ابراهيم محمود
من المفارقات الكبرى التي يسهل النظر فيها- هنا – في الإقليم، ذلك التضاد الكبير بين التوجه الكُردي القومي نحو الاستقلال، وبناء دولة كردية مشروعة، وسعي نسبة فاعلة من المتحكمين بالمفاصل الاقتصادية إلى انتهاز فرصتهم، بالبحث عن سبل الإيحاء إلى الناس، أن الوضع ليس كذلك، إنما سوف يكون هناك حصار اقتصادي على الإقليم وما شابه، ومنذ بداية إقرار لحظة الاستفتاء، وكأني بهم يقولون: احذروا من الاستفتاء وعواقبه، ومنها، أن ظهور دولة كردية مستقلة لن يكون في مصلحتكم، من خلال تداعيات سلبية، وتفاقم أزمات.. وها هم ينفّذون وعودهم، وإخافة الناس لأن يبادروا إلى شراء كميات كبيرة من المؤن. فالبيض والزيت والسكر وغير ذلك من المواد ارتفعت أسعارها كما تلمستُها هنا في دهوك.
فيا لبئس هؤلاء الذين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الوعي القومي الكوردي بفعلتهم هذه، حيث لا يخفى أنهم انتظروا وضعاً كهذا، ليوسّعوا جيوبهم، ويزيدوا رصيدهم.
من أساسيات بناء المجتمعات الوطنية والتي تتجه نحو التكامل والاستفلال، وجود فئة تمتلك قدرات اقتصادية مادية ومعنوية ومنها رساميل مؤثرة في مسيرة هذا المجتمع، وحرصها عليه، حيث إنها تستطيع ضبط الحراك الاقتصادي وتسيير أمور الناس المعيشية وتجنيبهم الخوف من أي تهديد جانبي،ولزمن قد يستمر طويلاً، حيث يُسدُّ الطريق في وجه دعايات مضادة وشائعات تمارس بلبلة الوضع، ولا شيء يتهدد الناس في أمنهم وأمانهم مثل العامل الاقتصادي.
وفي الحالة هذه، لا يُخفى أن هؤلاء الذين يتحكمون بهذه المفاصل الاقتصادية ليسوا أناساً ” عاديين ” وأن لديهم أساليبهم في التمويه والتنويه إلى أن الجاري لا يد لهم فيه، سوى أن يدهم طليقة في تخزين كميات كبيرة من السلع، وانتظار الفرصة المناسبة، وهم يمتلكون- بالمقابل- تلك الطرق التي يؤمّنون فيها على رؤوس أموالهم ” تهريبها إلى الخارج “، في التعاملات المصرفية أو البنكية الأجنبية، وعلى أنفسهم مسبقاً وعائلاتهم، ليبقى الناس الذين يكتوون بنار ” الأزمة المالية ” منذ عدة سنوات في مواجهة ما هم عاجزون عن مواجهته، حيث الأنظار تتجه إلى اليوم الموعود.
هذا يدفع بالمتابع لما يجري إلى تقييم نسبة معلومة من الذين يمارسون دعاية للاستفتاء، وهم في مراكز القرار، ويظهِرون بلاغتهم القومية الكوردوارية، بينما في الجانب الآخر لا يدخرون جهداً في إصدار التعليمات إلى المؤتمرين بأمرهم في المجتمع وسماسرتهم ومديري أعمالهم هنا وهناك، إلى لزوم القيام بمهامهم كما هو مطلوب منهم، دون نسيان دفع علاوات أو مكافآت لمن يحقق نسبة ” أرباح ” أكثر.
هنا، في وسع المتابع السياسي ” المغلوب على أمره “، أن يتحرى الصفة الأخلاقية لهؤلاء الذين يبثون ” عسسهم: سخرتهم: مأموريهم، في مختلف جنبات المجتمع، ومعرفة ما يمكن القيام به لزيادة رساميلهم، أي ما يزيد في ثرائهم الفاحش.
وبالتالي لتكون تسمية ” الرأسمالية الطفيلية/ المشعوذة/ المأجورة “، هي أفضل تسمية تعرّف بهؤلاء الذين كان يتوجب عليهم أن يضبطوا الاقتصاد، ويطمئنوا الناس ” كردهم ” أن لا داعي للخوف، ليتحمس للناس بالتالي لجعل يوم الاستفتاء يوماً وطنياً وقومياً وحدثاً تاريخياً يحتفى، إن استشعر المعنيون بذلك ما هو وطني وقومي كردي بالتأكيد، وحتى يترحم عليهم التاريخ لاحقاً.
هذا التعاكس بين المزيد من الدعاية المطلوبة للاستفتاء، والمزيد من تفعيل الإحباط والخوف في نفوس العامة، يترجم نوعية القيمين على المجتمع، وما يمكن أن يحدث قبل حدوثه، وأين يكون العدو الفعلي وصفته، ونوع عدائه، ولغته بالمقابل .
بالطريقة هذه، يقف المتابع لما يجري، وهو منزوع القوة وعجزه عن قف هذا الانحدار المريع، من قبل منزوعي النسَب الكردي الدقيق، يقف في حيرة من أمره، وهو يتأمل البيض الذي يكتسب صفة شعبية، ورمزاً شعبياً، وقد أصبح فاسداً، أو محولاً إلى طاولات المرّيشين والمتاجرين بالشعارات.
لكم يحتاج هؤلاء اليوم، قبل الغد، إلى ضربهم بالبيض الفاسد بسببهم، وتعريتهم، وهم يسهّلون دخول العدو إلى الداخل بتصرفاتهم المخزية، وهم ينتشون برؤية ملايينهم من الدولارات تلك التي لا صلة لها بالوطن، وهم الوطن، ولا بالكرد والكراديتي، ولا بالاستفتاء ودلالته ودولة الكرد المستقلة.
هل علينا أن نسمّي أعداء الكرد بأسمائهم ؟
دهوك، في 9-8/2017