الغريم السياسي بين المآخذ عليه والدفاع عنه

ماجد ع  محمد
أحياناً تقول اللوحة المقروءة لقارئها كأنَّ سببَ بعض المواجع التي قد تتكرر للمرءِ حين احتدام الصراع، كامنٌ في اتباعه مبدأ الإنصاف حتى مع من يناصبونه العداء، كإنصاف من لا يخجلون أو يتورعون عن طعنه بمناسبة أو دونها، وهي بحق أشبه بحالة من يُدافع عن أحدهم لضيمٍ تعرّض له، فيما لا يلقى المَغيثُ ممن يُساعده غير التشكك والاتهام بدل تقدير الموقف، كما يكون الإحراج مزدوجاً عندما يحاول أحدهم أن يوفّق بين طرفين ليسا أكثر من خصمين لدودين مهيئين لتبادل المكاره وربما اقتراف الموبقات أيضا، وذلك سواءً بحق بعضهما أو حتى بحق من يرى نفسه فجأةً في موقع القاضي الذي لا يجد سبيلاً غير الدفاع عن كليهما، خاصةً عندما يُجحف أحداً منهما بحق الآخر.
ومن هذا المنطلق فالذي وقعت فيه كتلة المجلس الوطني الكردي(ENKS) حيال موقف إحدى كتل الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة من حزب الاتحاد الديمقراطي كان مربكاً بحق، مع أنه قد يكون محط تقديرٍ لدى مناصري إحقاق الحق، كما أن لإصدار الدائرة الإعلامية للائتلاف بيانه الذي جاء فيه “أن حزب الاتحاد الديمقراطي وفروعه الأمنية والعسكرية تنظيمات إرهابية، وبناءً على ذلك طالب التصريحُ الدولَ المعنية وفي مقدمتها أمريكا بالتوقف عن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي وعدم توفير غطاء سياسي له”  فكان فيه إحراج مزدوج لـ: ENKS، أولاً من جهة شركائه في المعارضة السورية، وثانياً من قِبل جمهوره وأنصاره في الداخل الذين يعانون من جور وعسف الأجهزة الأمنية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي منذ بدء تسنمه مقاليد الحكم في المناطق الكردية.
ولعلَّ الكتلة أو الجهة التي كانت وراء المطالبة بضم اسم PYD  إلى المنظات الإرهابية في اللوائح الدولية للإرهاب، حضّت ENKS ليسترجع مناسبة وأسباب وملابسات إصدار البيانات السابقة للائتلاف بخصوص موضوع الإرهاب، ومن ثم يتذكر بأنه سبق لنفس التوجهات التي سارعت إلى إصدار ذلك التصريح أن رفضت خلال السنوات الماضية توصيف داعش وجبهة النصرة وغيرها من الفصائل التكفيرية كفصائل إرهابية، بل وأيدت مظاهرات خرجت بشعارت ولافتات تمجد بتلك الفصائل واعتبرتهم فئات ثورية بامتياز، كما أنه بالرغم من أن الكثير من الفصائل التكفيرية وحتى بعض الكتائب المحسوبة على الجيش الحر ارتكبت الجرائم واقترفت أرذل الممارسات على مدار السنوات الماضية من عمر الثورة التي تحولت الى حرب طاحنة في سوريا، ومع ذلك لم تصنف تلك الفصائل من قبل مؤسسات المعارضة كفصائل إرهابية باستثناء تنظيم داعش الذي صُنف كمنظمة إرهابية بعد أن أدرجت واشنطن وأوروبا اسمها على رأس قائمة المنظمات الإرهابية! 
ويبدو أن هذا المكيال الذي لجأ إليه بعض الأخوة في المعارضة هو الذي أزعج قادة ENKS الذين رأوا بأن بعض رفقائهم في الائتلاف لا مشكلة لديهم لإصدار بيانات يومية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي بناءً على دوافعهم الشخصية أو الحزبية، أو إرضاءً لأنقرة التي لا ترى أي عدوٍ لها في عموم سوريا غير حزب الاتحاد الديمقراطي وفروعه العسكرية، لذا ما كان من كتلة ENKS إلا أن تصدر تصريحاً تتنصل فيه من تصريح الدائرة الإعلامية للائتلاف بخصوص PYD، ليس حباً بـ: PYD طبعاً ولا تقرباً منه، إنما حرصاً على نصاعة سيرة الحركة الكردية والقضية القومية برمتها، باعتبار أن أكثر من يعاني من استبداد PYD وجور فروعه الأمنية والعسكرية هو ENKS الذي أُغلقت مكاتبه واعتُقل قادته وخُنقت أنشطته الميدانية برمتها من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية للاتحاد الديمقراطي (PYD) .  
وجليٌّ أن اعتراض كتلة ENKS على تصريح الائتلاف نابع من حرصه على التوازن والموضوعية وعدم التسرع في إطلاق الأحكام على أي طرف سياسي سوري بما فيهم الاتحاد الديمقراطي، لذا طالب المجلس من الائتلاف باحترام رؤى مكوناته وعدم اللجوء إلى المكاييل وتوضيح الموقف من جميع الفصائل الإرهابية استناداً على لوائح الارهاب الصادرة عن المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية كمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وعموم المنظمات المعنية بحقوق الإنسان .
ولا شك بأن لـ: ENKS عشرات المآخذ على ممارسات الاتحاد الديمقراطي وسلوكه، ومع ذلك فالوخزات التي قد يتلقاها المجلس الوطني الكردي ربما لن تتوقف عند حدود معينة سواءً من قبل أنصاره أو ربما من لدن بعض شركائه في المعارضة التي تحوي مِن بين فئاته مَن لديه الاستعداد لمجافاة العالم كله كرمى كسب ود المموِّل، ولو كان ذلك سيكون على حساب تشويه الحقائق أو طمسها. 
ومن جهة أخرى فإن محاولة إنصاف الخصم السياسي أي PYD لن يعفي ENKS من دوام تجرع استبداد حزب الاتحاد الديمقراطي وفروعه، وذلك باعتبار أن ذلك الحزب الشمولي ليس في وارد مراجعة سياساته التعسفية القائمة على رفض أي طرف كردي لا يحوم في فلكه، ولا هو في وارد الاعتذار من المجلس عما اقترفه بحق قياداته وأعضائه وجماهيره، ومن المؤكد أنه لن يقدّر الإحرجات التي يقع فيها المجلس بسبب ممارساته الخرقاء، باعتبار أن المستبد ليس في قاموسه تقدير المواقف الشجاعة للآخرين، ولا في معجمه شيء اسمه الاعتذار باعتبار أن الاعتذار ليس من صفات المستبدين، بما أن المكابرة تمنع المستبد من الاعتراف بالخطأ، أو حتى التفكير بشُكر صاحب الفضل عليه.   
وفي الختام يبدو لي أن المُقارب من الموضوعية في خضم الصراع سيستمر في تجرع الوخزات على مضض ممن كانوا يُعدون كأخوة من جهة، أو من هم في مقام الحلفاء والشركاء من جهة أخرى، بما أن الطرفين المتضادين ليسوا مهيئين للتقارب حالياً حتى ولو أرادوا ذلك، باعتبار أن كل خصم منهم خاضع لشروط جهات دولية معينة، ولا يقدر الواحد منهم بالتالي الخروج عما رُسم له، أو مناهضة ما يُملى على أيٍّ منهم من قِبل الجهات التي تتحكم بآراء ومواقف الطرفين المتضادين، طالما لن يكون بمقدور أية جهةٍ منهم التحرر في الوقت الراهن من مخانق ورغبات الممولين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…