادي وحتى الدبلوماسي. والبيشمركة بانتصاراتها على جبهات القتال ضد داعش جعلت من الشعب الكردي شريكا دولياً في تحالف مكافحة الارهاب , كما ان نجاح سياسة الاقليم في التآخي والمساواة بين مكونات المجتمع الكردستاني, والتطور الاقتصادي والديمقراطي الملحوظ, جعل الكثير من دول العالم تسعى لبناء علاقات متينة معه, وما الاتفاقيات الاقتصادية لشركات نفطية عملاقة والاستثمارات الأجنبية الفاعلة والنشطة في الاقليم, الا دليلاً على ذلك, ,فارتبطت المصالح الدولية بوجود الكيان الكردي الآمن مستقلا. هذا مع ان الرئيس مسعود البارزاني قال :بأنه ماض الى اعلان دولة كردستان مباشرة فيما لو حاول البعض – أياً كان – عرقلة الاستفتاء ومحاولة منع اجرائه, أي أنه مصر للدفع بهذا الاتجاه حتى النهاية – والرجل ان قال فعل –.لذلك فمن الأفضل للدول المجاورة والمقسمة لكردستان – خاصة النخب والفعاليات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية فيها – أن تستخدم لغة العقل والمنطق , بعيداً عن الاستعلاء والشوفينية المقيتة, وأن تبدء بنسج علاقات ودية, والتهيؤ لشراكات استراتيجية مع الدولة القادمة, بدلاً من نصب العداء لها ودفعها مرغمة الى الخندق المعادي. فالمصلحة المشتركة لكردستان ودول الجوار تكمن في احترام الارادة الشعبية الكردستانية, وكسب ود الكردستانيين الذين أثبتوا خلال حكمهم الفدرالي منذ حوالي ربع قرن أنهم عامل استقرار وأمان وتطور في المنطقة, وذلك من خلال الفسيفساء الديني والعرقي والطائفي والسياسي المتماسك والمتعايش بحرية وسلام وأخوة وأمان, لذا فالدولة المنشودة ستكون جارة صديقة, تحترم حقوق الجيرة, وتحافظ على مصالح دول الجوار, كما أنها ستشكل منطقة عازلة لصراعات تاريخية متأججة(( بين الفرس والعرب, بين الترك والفرس, بين العرب والأتراك, بين السنة والشيعة,….)) وتساعد على نزع فتيل تلك الصراعات, وتخفيف حدة التوتر المزمن في المنطقة. فما من مبرر للفزع والخوف والهلع على مصالح الدول المجاورة, وان كان من تهديد على أمنها واستقرارها, فانه بلا شك تهديد داخلي مما كسبت أيديها من الجور والظلم والطغيان وقمع الحريات وانكار الحقوق .
لعل من محاسن تجربة الاستفتاء, والمواقف المعادية التي ظهرت بلغة التهديد والوعيد من بعض الدول, أنها أظهرت حقيقة الكثير من الكرد, فمنهم من أظهر تأييده المطلق للاستفتاء, وأبدى استعداده للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل هذا الهدف الأغلى , ومنهم من أبدى رفضهم – ان لم يكن عداءهم – لهذا الاستفتاء خوفاً على مصالحهم الشخصية أو تنفيذاً للأجندات المعادية – وان ألبسوا فعلتهم هذه ثياباً مختلفة – وقد وصل الأمر لدى البعض الى الدفاع عن سياسات الدول المقسمة لكردستان وأصبحوا لسان حالها – عن دراية أو غير دراية – وذلك بحجة أن الظروف غير مواتية لإجراء الاستفتاء, وكأنهم كانوا ينتظرون أمراً خارجياً يطلب الاستعداد للاستفتاء, لاقتناص الفرصة والحصول على المغانم. وبين هذا وذاك ثمة صامتين متفرجين, وكأن الأمر لا يعنيهم أو مترددين ومتأرجحين بين التأييد تارة والرفض تارة أخرى, بانتظار وضوح اللوحة لديهم وحسم النتيجة لينحازوا الى المنتصر, على مبدأ (( احذر لترى المنتصر )) . يقيناً أنه لو جرى الاستفتاء على مستقبل شعب أو منطقة في أقصى بقاع العالم لهلل البعض من هؤلاء وصفق له , وكان لهم مواقف أوضح وأكثر حسماً. فهل اطمأن هؤلاء على مستقبلهم ومصيرهم ؟؟؟؟.