حاوره: إدريس سالم
خاصّ لـ Welatê me
إن اندلاع الحرب السورية يعود إلى تراكم العديد من المشاكل والقضايا المحلية المعقدة على مدى طويل، كما أن القوى الدولية والإقليمية تمثل طرفاً رئيسياً فيها، هذا إلى جانب الصراع الطائفي والإسلامي، فهي لم تكن حدثاً بالغ الدموية فحسب، وإنما تحولت إلى كارثة كبرى حلت بسوريا والكورد بالدرجة الأولى، وكان لها تأثير دولي خطير من خلال تغذيتها لانتشار الإرهاب عبر العالم، وخلقها لأكبر موجة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، علاوة على تسببها في أن تعيش سوريا فى وضع بالغ الصعوبة، وفي أن يظل السلام الذي يصبو اليه الشعب السوري حلماً بعيد المنال حتى الآن.
وبفضل الجهود الكوردية والدولية المشتركة مُني تنظيم داعش وعدة تنظيمات إرهابية أخرى بضربات موجعة فى العراق وسوريا، كما توصّلت الدول المعنية إلى اتفاق حول “منطقة خفض الصراع”، ما أسهم فى توسيع رقعة الأراضي المنضوية تحت وقف إطلاق النار، وحفّز جزءاً من اللاجئين على العودة إلى منازلهم، في ظل بروز خطوات سياسية إيجابية جدية، تضاعفت تطلعات الناس نحو حل الأزمة السورية.
وحيال هذه الثورة السورية أو الأزمة، ووثيقة الحل القريبة والتي باتت ممكنة أكثر فأكثر، وحول عملية استفتاء إقليم كوردستان بهدف حصولهم على الاستقلال وتأسيس الدولة الكوردية ومواقف الدول منها، كان لموقع «Welatê me» هذا الحوار الخاص مع «كوهدرز تمر» الكاتب والسياسي الكوردي والقيادي في حركة الشباب الكورد، لمحاورته حول كل هذه القضايا والمشاكل والمواقف.
– بداية هناك طرفان كورديان متصارعان على المشاريع التي يقدمها كل منهما. ما قراءتك لهذه المشاريع؟ وما مدى نجاحها الفاعل في ظل الظروف الداخلية والتحديات الخارجية التي تعصف بغربي كوردستان؟
ـ مشروع PYD مشروع فاشل مع قوته على الأرض، لعدم وجود أيّ ضمانات من المعارضة أو النظام وحتى المجتمع الدولي، الذي يغيبه في مؤتمراته وقراراته، ومشروع ENKS فاشل أيضاً بعدما ترك الميدان والقوة الجماهيرية هاجرت أو هجّرت، وليس هناك إلا مساعي دبلوماسية دون أي قوة على الأرض.
واستمرار هذا التشتت ربما يضيع الفرصة التاريخية أو يضعف الإنجاز المتوقع، والذي كان لا بدّ من تحقيقه في المرحلة المصيرية هذه.
– المجلس الوطني الكوردي أدان واستنكر ما يجري حول منطقة عفرين من تحركات عسكرية تركية وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الديمقراطي. فما قراءتكم حول ذلك؟ وماذا تريد تركيا من الغرب جراء هذه المناورات؟
ـ المجلس الكوردي يعارض أي تدخل تركي أو للنظام في غربي كوردستان منذ تأسيسه، وله مواقف مشرفة في ذلك، أما الاتحاد الديمقراطي كفرع وأداة للعمال الكوردستاني فقد أسرف في استغلال غربي كوردستان، ميداناً له في صراعه ضدّ أردوغان، ومنح الأخير الذرائع لمهاجمة وخناق غربي كوردستان على امتداد الحدود، وخاصة عفرين الواقعة في المثلث الحرج، واتفاق الاتحاد الديمقراطي مع النظام حرم مناطق غربي كوردستان من أن تكون مناطق آمنة بقرار دولي، ووقوع عفرين بين منطقتي إدلب وجرابلس الآمنتين (خفض التوتر)، جعلها فريسة لتركيا، وتحت صمت غربي وروسي.
– طيلة سبع سنوات من الانتفاضة الكوردية والسورية ضد آلة القمع البعثية. ما الحل أو المشروع المناسب الذي من شأنه توحيد الكورد في غربي كوردستان، وتقديم مشروع كوردي والنضال من أجله؟
ـ لا أرى أي مشروع توحيد صف كوردي في الأفق، في ظل إقرار PYD وقنديل علناً وعلى الملأ، بعدم اعترافات بالفكر والمشروع القوميين الكورديين، ورفضت اقتراح راعي اتقاقية هولير الرئيس بارزاني بهذا الشأن، وطالب وفدنا في أمانة المجلس ووفد مجلس شعب غربي كوردستان، بضرورة تشكيل تحالف كوردي بعيد عن النظام والمعارضة، وفرض نفسه ضمن أي اتفاقات حل للوضع السوري الراهن.
– يقول البعض أن أحزاب المجلس الوطني الكوردي حققت مكاسب سياسية من كونها جزء من الائتلاف السوري، في حين ينفي البعض ويؤكد بأنها تدفع الضريبة كوردياً، جراء سياسات الائتلاف وتصريحات بعض أعضائه تجاه القضية الكوردية.
ما ردّك؟ وهل الائتلاف جاد في وعوده للكورد أما أنهم نسخة عن حكومتي سوريا والعراق؟
ـ المكسب الوحيد للمجلس الكوردي ضمن الائتلاف المعارض هو هيئة المفاوضات في جنيف، والحضور الكوردي، وكسب حلفاء معتدلين، للوقوف بجانب القضية، أما مصداقية الائتلاف فمشكوك فيها، لأنه يدعي أن أي حقوق سيحددها دستور جديد يطرح على الشعب السوري عامة، وليس هناك اعتراف رسمي بشيء اسمه غرب كوردستان (كوردستان سوريا).
– ما نتائج انسحاب وعدم انسحاب المجلس الوطني الكوردي من الائتلاف السوري؟
ـ انسحاب المجلس الوطني الكوردي من الائتلاف ربّما يخسّر الكورد ورقة جنيف وحضوره مؤتمرات الحلّ السوري برعاية دولية، كما PYD، وأتوقع أن يزداد ضغط الأخير عليه، لانهائه في حال بقي وحيداً عكسما يتوقع البعض، أن سبب هجوم وعداء PYD لـ ENKS هو وجوده في الائتلاف فأعمال الحزب وأجنحته الأمنية واغتيالاتها واختطافاتها موجودة قبل تأسيس الائتلاف، وانضمام المجلس إليه بكثير.
– أيهما أفضل: «تبعية الكورد للكورد، أم تبعية الكورد للمعارضة السورية التي باتت “الأسلمة“ سمتها الجوهرية؟»، وهل أنت مع انتقال مركز نشاط المجلس الوطني الكوردي من اسطنبول إلى هولير؟
ـ بالتأكيد تبعية الكورد لمحورهم القومي وامتدادهم الجغرافي الكوردستاني، فليس للكوردي سوى أخيه الكوردي، وكل ما فعله الكورد للمعارضة العراقية أمام أنظارنا، ونحن نرى انكار الجميل والغدر بالوعد..
أتفق معك حول نقل مركز ثقل المجلس وكل القوى الكوردية الأخرى لهولير، خاصة وأن إقليم كوردستان يتهيأ للاستقلال باستفتاء جماهير عارم.
– ما مصير غربي كوردستان من التقدم الواضح الذي يشهده الجنوب الكوردستاني من عملية الاستفتاء وصولاً إلى إعلان الدولة الكوردية؟ وهل الشارع الكوردي سيطالب بتوحيد الجزأين (الغربي والجنوبي) في دولة واحدة؟
ـ غرب كوردستان كما كل سوريا غامض المستقبل، وليست هناك رؤى واضحة أمريكية للحل، والوضع يتجه نحو التقسيم شاء النظام والمعارضة أم أبوا، فصعوبة التعايش المشترك بين مكونات وطوائف سوريا، وخاصة السنة والعلويين واقع يتهرب من حقيقته أغلب السياسيين، قوة ووحدة الكورد وخلاصهم هو الاعتماد على الأخ الشرقي، والتحضير لضم غربي كوردستان إلى جنوبيه، وهو ما لمح اليه الإعلام الأمريكي في خرائط الشرق الأوسط الجديد، التي سرّبت مرات عدة قبل عقد ونيف..
– سواء قبل البدء بعملية الاستفتاء أو بعد نجاحها. برأيك هل تركيا ستتخذ تدابير عقابية من إغلاق للحدود مع إقليم كوردستان أو تنفيد عقوبات اقتصادية على الشركات الكوردية ورؤساء الأعمال؟ وماذا سيكون موقف الشركات التركية العاملة في الإقليم جراء سياسات بلادها؟
ـ لا أتوقع معارضة تركيا لاستقلال كوردستان أبداً، و هناك سببان هامان لذلك. الأول: تركيا التي يحكمها حزب إسلامي سني يهمها ضعف وتمزق العراق الشيعي (60%)، ووجود كوردستان سنية على حدودها آمن من عراق شيعي، في ظل الصراع الطائفي بالمنطقة وعودته لشراسته، ثانياً: حكمة ونجاعة حكومة وقيادة إقليم كوردستان وعلاقاتها الاقتصادية مع تركيا تمنع الحكومة التركية من التفكير بإغلاق الحدود وقطع العلاقات والحصار، وخسارة 10مليارات دولار من الصادرات السنوية، وإغضاب رجالات الأعمال الترك، الذين لن يقبلوا معاداة حكومتهم لمصالحهم من خلال فتح الحرب على الإقليم، والأهم تركيا بحاجة للنفط والغاز ومرورها من أراضيها وشراؤها من كوردستان الجارة القريبة أفضل من الرضوخ للروس وغيرهم.
– هل تعتقد باحتمال حدوث تغيرات ملحوظة على سياسة إيران الخارجية بعد نجاح عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان؟ أم أنها ستقترب من الإقليم وتفتح معها صفحة جديدة مضمونها السلم وبناء العلاقات والمشاريع؟
ـ لا أتوقع أن تفتح صفحة جديدة، ولن تقدم على خطوات حمقاء عسكرية أيضاً، لكن ستظل إيران حاقدة ومحاصرة لكوردستان، وهي تفكر في حلم المشروع الصفوي والطائفي الشيعي، وهي ترى الخليج وعلى رأسها السعودية تدعم كوردستان واستقلالها.
– دعنا من المواقف التي نشاهدها في الإعلام. قيادة قنديل والسليمانية بماذا يقتصر دورها في الاستفتاء؟ وهل لديها أوراق إيجابية تستخدمها لصالح الاستفتاء؟
ـ قيادة السليمانية كما أسلفت خرجت من أيدي الموالين لإيران، وباتت جزءاً من مشروع هولير، وشريكاً للرئيس بارزاني، مع بقاء كوران وقسم من الاتحاد الوطني مستسلم تقريباً أمام مشروع الاستقلال وجدية بارزاني.
أمام قنديل فربما كانت تتعاون مع حركة التغيير، وستسعى حتى آخر لحظة لإفشاله، ولن تنجح.
– إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والمواقف من الاستفتاء. ما هو برأيك الموقف الإسرائيلي الحقيقي من هذا الاستفتاء وبناء دولة كوردية في قلب الشرق الأوسط؟
ـ إسرائيل من صالحها تأسيس دولة كوردية، واقع لا يمكن التغاضي عنه، وليس لغايات يتصورها بعض العنصريين العرب، ولا بعض المضخمين للقضية من المتحمسين الكورد، وعدم إقرار إسرائيل وبعض الدول العربية والأوروبية وحتى أمريكا بدعم استقلال كوردستان قبل الاستفتاء، وتبني حكومة وقيادة الإقليم نتائجه أمر منطقي جداً، ولا أتوقع وضوح المواقف أكثر بعد 25 سبتمبر المقبل.
– وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون“ حثّ رئيس إقليم كوردستان إلى تأجيل إجراء عملية استفتاء الاستقلال، مبدياً دعمه للحوار بين بغداد وهولير.
برأيك هل سيوافق البارزاني على التأجيل؟ وما هو الضمان الجاد والبديل المنطقي للمستقبل وتحديد مصير شعب كوردستان مقابل تأجيل الاستفتاء؟
ـ الرئيس بارزاني يقولها صراحة، لا تأجيل وليس هناك بديل، ولسنا مستعدين لإبقاء شعبنا ومستقبله مرهونين بالأيام ومفاجآتها، وأمامنا تجربة 100 عام فاشلة وكارثية ودموية مع العراق المستبد وغير المواكب للتطور..
سيعلنها البارزاني وحلفه الكوردستاني، وسيعترف العالم عنده، وأمريكا تريد عراقاً موحداً، لكنها لا تستغني عن كوردستان أهم حلفائها في حرب داعش، واعتدالها واستراتيجية موقعها.
– أمريكا وإسرائيل قوتان استراتيجيتان تتحركان في الشرق الأوسط وتحديداً سوريا على قاعدة «الشر الذي تعرفه خير من الشر الذي تجهله». إذاً هذا الخطاب يدل على أن الأسد لن يرحل! ما تفسيرك لهذا الكلام؟ وكيف تحلل رؤية المعارضة السورية والدول العظمى على هذا الخطاب؟
ـ لم يكن الأمر كذلك في بداية الثورة، وأرى أن من أوصل سوريا إلى هذه الحال من التصعيد، وكثرة القوى المتطرفة هما النظام والغرب نفسه، الذي ماطل في إسقاطه..
الأسد باق نعم، لكن في منطقة جغرافية تمتد من الساحل إلى دمشق ربّما.. والأهم التقسيم قادم.
– هل ترى أن المفاوضات السرية الجارية على قدم وساق حول وثيقة الحل الأخيرة للأزمة السورية يمكن أن تتساوم وتأخذ منحى قد تصل إلى حد قبول وجود الأسد في سوريا المقبلة، أياً كان الحل؟
ـ لا أتوقع.. لا المعارضة ولا المصالح المتعارضة غربياً، ولكن روسيا تسمح بذلك منذ اليوم الأول من الثورة..
– أخيراً كيف تنظر إلى مستقبل سوريا في ظل كل ما تشهده البلاد، خاصة وأن اتفاقية ما سيتم توقيعها، أم أن الأزمة ستطول أكثر من ذلك؟
ـ أتوقع جنيفات أخرى، وإطالة أمد الأزمة، والذهاب إلى التقسيم، بعد تنفيذ المناطق الآمنة، وهي مرحلة ما قبل التقسيم.. فنوايا الغرب والقوى العظمى في الحل ليست جدية أبداً، وتفتقد الإرادة وتسعى لتمديد الأزمة.