هواجس حول معركة الرقة ..!

اكرم حسين 
حان الوقت لوضع  النقاط على الحروف، رغم الحديث المبالغ عن حدوث بعض الانتهاكات التي  قد تكون ارتكبتها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بحق المدنيين أثناء المعارك وتحديداً في الرقة ، لكن تبقى للحرب قوانينها ، وقد تكون هذه الانتهاكات أو الممارسات من طبائع الامور، لكن ان يتطور الموقف الى تفضيل  داعش على “قسد” او المقارنة معها ، او اعتبار ما يجري من محاولات لاستعادة الرقة وتطهيرها من رجس الارهاب ،عبارة عن ارهاب وتهجير وقتل للمدنيين العزل ! فهو ضلال وزندقة وانحياز بيّن وصريح الى معسكر الارهاب والظلام ! لان كل منظمات حقوق الانسان بما فيها داعش نفسها، لم تستطع ان توثق حتى الان هذه الممارسات !
 فالرقة كما نعلم هي عاصمة لـ “دولة” البغدادي المزعومة ومصنع التفخيخ والتفجيرات الارهابية التي تنطلق باتجاه المدنيين ، ، وبالتالي لابد من خوض هذه المعركة لدك اركان هذه “الدولة” ، لكن السؤال هل يمكن لأمريكا و”قسد” طرد داعش من الرقة ،واستعادة المدينة واعادة الحياة الى طبيعتها بعد سنوات من القهر والظلام ، بدون تضحيات حتى في صفوف المدنيين ، الذين يحتجزهم داعش كرهائن ويستخدمهم كدروع بشرية ؟!
الواقعية تقتضي القبول بالقليل من الاخطاء والضحايا المدنيين،  او عدم مهاجمة الرقة نهائياً والبقاء متفرجاً حتى “يأتي امرا كان فيه مفعولا ” بمعنى كي لا يسقط مدنيين وتحدث اخطاء علينا التسليم ببقاء داعش في الرقة واستمرار معاناة من هم في قبضتها ! وبالتالي استمرار مسلسل القتل والتفخيخ في كافة انحاء سورية والعراق الى اجل غير مسمى !.
من يرفض دخول قوات سوريا الديمقراطية  الى الرقة عليه تقديم البديل لاقتلاع رحم الارهاب وعدم تفريخه من جديد !
هناك من يحاول ان يساوي بين “قسد” وداعش والحشد الشعبي وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والايرانية ! هذا الكلام فيه غلو ومجافاة للحقيقة ، لأن طبيعة “قسد”  العلمانية  ومشروعها الميداني في مواجهة الارهاب يختلف عن كل المشاريع الطائفية الاخرى التي تعمل على تجذّر الفكر التكفيري والطائفي في المنطقة من خلال ضرب الكل بالكل خارج الطائفة !.
تقليل الخسائر في معركة الرقة ضروري ،خاصة ما يتعلق منها بتحييد المدنيين والالتزام بالقانون الانساني الدولي !، لكن الرغبة  شيء والوقائع شيء اخر، لابد ان يسقط ضحايا في المعارك ! لكن كيف نستطيع تقليل هذه الخسائر ان لم نستطع تجنبها ؟ هنا يكون المكان الذي يجب ان نقف عنده !
معركة الرقة تحتاج الى قراء متأنية وشاملة في الصراع السوري الدائر، وتكتسب اهمية حيوية لموقعها الاستراتيجي، في استراتيجية  “تكالب” كل الاطراف بما فيها الترك والنظام والروس والايرانيون ! لان المشروع التركي كما اتضح كان يهدف للسيطرة على حلب مرورا بالرقة والموصل وانتهاء بكركوك ، بالإضافة الى موقع الرقة الحيوي لخط الامداد الايراني وصولا الى لبنان،  في حين يهدف الروس في دعم النظام لاستعادة الرقة ، الى توسيع منطقة نفوذه ! لكن ما جرى في حلب وما حصل في كركوك وما قامت به “قسد” مدعومة من قوات التحالف الدولي افشل كل تلك المخططات ، وجعلتها تذهب ادراج الرياح ! وهو ما دفع تركيا لقصف مناطق في روجافي كردستان بما فيها قره جوخ وعفرين وشنكال ، بهدف الضغط وتغيير مسار الاحداث ؟
هناك احتجاجات واسعة من البعض على ذهاب الكرد الى الرقة حتى من الكرد أنفسهم ! شخصيا ًليس لدي تحفظ على ذهاب “قسد” الى الرقة بل حتى الى ادلب او درعا أو أي مكان أخر من الاراضي السورية ، وهذا حق مشروع ، لأنها  قوات سورية ، ولا يقلل من الامر شيئاً ، حتى لو امتلكت مشروعاً قومياً يخصها ومطالب عادلة ، ما دام هذا المشروع يتأسس في اطار سورية ديمقراطية اتحادية تعددية .
لا ادري لماذا ترفض المعارضة السورية مشاركة الكرد في دحر الارهاب على الاراضي السورية ، مع أنها لا تمتلك  القدرة على خوض هذه المعارك  ! لا بل تتهم “قسد” بالإرهاب والانفصالية ، في الوقت الذي تؤكد فيه “قسد” على وحدة سوريا ارضا وشعبا ، وتتمسك “بأخوة الشعوب “،وترفع شعار “الأمة الديمقراطية”، الذي يقوم على تساوي حقوق الافراد والمكونات،  ويبتعد عن الدولة القوموية ؟!  اليست هذه الاطروحات تنسجم مع ما تدعو اليه اغلب فصائل  المعارضة من دولة مدنية ديمقراطية  ، ودولة المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن الجنس او العرق او الدين!. 
اعتقد بان الخط العام للمعارضة السورية فيما يتعلق بالحقوق الكردية خاطئ وشوفيني منذ زمن بعيد ، وما التهويش والتهويل من الخطر الانفصالي الكردي ، الا ادعاء واكذوبة  لا اساس لها ! 
المظلومية السنية بدأت مع سقوط صدام حسين في العراق ، لان السنة يعتبرون من حقهم المطلق حكم العراق ، والان في سوريا تتجذر المظلومية السنية التي ترى من حقها ايضاً ان تحكم  سوريا بعد اسقاط النظام ،لذلك بتنا نسمع حديثا ملفقاً عن الخطر الكردي الانفصالي، وما مذكرة هيثم المالح رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف السوري المعارض الى الامم المتحدة ، بوضع PYD  على قوائم الارهاب ، إلا تزوير للوقائع ومحاولة لاسترداد أحقية المكون العربي السني في استلام السلطة ! المالح يرى في الكرد منافسا حقيقياً، بعد ان استطاعوا بناء قوتهم وقدموا التضحيات  في مواجهة الارهاب وبالتالي الخوف من الموقع الذي يمكن ان يحتله الكرد في سوريا المستقبل هو ما يدفع امثال المالح الى تلفيق هذه الاتهامات وتخوين الكرد !.
تبحث السياسة عن الحقائق التي يجب ان تقال حتى لو كانت خطرة ، لذلك فان جوهر الخطأ عند PYD يكمن في عدم تمكنه من اقناع الاخرين -واقصد العرب السنة – بمشروعه الوطني السوري لان براغماتيته  لا تخلق الثقة لدى الاخرين ،لا بل تثير فيهم في بعض الاحيان الخوف والريبة ! وهو ما قد يخلق حساسية حقيقية لدى بعض العرب السنة الذين سيتشارك واياهم  العيش في سورية الجديدة 
اخيراً يجب على المعارضة السورية ان تتعامل بإيجابية مع ما يجري في شمال سوريا – وروجافي كردستان –والرقة  رغم كل الملاحظات ! وان تتفهم اسبابها وتستفيد من نتائجها وتداعياتها ،التي ستكون حتما في مصلحة الشعب والوطن السوري فإنكار الوقائع لم يعد مفيداً ومجدياَ ! .
___________________
نشرت في صحيفة بوير برس العدد (66) 15-8-2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…