لمَ لا يحقّ للبارزاني أن يقود الكورد، ويحقّ لغيره أن يضيّعهم؟!

إدريس سالم
عندما يريد اللصّ أن يجعل نفسه شريفاً صادقاً مع الفرد والمجتمع والوطن والقضية، فيقوم بشراء الذمم واستئجار أغبياء يرون أنفسهم أذكياء، ليمجّدوا نضاله ووطنيته وانتصاراته، ويطعنوا بكفاح الشخصيات والزعماء والعائلات الكوردية التي تقاتل الأعداء حتى آخر رمق، هادرة النفيس والرخيص في سبيل ذاك المبتغى. فاللئيم يعتبر الطيبة غباءً، والخداع فطنة، والنذل يعتبر الوفاء جهالة والتسلّق واللصوصية ذكاءً وشطارة، وهذا ما يعبّر بدقة عن واقعنا الكوردي الراهن، وما نمرّ به اﻵن من أحداث تاريخية مفصلية، قد تغيّر قدر الكوردي الحالم دوماً بالحرية، الذي لم يكن له شيء سوى الجبال والرياح طيلة قرن مليء بالدم، واليوم سنحت له الفرصة في أن يستعيد أمجاده وحضارته، ممَن تعاملوا معه على أنه من العبيد. إنه موسم المتسلقين واللصوص وتجّار الوطنية والمراهنين على نتائج استفتاء إقليم كوردستان على الاستقلال وتقرير المصير، المزمع عقدها في الخامس والعشرين من سبتمبر. 
لأصحاب الأقلام الحرّة الجريئة والمستأجرة الجبانة، لكلّ الذين يهاجمون تاريخ العائلة البارزانية، سواء يمتلكون المعلومات والمصادر الصحيحة والحقيقية عنها وعن ثوراتها التحرّرية المسلّحة، أو أن معلوماتهم تقتصر فقط على قراءات نظرية مسموعة من بعض الأحزاب والقيادات التي تحاربها في سبيل النيل منها وتخديم أجنداتها، دون أدنى مسؤولية أو تفكير أخلاقي وإنساني وبعد قومي، لكل الذين يقولون بأن إقليم كوردستان سيتحوّل إلى مملكة أو سلطة بارزانية، بعد عملية الاستفتاء الشعبي والوصول بها نحو الاستقلال وإعلان الدولة الكوردية في المدى القريب، وأن العائلة الحاكمة الآن كلها من البارزانيين، وسيكونون من البارزانيين أيضاً بعد الاستقلال، وأنهم يديرون أمور الشعب والثورات والحروب وهم في قصورهم وفيلهم، وأن البارزاني يسعى إلى إنشاء إمارة عائلية على شاكلة إمارة عائلة حافظ الأسد، ومعمر القذافي وعلي صالح وحسني مبارك وأخرين كثر من أمثال هؤلاء الحكّام، حكام الدول العربية، عليكم أولاً بقراءة تاريخ الكورد وحركاتها التحرّرية من الألف إلى الياء، ومن ثم اكتبوا ما تشاؤون، ووجّهوا الاتهامات كيفما يشاؤون، وخوّنوا مَن يشاؤون، واعملوا مع مَن تشاؤون! لأن بعد قراءتكم للتاريخ، وإدراككم للحقائق الغائبة عن بصركم وبصيرتكم، واستيعابكم ولو بجزء بسيط لكل ما جرى للكورد، فأنا متأكد بأنكم لن ترموا أحداً بكلمة تخوينية أو شتيمة أو اتهام، إلا وستحسبون ألف حساب لكلمتكم. عودوا إلى التاريخ ومؤلفات المستشرقين الأجانب الذين دوّنوا الأحداث بكل مهنية ومصداقية، بعيداً عن التحزّب والتعصّب، وستكتشفون بأن البارزانية ليست عائلة أو عشيرة أو إمارة أو مملكة كما تعتقدون، بل عبارة عن بقعة جغرافية سكنية، تسمّى «بارزان»، تقع في قضاء «ميركسور» في هولير، وكلمة «بارزان» تعني بالعربية «مقابل الشمس»، حيث سكنها قديماً شيوخ الطريقة النقشبندية الصوفية، ومنها خرج الجدّ الأول الشيخ عبد السلام بارزاني «أحد تلامذة مولانا خالد النقشبنّدي، أول مَن أتى بالطريقة النقشبندية لكوردستان والشرق الأوسط، وتعلّم في الهند، وقبره موجود في دمشق»، ومن ثم الشيخ محمد والد الملا مصطفى بارزاني، ومن ثم الأخ الأكبر لملا مصطفى الشيخ عبد السلام بارزاني خليفة الشيخ عبيد الله النايري المؤسّس الأول للروح القومية والثورات التحرّرية التي لم تتوقف، وقائد المرحلة الراهنة مسعود بارزاني.
لعلّ هذا التشبّث العربي بكرسي السلطة وإدارة كل أمور البلاد والعباد أصاب رؤساء وأمناء وزعماء وسكرتارية الأحزاب الكوردية، أمثال عبد الحميد حاج درويش، الذي – بحسب تصريحاته ومواقفه – ندم كثيراً، لعدم لقائه ببشار الأسد مع بدايات اندلاع ثورة الشعب السوري ضدّ نظامه ورموزه وحزبه، عندما وجّهت لهم الدعوة رسمياً «الأحزاب السياسية الكوردية المعارضة» للجلوس على طاولة المفاوضات، فقبل أن يصبح حافظ الأسد رئيساً كان حاج درويش سكرتيراً للحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي، ومات الأسد ولا زال حاج درويش سكرتيراً، وسط توجيه الشارع الكوردي انتقادات ساخرة له واصفاً إيّاه بأنه «نفرتيتي كوردي»، واتهامه بإقامة علاقات سرّية «مشبوهة» مع استخبارات النظام السوري أيام حكم حافظ الأسد، وأحياناً اعترافه شخصياً بتلك العلاقات، والسؤال الذي يجب على منتقدي ومُهاجمي البارزاني الإجابة عليه بكلّ جرأة وشجاعة: «ألا يوجد مَن يخلّفه في مهام قيادة الحزب بصفة (أمين عام)؟ أهذا الحزب الشعبي العريق ذو التاريخ الكبير خال من الطاقات الشبابية والكفاءات السياسية، والتي من شأنها تقدّم الحزب نحو الأمام، بإشغالهم منصبه في القيادة، حتى بإشراف وإرشادات حكيمة منه؟ هل الأجندات الإقليمية تبقيه في هذا المنصب أم العقلية السلطوية أم القرار التحزّبي النرجسي هو المانع والمُمانع؟ ألا يحقّ القول بأن كلّ القرارات المصيرية المتعلّقة بسياسة التقدّميين لا بدّ وأن يطّلع عليها حاج درويش ويوقّعها ويعلنها بصفة (زعيم كوردي)». 
وأيضاً عبد الله أوجلان، الذي لا زال زعيماً وقائداً روحياً لحزب العمال الكوردستاني وكل ملحقاته السياسية والعسكرية والثقافية منذ عام 1978 أثناء تأسيس الحزب وحتى اليوم، رغم عزله في معتقل خاصّ به في سجن إيمرالي بتركيا، وسط تشويه تاريخه النضالي على وسائل الإعلام، لارتباطاته بجهات معادية للكورد أولاً، وثانياً لأن رفاقه من قيادات قنديل التي تدير عمليات الحزب العسكرية ضدّ الجيش التركي قد قتلوه حيّاً، بتنمّرهم عليه وعدم السماع لأوامره، فاسألوا أنفسكم: «لماذا يحقّ له أن يُعبد ويُقدّس ويكون القائد الأوحد، بذكر اسمه في كلّ شاردة وواردة في شمالي وغربي كوردستان ولا يحقّ لغيره ذلك؟ لماذا يحقّ له أن يكون زعيماً وقائداً كوردياً لحزب جماهيري منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولا يحقّ ذلك لغيره، رغم أنه معتقل في السجون التركية، ولا يمارس العمل السياسي إلا عبر التقارير التي ينقلها لقادة الحزب عن طريق محاميه الخاصّ؟».
وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، الذي يشغل حالياً منصب أمين عام حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، والذي لو كان رئيساً لإقليم كوردستان لما شهد الإقليم وبمَن فيها كل هذا التطوّر السياسي والتقدم التكنولوجي والازدهار الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية، بعد أن كان إقليماً يفتقد لأبسط متطلّبات الحياة، فمنذ زمن ليس ببعد كان أفرادها يركبون البغال والحمير، وينامون في الكهوف وعلى حجارتها، ويأكلون ويشربون ما قدّمت لهم الطبيعة، ويدخنون أردأ أنواع التبوغ، لم يكن لديهم قصور وفلل ولا أموال في البنوك ولا سيارات فارهة. اسألوا أنفسكم: «أفكرتم فيما كان سيفعله الطالباني جراء علاقاته وسياساته الواضحة مع دمشق وطهران ضدّ الكورد، أم أن العمى العقلي أصابكم؟ لماذا يحقّ للطالباني أن يقود الاتحاد الوطني الكوردستاني – وهو على فراش الموت – ولا يحقّ للبارزاني أن يقود الإقليم والشعب الكوردي نحو الاستقلال، وبفارق كبير أنه يدير المعارك الشرسة ضد تنظيم داعش الإرهابي تحت رتبة “بيشمركة“، ورفضه للعودة إلى بيته إلا ويحرّر شنكال من داعش وحلفائها؟».
في هذا المقال، لست بصدد الدفاع عن عائلة بارزاني، سواء كنت مناصراً لهم أو معارضاً أو محايداً، كما لا يحقّ لي أن أشكّك بنضالية أو وطنية أوجلان وحاج درويش وطالباني وغيرهم من القيادات والزعامات الكوردية، ولا طعناً بما قدّموه من قيادة حروب ضدّ الفقر والقمع والنفي والخوف، وتحقيق انتصارات سياسية بتوعية الشعب وإيقاظ المجتمع من غفوته وتحريكه نحو الأمام، للخلاص من العبودية والتبعية ومستنقع الاستبداد، لست في نيّة داخلية في أن أخوّنهم وأرميهم بشتائم واتهامات باطلة هنا وهناك، لكن كلمة الحق يجب أن تقال، حتى لو كانت جارحة، حيث كتب الصديق “محمد صادق عمر“ على صفحته على الفيسبوك، كلمة عادلة أراها تعبّر عن مضمون عنوان المقال، فقال كلمته ودافع عنها: «هاتوا لي عائلة أخلصتْ للقضية الكوردية، وقدّمتْ ثمانية آلاف شهيد من أبنائها في التاريخ الكوردي القديم والحديث مثل عائلة بارزاني؟!».
لقد فكرت في هذا الكلام بشكل عميق، مراراً وتكراراً، وفي معظم الأحيان، أصل إلى نتيجة أراها منطقية وواقعية من وجهة نظري، أنه ليس بمقدور أي عائلة كوردية أخرى تستطيع تقديم كل هذه التضحيات، في الأرواح وغير الأرواح في سبيل الدولة الكوردية ونيل شعبها لحريتهم وحقوقهم، فلمَ لا يحقّ للبارزاني أن يقود الكورد نحو تأسيس الدولة الكوردية وتحرير شعبه من مجازر وقمع الأعداء، دون أن يرتكب أي انتهاك ضد أقلية أو طائفة، فهو الذي يأخذ برأي قيادته وكافة الأحزاب الكوردستانية في أيّ خطوة يقدِم عليها، بعد أن وصل حلفه الآن والمؤلّف من 90 بالمئة من أحزاب الإقليم، جميعها معه، إلا حركة التغيير والجماعة الإسلامية، فيما يحقّ لغيره من أمثال حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي أن يضيّعهم، من رفضهم مشاركة معظم الأحزاب الكوردية في قرار السلم والحرب والسلطة والإدارة، حيث تأتيه مشاريع جاهزة من جهات مجهولة الهوية والهدف، يفرضها فرضاً على الشعب، دون إرادته أو استفتاء رأيه، وزجّهم في حروب لا تعنيه بشيء، ولا تخدم مشروعهم التحرّري؟!
فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1932 عندما وقع أول صدام مسلّح بين العائلة البارزانية والحكومة العراقية، حول رفض أحمد بارزاني لنشر الحكومة مخافراً للشرطة في منطقة بارزان، وحتى الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وصولاً إلى قيام الثورات العربية التي ندّدت بطغاة العرب الحاكمة للسلطة 2010، ولا تزال عائلة البارزاني تقود العمل المسلح الكوردي، هذه العائلة التي تحارب وتضحّي لأكثر من 115 عاماً، دون كلل أو ملل. فأول  قائد كوردستاني تحرّري شهيد في العصر الحديث هو من العائلة البارزانية، «الشهيد الشيخ عبد السلام بارزاني»، والذي أعدم على  يد العثمانيين عام 1913 في الموصل، بعدما رفض دفع الضرائب للدولة العثمانية، بل وتمرّد عليها في مدينة «عقرة»، فوجهت إليه الدولة العثمانية قوة عسكرية، أسرته، ثم أعدمته. 
وأخيراً، وعلينا ألا ننسى أن أول ثورة قومية كوردية قادها الشيخ عبيد الله النايري «معلّم الشيخ عبد السلام بارزاني في الطريقة النقشبندية والفكر القومي» في شمالي كوردستان عام 1880 كانت ضد تركيا، التي حرّرت قسماً كبيراً من شرقي وشمالي كوردستان، إلى أن قامت كلّ من تركيا وإيران وحتى روسيا بقمع ثورته، باعتقال النايري، ونفيه إلى إزمير، وبعد انتهاء ثورات النايريين، استلم البارزانيون زمام الثورة والكفاح، لتتلوها ثورة عبد السلام بارزاني، والذي أعدم شهيداً، بعده جاء إعدام الشيخ سعيد بيران ورفاقه، ثم نجله سيد علي رضا ورفاقه، ثم رئيس جمهورية مهاباد القاضي محمد، فعبد السلام أول قائد كوردي يتم إعدامه ويستشهد، ويبقى السؤال الأهم، والذي على كلّ المثقفين وأشباه المثقفين أن يجيبوا عليه: «أول قائد ثائر شهيد هو من البارزانيين، فهل يكون مؤسّس الدولة الكوردية قائداً بارزانياً؟ ثم لمَ لا يحقّ للبارزاني أن يقود الكورد، ويحقّ لغيره أن يضيّعهم؟!».
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…