إدريس سالم
أعلن المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني، أنه يعارض استقلال كوردستان «أين كان يوم قصف صدام حسين حلبجة بالكيماوي، ومارس قمعه واضطهاده ضد الكورد والعراقيين؟»، داعياً القيادة الكوردية للعودة إلى الدستور «أين الدستور من تسليم نوري المالكي الموصل والسلاح لداعش، ليحارب به الكورد؟»، ومن ثم تقرير مصيرها في السعي للاستقلال. الأوْلى للمرجع الشيعي أن يطالب بإنهاء الحكم الطائفي، وبمحاسبة كل المسؤولين الذين أوصلوا العراق إلى ما عليه الآن، من الفوضى الإسلاموية والفتنة المتحرّكة بأدوات شيعية.
أما الأزهر الشريف، فيرى أن مثل هذه الدعوات تؤدي إلى زيادة فرقة الأمة العربية والإسلامية، بما يحقق المخططات الاستعمارية بتقسيم دولها على أسس طائفية وعرقية، وعبّر عن امتعاضه من رفع أعلام الدولة الإسرائيلية في احتفالات الاستفتاء، متناسياً أن العلم الإسرائيلي مرفوع منذ عقود في العاصمة المصرية، والكثير من عواصم الدول العربية والإسلامية، متجاهلاً أنه لم يبدِ عن موقفه من تحالف عبد الفتاح السيسي مع بينيامين نتنياهو في اجتماعات الجمعية العمومية في نيويورك «قالت بعض الوكالات الإخبارية وعلى لسان السيسي لنتنياهو: أمن المواطن الإسرائيلي من أمن المواطن المصري!!» على حساب كرامة الفلسطينيين وآلامهم وتشرّدهم، من مضايقة قطاع غزة وفرض الحصار عليها «تأويلات المرجعيتين الفقهية، وفتاويهما المخذولة، ودروسهما التعليمية ليست إلا دليلاً على أن السياسة تنخر في رؤوس غالبية علمائهما».
«لم يبقَ إلا يأجوج ومأجوج لأن يعلنوا رفضهم لقيام دولة كوردستان!». هذه هي العبارة التي أرسلها صديقي ريناس روت، لأعدّلها أو أضيف عليها ملاحظاتي. لقد صدق في قوله. فعند قيام الساعة يقوم قوم يأجوج ومأجوج، ويفسدون في الأرض إفساداً عظيماً، وهذا ما ينطبق على الأزهر الشريف في مصر والمرجعية الشيعية السيستانية في العراق وإيران «هل هما مرجعيتان سياسيتان أم دينيتان؟»، ودعواتهما الممتدّة لدعوات بقية الدول والأطراف المعادية لاستقلال كوردستان، في قرع طبول الحرب وفرض الحصار من خلال الإعلام وببعض المناورات الجوية والبرية، على شعب أراد وقرّر أن يعيش على أرضه، بهويته وتاريخه وحضارته وكرامته «إيران تدفع تركيا لإغلاق حدودها، ليتسنّى لها المجال لفتح معابر أخرى مع كوردستان. وتركيا تفكّر بنفس العقلية»، وليتخلّص من الحياة الكيماوية والعنصرية والديكتاتورية، وينهي علاقتهم بحكّام وحشيين، بنوا لأنفسهم مرجعيات دينية، لتحميهم في المصائب وتفتي لهم بشرعية الجرائم، متناسيين أن يطالبوا حكّام الـ 21 دولة في صبّ جهودهم وقدراتهم السياسية والعسكرية، لحلّ القضية الفلسطينية، التي لطالما اعتبروها قضية وجود أو لا وجود.
لم المرجعيات الدينية العربية تتفرّق في قضاياها القومية العروبية، وتتفق في القضايا التي تتعلق بالكورد وحقوقهم ومصائبهم؟
ذلك نوع من التخلف الرهيب والانتهازي، في الفكر الإسلامي المعاصر، بشقيه السني والشيعي، فمرجعية الأزهر السنية والسيستاني الشيعية، ومنذ بدايات نشأتهما وحتى اليوم، تلتزمان الصمت، وتضعان الدماء في أذنيهما، تجاه مجازر نظام البعث في العراق من سبي النساء الإيزيديات على يد تنظيم داعش، واستشهاد 182 ألف من المؤنفلين، و5000 مدني في مجزرة حلبجة الكيماوية، وتهجير أكثر من 70 ألف عائلة مم الكورد الفيليين، وتدمير خمسة آلاف قرية، ومجازر النظام السوري من تشريد وتعريب وتهميش وتمييز الكورد بالرصاص والقلم، وحريق سينما عامودا في الستينيات، وأيضاً حريق سجن مدينة الحسكة في التسعينيات، ومجازر النظام الإيراني الشيعي الذي يُقدِم يومياً على إعدام النشطاء الكورد جماعات وأفراد، وتطبيق الحصار الأمني عليهم، والنظام التركي الذي لا يزال يقصف القرى الكوردية ويقتلهم بدم بارد، ويدعم الحركات القومية والتنظيمات المتطرّفة لإلحاق كل صنوف الأذى بهم، فلم هذه المرجعيات تلتزم الصمت تجاه المجازر التي ترتكبها دولها وحكوماتها بحق الكورد؟ ألأنها تتلقّى أوامرها من الحكّام والسلاطين والحكومات التي تديرها وتموّل رؤوسها، أم لأنها مؤسّسات وُجدت لحماية الطغاة، تحت ستار الرابطة الإسلامية والأخوة في الدين؟
في كل دولة عربية أو إسلامية هناك انقسامات معقدة لها جذور تاريخية طويلة، ثم متى كانت الأمتين العربية والإسلامية متفقتين ومجتمعتين في قضاياها حتى يتسبّب الكورد في تشرذمهما!! فالتاريخ خير شاهد على أنهما ومنذ 1400 سنة لم يتفقا يوماً، واليوم نراهما تتفقان – تحت غطاء سياسي موجّه – ضد دولة كوردستان، فالأزهر يتخلّى عن رسالته الإنسانية، ويتبنّى القومية العربية أولاً، فهل أدرك الكورد الآن أن الأزهر وُجد ليتغاضى عن جرائم اقترفها العرب ضدهم؟ وما موقفها المناهض لكوردستان إلا لخوفها أن يكون استقلالها سبباً في ازدياد النفوذ الشيعي بشكل كبير ومباشر في العراق، وبالتالي إضعاف دور السنّة وتقليص وجودهم، وما موقفها هذا إلا بداية استعداد أنها ستقف ضد كل مَن يحاول محاربة السنّة العراقيين، وفي مقدمتهم شيعة إيران التي يقودهم أئمة ولاية الفقيه، بالنسخة المسمّام ”الحشد الشعبي“، التي تأسّست في غضون ثلاث ساعات.
وفي مقابل كل ذلك، يرفض أحمد الطيب شيخ الأزهر تكفير تنظيم داعش «لو أن المجازر التي ارتكبها داعش في سوريا والعراق، ارتكبها في مصر فهل الأزهر سيكتفي بخطاب عدم التكفير؟»، عندما قال لطلاب جامعة القاهرة: ”لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن“. لماذا يصرّ الأزهر على موقفه بعدم تكفير هذا التنظيم الذي استباح دماء الآلاف من المدنيين، وارتكب المجازر بحق الكورد والعرب من تشريد وحرق وغرق ورمي بالرصاص وصلب وقطع الرقاب والأوصال والخنق بالسلاسل… ألا يعتبر ذلك فتكاً بالإيمان؟ ألا يدل تلك الجرائم الوحشية خروجاً عن الله، وإنكاراً للإيمان بالملائكة وكتب الله ورسله؟ «ورد في الكتاب المقدّس: أرني إيمانك بدون اعمالك، وأنا أريك بأعمالي إيماني»، ثم هل المسيحيون في دول أوروبا، الذين فتحوا أبوابهم وحدودهم أمام اللاجئين، ومنحهم الأمان والسكن والعيش والأموال والطعام والثياب والتعليم هو كافر، فيما داعش الذي قتل الكبار والصغار وسبى النساء والفتيات وشرّد المدنيين واستولى على أملاكهم هو ليس بكافر؟
إلى كل مَن يعادي استقلال كوردستان، ويقرع طبول الحرب والحصار، أن يتمعّن بدقة العين ورجاحة العقل في قراءة هذه الأحداث التاريخية، التي حققها الكورد بفعل حنكتهم السياسية وقوتهم العسكرية التي استخلصوها في تجاربهم المريرة مع الأنظمة الاستبدادية، دون أن يرتكبوا مجزرة واحدة بحق أحد «الرئيس الراحل جلال الطالباني وبعد كل مجازر صدام حسين رفض التوقيع على ورقة الحكم عليه بالإعدام»:
– عندما انتفض الكورد عام 1991، وطردوا أعوان النظام السابق، قالوا: ”أصبحتم لقمة سهلة لإيران وتركيا“، فراهنوا على فشلهم، واليوم أصبحت تلك الانتفاضة واقعاً وحدثاً يتغنّى به الكورد.
– عندما شكّل الكورد حكومة في كوردستان عام 1992، قالوا: ”لن يعترف بكم أي دولة أو جهة“، وأصبحت وقتها واقع حال، ومنطلقاً لتقويتهم في المحافل الدولية والإقليمية.
– عندما طالب الكورد بالفيدرالية عام 1992، قالوا: “هذا حلم إبليس في الجنة، ولا تستقووا بأمريكا وبريطانيا“، فاعترفوا بتلك الفيدرالية بموجب الدستور العراقي.
– حينما رفع الكورد علم كوردستان بشكل رسمي عام 2000، جنّ جنون تركيا وإيران، ولاحقاً تركيا بنفسها رفعت علم كوردستان في مطار أتاتورك الدولي، والحال مثلها عند رفع العلم في كركوك في 2017.
– عندما قام الكورد بعملية التنقيب واستخراج النفط وتصديره عام 2012، قالوا: “لن نقبل بذلك، ولا أحد سيشتري منكم برميلاً واحداً“، واليوم تركيا وإيران تتنافسان على النفط الكوردي، وتعلّقان الآمال عليه.
– عام 2014 بسط الكورد سيطرتهم على كل جغرافية جنوبي کوردستان، المسمّاة اليوم إعلامياً (المناطق المتنازع عليها)، قالوا: ”لن نقبل بذلك، وسنعيد الجيش العراقي إليها“، ولا زالوا يراهنون على ردّ فعل إيران وتركيا، ولن تفعلا شيئاً.
– عندما حدّد الرئيس مسعود بارزاني موعد الاستفتاء في 25 سبتمبر، قالوا: ”الاستفتاء غير قانوني، وغير شرعي، ويخالف الدستور، والتوقيت خاطئ“، ولا زالوا يقولون، ونجح الاستفتاء، واقترب موعد تحديد يوم الاستقلال، وهم مستمرون برفضهم، ويراهنون على فشل الكورد، ويتوعّدون بقرع طبول الحرب من خلال ميلشياتهم وحلفائهم، والحصار بسياسييهم وضباطهم وإعلامييهم وعلماء الدين، مع انتظار إشراقة ردّ فعل تركيا وإيران ومعهما سوريا المطعونة من أصدقائها وأعدائها.
خلاصة القول:
إن عدم إفتاء المرجعيات الدينية بشقيها السنّي والشيعي لجرائم التنظيمات الإرهابية والديكتاتوريات الحاكمة لدول الشرق الأوسط، سيساعد في ازدياد تدفق المقاتلين المتطرّفين إلى تلك التنظيمات، ومن كافة أنحاء العالم، وسيقوّي أكثر من شوكة الحكّام وفتكهم وطغيانهم بشعوبهم، وبذلك فهي تقرع بطبول الحرب على الكورد والعراقيين وأيضاً على السوريين والفلسطينيين. عليهم أن يعودوا إلى التاريخ، وكيف أن الكورد أعادوا للأزهر هيبته، وصحّحوا مساره، فلولاهم لكانت مصر والشمال الإفريقي وبلاد الشام وبلاد الرافدين كلها شيعة، لأنهم قضوا على مطامع وبطش الدولة الفاطمية الشيعية. أما في الخلافة العباسية فقد أنقذ الكورد الشيعة من الخلافة الأموية. فيما احتجاجهم بتمزيق جسد الأمة الإسلامية مجرّد مناورة دبلوماسية فاشلة، إذ أن العرب هم أول مَن مزقوا جسد هذه الأمة، وجعلوا منها اثنتين وعشرين دول لهم، فلم حرّموا على الكورد ما حلّلوه لغيرهم؟
كاتب وصحفي كوردي