د. محمود عباس
ثانياً، ملئت جغرافية إدلب بالعسكريين والمدنيين وتحت حماية الجيش التركي لقطع الطريق على الكرد للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، عن طريق جبل الأكراد، وهي الخطة المتوقعة أن تتفق عليها أمريكا وروسيا بعد الانتهاء من الرقة ودير الزور، وعليه بدأت تركيا، بعد إرسال قوات استطلاع إلى داخل المنطقة، بتحشيد قواتها على أطراف باب الهوى ضمن جغرافية لواء اسكندرونه، المنطقة المتاخمة جغرافيا مع منطقة خفض التصعيد في إدلب. والخطة، مأمولة منها أن تكون داعمة ومتممة للتدخل التركي في منطقة الباب وجرابلس، وعليه ستحاول الربط بين محوري الاجتياح من حيث الوجهة العسكرية. أما من حيث البعد السياسي فلها عدة غايات، منها:
أولا، عزل منطقة عفرين الكردستانية عن الجزيرة، وبالتالي ضم المنطقة غربي الفرات حتى إدلب إلى جغرافية تركيا، حتى ولو كانت كصفة مراقبة حالياً، وتحت إشراف دولي. وستكون مشابهة للهيمنة الإيرانية على العراق الشيعية، والموافقة الإيرانية مع صمت سلطة بشار الأسد تأتي مقابل وقف تركيا جميع أنواع الدعم للمعارضة السورية، العسكرية والسياسية، باستثناء ما هم بحاجة إليهم، مع ضمان انسحاب دولة قطر من القضية السورية، والتخلي عن المنظمات الإرهابية كالنصرة في سوريا.
ثانياً، وضع حاجز، عسكري مكون من الجيش التركي وبعض المنظمات العروبية التكفيرية تحت أسم الجيش الحر. ومدني من المهاجرين، بين منطقة فيدرالية شمال سوريا والبحر الأبيض المتوسط، وهذه تؤدي إلى الغاية الأبعد، وهي:
الثالثة، تضييق الحصار على إقليم جنوب كردستان، بإغلاق هذا المنفذ، طريق جنوب غربي كردستان إلى البحر الأبيض المتوسط.
فخطة التحكم بمنطقة إدلب، وربطها بالباب وجرابلس، ستبقي جنوب كردستان، تحت رحمة تركيا، وعليه من المتوقع أن توافق عليها إيران، لكن تبقى روسيا المعضلة، والتي على الأغلب ستكون موافقتها جزئية، لأنها تخطط على تطبيق النظام الفيدرالي في سوريا على النموذج الروسي، والفيدرالية الكردية، أو كما سميت مؤخرا بفيدرالية شمال سوريا وضمنها عفرين، ستكون في المقدمة، خاصة هذه ستسهل علاقات روسيا التجارية مع جنوب كردستان، ومنها تسهيل مرور الغاز المتفق عليه دون الشروط وإملاءات القوى الإقليمية، وعلى الأغلب سيتم اتفاق ما بين روسيا وأمريكا، على هذا الممر الجغرافي حتى البحر.
ولا شك أن الثقل الأمريكي في كل هذه العملية ستظهر بعد الانتهاء من الرقة وعملية ديرالزور والميادين، والتحديد المبدئي لجغرافية (الفيدرالية الكردستانية في سوريا، فيدرالية شمال سوريا) ورغم عدم بدء أو ظهور الاتفاقات الأولية بينها وبين روسيا حول نوعية الفيدرالية أو النظام في سوريا، إلا أن معظم الاحتمالات ترجح فتح المنفذ البحري على منطقتي كردستان، لأنها تتعلق وبشكل مباشر بمصالح الدولتين أمريكا وروسيا ومثلهما مصالح أوروبا. وتبقى معظم هذه المؤامرات الإقليمية، ومستقبل كردستان بشكل عام وفي جنوبها وجنوب غربها في هذه المرحلة ومستقبلاً، لن يكون لها اعتبار أمام اتفاق الدولتين الكبريين أمريكا وروسيا، شرط أن يكون الكرد على قدر المسؤولية.
وعلى الأغلب، همشت عملية الاستفتاء، والفيدرالية المأمولة تشكيلها في جنوب غربي كردستان، مؤتمرات جنيف المنسية، الذي تم بها خداع الشعوب السورية، وعتمت على العديد من المخططات التي تتفق عليها تركيا وإيران، وورائهما أدواتهما من المنظمات السياسية والعسكرية السورية، وبإملاءات روسية، ولوحتها المعارضة السورية العروبية كأحد الحجج لتبرير هجماتها على الكرد. وعلى أساسها يحاولون التغطية على مؤامرة أردوغان وخيانتهم، وإعطاء صفة رسمية لدخول تركيا إلى الأراضي السورية بجيشها وتحت علمها، وبموافقة، بل بدعم من سفهائهم. أما صمت سلطة بشار الأسد وإيران وحزب الله، فكان مقابل مساعدتهم بالقضاء أو الحد من المعارضة السورية السياسية والعسكرية.
ولا يستبعد أن يكون مخطط الهيمنة التركية على الأراضي السورية موجوداً منذ اليوم الذي سلمت فيها تركيا أول رئيس عسكري للجيش الحر، إلى نظام بشار الأسد في بدايات الصراع السوري، وضمن أراضيها وفي مدينة غازي عنتاب، وبأمر من أردوغان، وبمؤامرة من الميت التركي، ومن حينها ظلت تحتفظ بثلة معارضة سياسية منافقة انتهازية، معظمها مخترقة من قبل النظام أو تعمل لصالحها، في استانبول، ولانتهازيتها وانحطاطها الخلقي لا تتهاون في دعم تجاوزات أردوغان، بل وتلبي مطالبه، وبشكل مباشر، منذ طلبها بإيجاد منطقة حظر جوي، تحت المراقبة الدولية وبقوات تركية، إلى اليوم حيث اقتطاع جزء من أراضي سوريا وكردستان، والتهجم على الكرد واتهامهم إلى حد وصفهم بالإرهاب مثلما يدعيه أردوغان. ويجب ألا يكون هناك استغراب لمواقف هذه المعارضة فهي مكونة من شخصيات أكثر من معروفة، معظمهم خريجي مدارس البعث، أو الإسلاميين التكفيريين، فقهاء الإخوان المسلمين، أو مؤيدي داعش والنصرة.
وتبينت للشعوب السورية وللعالم الديمقراطي مواقفهم في مؤتمرات (جنيف وأستانه) وكيفية تطبيقهم للإملاءات التركية الإيرانية بعزل الكرد عنها، علماً بأنها كانت مؤتمرات لم تكن أكثر من ذر الغبار في الأعين، والقادمة لن تكون بأفضل، وجل غايتهم من عقدها، فيما إذا عقدت، هي لتحشيد بعض القوى المتبقية من قبل الدول الإقليمية، لمواجهة القوى الكردية والكردستانية، لأنهم يدركون بأنه كلما تصاعدت مكتسباتها سيتزايد خطرها على الأنظمة الشمولية الاستبدادية في المنطقة، فمثلما قض الكرد على أسطورة داعش، سيقضون على الأقل على العديد من المؤامرات، أو سيفضحون مخططاتهم التي تمرر تحت غطاء جنيف وأستانه، ومنها:
مخطط الحفاظ على مركزية السلطة في سوريا.
وبأن تظل السلطة الانتقالية القادمة عروبية بامتياز.
ومخطط كتابة الدستور بنهج عروبي إسلامي.
وتصبح مشاركة تركيا لمناطق خفض التوتر رسمية.
وبالتالي وهي الأهم، تمرير مخططات التعتيم على حقوق الشعب الكردي تحت حجة:
سيتم تناولها في الوقت المناسب، أي بما معناه، بعد الانتهاء من المخططات المذكورة.
وتشكيل البرلمان بأغلبية عروبية إسلامية عنصرية. والتعامل مع القضية الكردستانية على أساس دستورهم.
وحينها سوف لن يجد الكرد منفذ، للمطالبة بحقوقهم، أو بفيدرالية شمال سوريا، بل ولن يسمح لهم بطلب أكثر مما سيقدم لهم حسب ما يريده العروبيون الإسلاميون العنصريون، وفي أفضل حالاتها سيعرضون حقوق المواطنة علينا، تحت صفة المهاجرين الكرد، وإن تمت الموافقة على الحقوق الثقافية لنا ستكون ثورة! وحينها قد تكون كل التدخلات العالمية وعلى رأسها أمريكا وروسيا بدون فائدة أو متأخرة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
9/10/2017م