الكورد ومؤتمر شعوب سوريا (حميميم- سوتشي)..

م. محفوظ رشيد 
    وافقت تركيا على عقد مؤتمر الرياض وعلى تغيير تركيبة الهيئة العليا للمفاوضات واستبدالها بجسم جديد يضم منصتي القاهرة وموسكو بالاضافة لممثلين عن شخصيات وطنية مستقلة وتيارات سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية، بشرط استبعاد الادارة الذاتية الديموقراطية والاتحاد الديموقراطي(PYD) من الحضور. 
    كما طالبت تركيا في ذات الوقت من الائتلاف السوري (الذي يضم المجلس الوطني الكوردي ENKS) لحضور مؤتمر حميميم لقاء عدم دعوة ممثلين عن الاتحاد الديموقراطي والادارة الذاتية القائمة أيضاً، جاء ذلك بعد سماح روسيا بتدخل تركيا عسكرياً في إدلب لمحاصرة عفرين وبالتالي تقويض المساعي لربط الكانتونات الثلاث وايصالها للبحر المتوسط.
تتوجس تركيا من مشروع الدستور الذي قدمته روسيا على أساس لامركزية الدولة (الفدرالية) والاعتراف بالادارة الذاتية القائمة في شمال سوريا- روژآڤا، ورفض موسكو تصنيف الـ PYD كمنظمة إرهابية، ودعوة بوتين لعقد “مؤتمر شعوب سوريا” يضم ممثلي كافة المجموعات الأثنية والدينية من المعارضة والموالاة والـ PYD من المدعويين الأساسيين.
    ولأجل انجاح مؤتمر شعوب سوريا وارضاء لرغبة تركيا ومطالب المعارضة القوموية الاسلاموية (ضمن صفقات دولية) قررت روسيا عقد المؤتمر في مدينة سوتشي الروسية باسم المؤتمر الوطني السوري(الشعب السوري) بعد رعايتها للقاء برلين التشاوري أواسط الشهر الجاري بدعوة للتحلف الوطني الديمقراطي السوري. 
    فشلت سياسات تركيا في سوريا بالرغم من مراهناتها ومناوراتها وصفقاتها، وخياراتها باتت محدودة مع تطورات الأحداث ووصول لقاءات آستانا وجنيف إلى حلقاتها الأخيرة وبلوغ غاياتها وأداء مهماتها ألاوهي انهاء المعارضات العسكرية والسياسية عبر تفكيكها واعادة تأطيرها، والتهيئة العملية لتنفيذ القرار الأممي 2254 على الأرض عبر مساراتها،  وانهاء حالة الحرب كلياً بعد القضاء على المنظمات الارهابية (لا سيماد داعش والنصرة وأخواتهما) التي كانت تركيا تقف وراء تعاظمها فتدعمها وتسلحها وتسهل مرورها كي تستخدمها في فرض أجنداتها في سوريا، وهي تغيير النظام الحاكم وفق مقاساتها ومصالحها، ومنع الكورد من تحقيق أية مكاسب قومية على حدودها. 
    وايران الحليفة الرئيسية لروسيا والمتفقة  معها على سياساتها في سوريا، لكنها تتوجس مثل تركيا كموقفها المساير للطلب الاسرائيلي-الامريكي بانهاء نفوذ ايران وتحجيم دورها في سوريا بعد الأزمة، وتتطابق موقفها مع تركيا تجاه شكل الحكم ودور الكورد في سوريا المستقبل كما تطرحهما وتسعى لتطبيقهما، ووجود الادارة الذاتية كمشروع قائم ينفذه الكورد على الشريط الحدودي الواصل إلى البحر بدعم وتنسيق مع الحلفاء وروسيا.  
    والكورد في سوريا بمختلف أطرهم معنيون أكثر من غيرهم بقراءة دقيقة وعميقة للتغيرات والترتيبات والاصطفافات التي ستحصل بعد انهاء داعش الارهابية، وعليهم دراسة وتفهم التجاذبات والاستقطابات الجارية بين جميع الأطراف المعنية على كافة الأصعدة لألا تصبح ضحية اتفاقاتها وصفقاتها وتتكرر المآسي والكوارث، وأهم عوامل القوة لديهم هي ترتيب البيت الكوردي وصيانته وتقويته بوحدة الصف والخطاب وتوطيد أواصرالأخوة والشراكة الحقيقية مع باقي مكونات الوطن، وتوثيق العلاقات مع دول الحلفاء التي تشترك وتنسق معها في محاربة داعش وفق أسس واضحة ومعلنة،  فأحداث كوردستان العراق الأخيرة وتجربة مريرة ماثلة للعيان وقائمة في الأذهان وناقوس يدق في عالم النسيان.
    خلافات أمريكا وروسيا على تقاسم النفوذ، وشكل الدولة الجديدة وطبيعة الحكم فيها، ومصير الأسد ومؤسسات نظامه في المرحلة الانتقالية والنهائية، وأولويات المهام المراد تنقيذها قبل الوصول إلى الحلول النهائية، ومحاولات كل منهما في ابراز أوراقه لفرض مشروعه، تجعل علاقاتهما في حالة شد وجذب تنذر باطالة أمد الأزمة وحصول صفقات مفاجئة ومؤلمة تودي بأحلام وآمال العديد من القوى(كتركيا مثلاً) التي راهنت على تنافسهما  ولعبت على تناقضاتهما فعقدت اتفاقات أمنية وعسكرية مع الطرفين لتمرير تكتيكات محددة ومؤقتة تزول بزوال سوء التفاهم بينهما، وهو الذي سيحصل ، لأن الاختلاف في المظاهر والوسائل والأساليب لاتنفي ولا تلغي الاتفاق على الغايات والمصالح الاستراتيجية.
    وفي سياق تنافس الدولتين فان روسيا تطرح “مؤتمر شعوب سوريا” لتكون بديلاً عن مخرجات مؤتمرات جنيف المتفقة عليها، كما أنها تستغل حضورها العسكري على الأرض لفرض بعض الشروط على أمريكا، التي بدورها تسعى باعادة احياء مؤتمر رياض أوعقد كونفراس خاص بسوريا على أراضيها، والاصرار على استمرار دي مستورا في مهامه كموفد أممي تحت غطاء دولي واعتبار لقاءات جنيف المرجعية الأساسية لحل الأزمة السورية بتحديد موعد قريب لجولة مفاوضات جديدة ، والغاء أي مشروع بديل عنها.
    رغم تعقيدات الأمور وتشابك المصالح وتضارب الأجندات بين جميع  أطراف الصراع في وعلى سوريا (بالرغم من قوتها وأهميتها كايران وتركيا والمحور العربي) فإنها محكومة بالتفاهمات النهائية بين القطبين الكبيرين روسيا وأمريكا، والأخيرة هي الأقوى والأوفر حظاً في تنفيذ مشروعها الخاص بالشرق الأوسط، باعادة رسم خارطته السياسية بما تضمن مصالحها الحيوية وأمن حلفائها وفي مقدمتهم اسرائيل، والشاطروالفائز هو من يحافظ على وجوده وثوابته ويحقق أهدافه بالتقاطع مع تلك المصالح. 
– 29/10/2017
———— انتهى ———–

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…