حسين جلبي
أوصل حزب العمال الكُردستاني، وصورته السورية حزب الاتحاد الديمقراطي بعد ست سنوات من وضع أيديهم على الملف الكُردي في سوريا، بتكليفٍ من نظام الأسد، وتمويلٍ وتسليحٍ منه إلى المرحلة التي جاهر بها الكُرد أخيراً بتفضيل نظام الأسد، رغم إجرامه الذي لا يُخفى على أحد، على الحزب الذي حاول أن يقدم نفسه كصورة محسنة عن النظام في المنطقة، من خلال شعارات وهمية مثل الإدارة الذاتية، الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، ولكنه كان صورة مشوهة، نظراً للمستوى المنحط من الجرائم المقترفة بحق الكُرد، حتى بدت شعاراته تلك مثيرة للغثيان، في الوقت الذي كانت فيه وبالاً على الكُرد، إذ قسمتهم ما بين مشروع قتيل أو مهاجر.
فقد خرج الطلبة الكُرد اليوم في مظاهرة بالقامشلي، للتنديد بقيام حزب الاتحاد الديمقراطي بإغلاق المعاهد الخاصة، لكنهم إختاروا هذه المرة مكاناً لمظاهرتهم “المربع الأمني”، في المدينة التي يسيطر عليها النظام بإحكام ولا يكف البيدا عن إدعاء تحريرها منه، وطالبوا بفتح تلك المعاهد التي كانت المتنفس الأخير لهم، والتي قام حزب الاتحاد الديمقراطي بإغلاقها، في خطوة شكلت المسمار الأخير في نعش التعليم الكُردي، وذلك بعد تسببه عمداً في إغلاق معظم مدارس المنطقة التي يشكل الكُرد أغلبية فيها، بحجة القيام بالتعليم فيها باللغة الكُردية، وهي الخطوة التي دفعت الأهالي إلى العزوف عن إرسال أطفالهم إلى تلك المدارس، بعد أن إكتشفوا الفخ المنصوب لهم، حين تبين بأنها ـ أي المدارس ـ ليست سوى مداجن ايديولوجية، وطريقاً تجهيلياً موصلاً بعد زمنٍ، طال أو قصر إلى حمل التلاميذ السلاح في صفوف الحزب. وكانت ثالثة الأثافي هي في إعلان البيدا قبل أيام عن عزمه جعل التعليم في الصف الثاني عشر ـ البكالوريا ـ باللغة الكُردية، وهي القطرة التي أفاضت الكأس، نظراً لاستحالة تمكن الطالب، الذي درس أحد عشر عاماً باللغة العربية، من التحول بشكل مفاجئ إلى الدراسة باللغة الكُردية وتقديم الإمتحان المصيري بها، هذا في الوقت الذي لا تعترف أية جهة أو دولة بإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، ولا تعترف أية منظمة محلية أو إقليمية أو دولية بمدارسه التي يدرس فيها معلمون أُميون، أو بالشهادات التي يقوم الحزب بتوزيعها، والتي لا تساوي لكل ذلك الحبر الذي كُتبت به.
خيار اللجوء إلى النظام، فراراً من ظلم أدواته هو ما خطط له الأسد جيداً قبل وقت طويل، ليس في المناطق الكُردية فحسب بل في معظم الأراضي السورية، وذلك عندما تخلى عن بعض سلطاته لمنظمات صنعها بنفسه، أو ترك لها الحبل طويلاً لتكبر وتعيث فساداً، حتى فاقت جرائمها فظائعه، وهكذا أخذ الناس يقارنون بين جرائم النظام، وبين ما ترتكبه منظمات مثل حزب الاتحاد الديمقراطي أو القاعدة أو داعش، ويضعون الجميع في سلةً واحدة، وأحياناً يقومون بتفضيل النظام على تلك المنظمات نتيجة الفظاعات العلنية التي ترتكبها. إن لجوء الطلبة الكُرد إلى التظاهر في ذلك المكان وبتلك الطريقة، جاء بعد يومٍ من فض “حركة الشبيبة الثورية”، اليد السوداء الضاربة لحزب العمال الكُردستاني مظاهرةً شارك فيها أعدادً منهم إحتجاجاً على تدمير التعليم ونشر الجهل، حيث قام أفراد تلك المجموعة المنفلتة من عقالها بالإعتداء على المتظاهرين وخطف بعضهم، وهو الأمر ذاته الذي يقوم به حزب الاتحاد الديمقراطي، ومنظماته الأمنية والعسكرية بحق الكُرد، بمناسبة وبدونها منذ ست سنوات.
إن الإدانة توجه إلى نظام الأسد بالدرجة الأولى، فهو يبقى مصدر كل الشرور، بسبب منحه “توقيعاً على بياض” لبعض المنظمات التي تعمل على خدمته من خلال إرتكاب فظائع، لا تهدف سوى إلا إلى الحفاظ على سلطته، وتجميل قبائحه والتخفيف من وقعها، مقارنة بما ترتكبه هي. لكل ذلك فإن سقوط سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، التي إقتربت كثيراً من نهايتها بعد إنتهاء دورها الوظيفي، وإقتراب قيام النظام من سحبها من التداول، لن يدفع الكثيرين إلى الشعور بالأسف، مثلما لم يشعر سقوط داعش أحداً بأي أسف، ومثلما لن يدفع إلى ذلك سقوط تنظيم القاعدة أو نظام الأسد نفسه، اللهم إلا من هو مشوه، على شاكلة هذه الفقاعات السامة.