هل مازال الصمت ممكننا؟ !

افتتاحية جريدة المساواة – العدد “505”
منذ استفتاء أيلول ,استحوذ العراق وإقليم كردستان مساحة كبيرة من الاهتمام والقلق الدوليين . وجاءت الأحداث التي رافقتها وأعقبتها ,خاصة دخول قوات الحشد الطائفي المدعوم إيرانيا إلى كركوك الإستراتيجية ومناطق أخرى ,وارتكابها فظائع بحق المواطنين ,جاءت هذه الأحداث كاختبار للعديد من الإرادات المعنية بها داخليا واقليميا ودوليا ,لعل أبرزها رد فعل المجتمع الدولي الباهت , وإرادتها التي تجسدت عبر عقود من العمل المضني لقوى الخير والسلام فيها ,في وثائق وعهود أممية تدافع عن حقوق الإنسان ,أفراد وجماعات وتقر بحق الشعوب في تقرير مصيرها ,هذه الإرادة التي انسحبت وأشاحت بوجهها خلف سواتر مصالح الدول وسواد أسلحتها التي رفرفت عليها رايات الجماعات الطائفية ,وهي تضرب أبناء شعب كردستان لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بترجمة هذه الوثائق والعهود بشكل سلمي وديمقراطي ,الأمر الذي وضع هذه القوى والبشرية أمام اختبار إرادتها وصمتها الذي لم يعد ممكنا.
لقد عرفت كردستان العراق ومنذ أكثر من عقد اقليما يحتذى به ,رغم بعض الثغرات هنا وهناك في تجربتها الفتية حيث لعبت دورا مميزا في استقرار العراق أمنيا وسياسيا , ونجحت في بناء علاقات جيدة مع العديد من الدول ومع دول الجوار التي وجدت فيها عاملا إيجابيا في التعامل مع معضلاتها الداخلية (تركيا نموذجا ) ومن هنا كانت استدارة الحلفاء وفي مقدمتهم أمريكا للإقليم أمام حشد طائفي يتخذ ولاية الفقيه مرجعيته ولصالح حليف مزعوم يعول عليه في لجم التمدد الإيراني .هذا الحليف الذي سرعان ما ارتهن قراره السياسي والعسكري للحرس الثوري الذي لم ينكفئ من إشعال النيران ,أمرا يدعو إلى الوقوف أمام ما تعتمدها هذه الدول من إستراتيجية سينكشف مدى سذاجتها .ولكن بعد أن يدفع أبناء الشعب العراقي والمنطقة ضريبتها وبعد أن تنتج  مستبدا جديدا سرعان ما استغل استدارة إرادة تلك الدول ليستشرس في منطق القوة ولغة التهديد التي مارسها أسلافه وجروا على المنطقة ويلات وكوارث .
 ولم تكن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه لولا الخاصرة الرخوة التي تمت المراهنة عليها للنيل من إرادة الداخل الكردي هذه الإرادة التي تجلت بصورتها الرائعة في الخامس والعشرين من أيلول ,الأمر الذي يجعل من الضرورة إعادة التوازن لهذه الإرادة وفي المقدمة منها ترتيب البيت الكردي والكردستاني وانتهاج سياسات موضوعية حكيمة تمتص الارتدادات وتكون الضمانة لإفشال مساعي المتربصين بالكرد وحقوقهم وتحدث انعطافا في تلك الإرادات واختراقا في صمت المجتمع الدولي الذي لم يعد ممكنا .
*الجريدة المركزية لحزب المساواة الديمقراطي الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…