ابراهيم محمود
أتحدث عن مصدر القوة التي دفعت بذلك الشاب الكردي اليافع في كركوك، وهو يتحدى غطرسة البوليس العراقي وحشده المزعوم شعبياً، وهو ينزع العلم العراقي من مقدم السيارة العسكرية البارحة مساء في ” 18-10/ 2017 “، دون أن يعبأ بالخطر القائم، لأشير إلى تلك الإرادة التي يمتلكها إنسان كهذا وتكون شرارة تحريض وتثوير للآخرين من حوله وأبعد كما رأينا ليلاً في خانقين، ذلك فعل استماتة ورسالة صريحة فصيحة لمن يريدون إعلام الكردي أنه عليه الدخول في ولاء طاعة ولي الأمر البغدادي كما هو هو داخل في ولاية طاعة الأمر اللابغدادي.لا بد أنه مشهد تاريخي، يعلِم عن أن الجبروت المسلح ربما يعبر عن جبن حامله.
تحدٍّ بجسد عار ٍ، لكنها إرادة مسلحة لا تنفد، وتلك مفارقة معادلة يجب أخذ العلم بهيبتها.
أتحدث عن مفهوم الشرارة وما تفعله في النفوس، بغضّ النظر عما ستؤول إليه الأوضاع، فتلك رسالة مباشرة إلى من يريدون تأكيد سلطة ليتهم أدركوا زيف محتواها السيادي الوطني، رسالة تقول التالي: ربما ستمضون منتصرين لبعض الوقت،سوى أنه انتصار مهزوم من الداخل، لأن الأساس الفاسد الذي يقوم عليه العراق من خلال أولي أمره مذ عرِف باسمه هكذا بث فساداً في دائرته الجغرافية الكبرى، وأن رؤية الشاب الكردي اليافع المقاوم لغطرسة المسمى بالجيش العراقي، لإرادة التخريب الأخلاقية للمعتبَر بالحشد الشعبي المذهبي في الصميم، الشاب الكردي وهو يكبّر باسم كردستان انتقاماً لعَلمه المهان لحظة رميه على الأرض، أو حرقه، رؤية لا تخطئها العين وهي أن نشوة النصر الخدعة لمن يوهمون أنهم ماضون في نصرهم منحرفة.
أتحدث عن طبيعة القوة الخاصة التي تدفع بأحدهم وهو يقول : لا لهذا الطغيان، لهذا الحصار، لهذا العنف الطائفي، لهذا التركيع وممَّن ألِفه، وهو الكردي، ولا بد أن سدنة السياسة المنقسمة على نفسها في بغداد قد تابعوا مشهد الرفض الكردي بدءاً من تلك الشرارة، من وثبة خانقين ووثبات أخرى قادمة لا شك فيها اليوم أو غداً، وثبة كردية رسالة ليس إلى بغداد اللاسلام حصراً لا إلى أنقرة وحدها أيضاً، ولا إلى طهران بالمقابل، وإنما كل جهة ترى في هذا الشعب الذي كان ويكون وما أظنه إلا سيكون غداً وبعد غد، تأكيداً على أن سياسة عرض العضلات من قبل أي سلطة، ذات مردود وبيل بالنسبة لمن يسوسونها. بغضّ النظر عما يعيشه الإنسان الكردي من انقسام على نفسه، والذي لطالما كان مصدر إثارة لعاب الطامع فيه، بغضّ النظر عما هو عليه من يؤس أحياناً، سوى أن غليان الوضع وفقدان الأمن واستمرار رصيد المخاوف وفرض القوة وليس العقل على الكردي في هذه الدول التي تقاسمت الكرد، تأكيد حقيقة واحدة لا تقبل الانقسام، وهي أنه من المستحيل بمكان طمأنة أي نفس من قبل أي مسئول فيها مجتمعة، وسياسة قامعة كهذا تكون العلامة الفارقة لأنظمتها، وهذا يقلب صورة الحدث، صورة المتباهي بنفسه أنه قادر على ليّ ذراع الكردي، وكل من يمثّل حقاً مهدوراً، إلى صورة مأتم تسمّيه. في الجاري، أرى أن المصدوم بما يجري خلال الأيام الثلاثة الماضية هو الكردي، صدمة ربما هي مقدمة لوعي ناهض ومقاوم، سوى أن المرعوب مما هو عليه وما يمكن أن يجري هو المفتون بقوى لا وشائج قربى بينها إلا في الارتزاق والشراكة اللصوصية وبئس الختام.
ليس أمام حاكم بغداد، إذا كان حاكماً، إلا أن يستعيد وعياً واقعياً، قبل أن يغيّبه الواقع كلياً، هو وكل الذين لا يتعظون من درس التاريخ، وجهة من كانوا أكثر عنجهية قوة وبطشاً منهم، ليس أمامه، في وجهه، أنّى تلفت الكردي خصمه في غيّه، وسانده في سويّته الأخلاقية .
دهوك، في 19-10/ 2017