يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
إستيقظت على ٱسمها ،ٱسم مسمى على ٱسمي بمعنى الحزين ،إضطهاد يمزقنا إلى شظايا كخبز قمح الأرض ،يلفنا سياج يفصلنا عن قرب النجاة ،جبالنا تسيل دمعا أبيض ،عصافيرنا تغرد ألما بحجم عمق الجراح.
دققت في صورتها جيدا ،تيقنت كما تيقن الكل أنها تشبهني ،شككت أنها توأم روحي لقانا القدر بعد أن كنا روحا واحدة ،لا أفهم لغتها الأم لكن أحس بكلماتها تحي شيئا في داخلي ،تتخللها كلمات عربية أستوعبها بإشمئزاز ،ما سر هذه الألفاظ الدخيلة ؟؟ ،سم عقيم دس في كأسنا الصافي ،تجرعنا مرارته بداعي القداسة و الشفاء.
طائرها الأبيض يرفرف بالقرب من علم تتوسطه شمس الحرية المشرقة على قمم كوردستان ،كلماتها شامخة كطول الجبال ،صوتها الحر يزعزع تلك الأركان الهشة التي تحجب نورها عن خليط أشعة الشمس.
إن ما يثيرني في المرأة الكوردية إلى حد الجنون هما أمران يجعلاني حائرا عاجزا أمام هذه الفطرة الربانية المحكمة الخلق و البنيان ،أرى المرأة الكوردية المثقفة أكثر تحضرا و غزارة معرفية ،و المرأة الكوردية البسيطة أكثر عمقا و إبداعا و نظرة في القضايا و المواضيع ،هنا أجد نفسي صامتا أمام هذه البساطة الراقية التي لا يضاهيها شيء في الوجود.
لقد لمست عقل أمي الحبيبة “لينا زينو” البسيط الوجود و المرموق الماهية ،فقط ألتزم الهدوء و أسمع ما ينقصني منها ،كيف لا أقف إحتراما لها و لعقلها الكوردي الذي عايش منذ الصغر و في أحضان أجدادها تاريخ كوردستان ،حتى اصبحوا مرجعا و متحفا لمن يبحث عن تاريخ “الملا مصطفى البارزاني” و قصائد و أشعار “جيكر خوين”…
لم أستغرب ولو برهة بوجود ٱسمها الشريف في مكتب الرئيس “مسعود البارزاني” ،رافضة كل شيء عاشقة للحرية و الكرامة ،للتو منها فهمت ماكان يقصد بالعبارة “وراء كل رجل عظيم ٱمرأة” لكن في نظري ليس أي إمرأة بل من يشبهها من النساء.
هذه المرأة ذات الروح الطاهرة المثابرة التي صنعت من نفسها قدوة للمرأة و صنعت جيلا من الشباب اليافع الحامل لفكر الوطن و الحرية و عزيمة البيشمركة الشرفاء ،لقد عشتها لحظة تلوى الأخرى و جالستها و كأني على طاولة “إيمانويل كانط” أناقشه كتاب “نقد العقل الخالص” ،أستمع إليها كيف تحلل و تفسر المواقف و الأفكار حتى أعجز عن السمع و أكتفي بالإحساس ،لأنه الأجدر بما يخرج من فم هذه الفلاحة العبقرية البسيطة ،ثم أهتف في سري “أي النساء هي أمامي!!”.
لقد كسرت هذه المرأة مرآتي عن كل النساء التاريخيات من قبل ،هناك “سالومي لو” و هناك “آنا دوستويفسكي” و هناك “سيمون ديبوڤوار” و هناك “مارغريث ريتشارد”….لكن هناك أيضا أمي ” لينا زينو”.
أستدرجها للحديث ثم أعود أدراجي للصمت ،لأستمع و أتذوق نغمات أفكارها الراقية المختلطة الجميلة بشكل منسق دقيق متجانس يجمع من كل فكر طرب بين أخلاقية “كانط” و مثالية “أفلاطون” و إحساس “لنغيستون هيوز” و جمالية “غوتا” و دقة “هيغل” و روعة “المتنبي” و جدلية “ابو العلاء المعري” و قوة “نتشه” و صلابة “هوتفون بيسمارك” و قومية “الملا مصطفى البارزاني” و حنكة “ميكياڤللي” و وفاء “ليلى قاسم”…
لقد إندهشت كثيرا من هذه المدرسة الإنسانية الراقية ،و بالله عليك يا أيها القارئ العزيز لو كنت تعلم من أحدثك عنها!!؟؟،و من أي طينة النساء هي!!؟؟
إنها الثورة بعينها التي وضعت كل شيء في مكانه المناسب وفق ما يراه منطقها و تجربتها و نظرتها على الواقع ،إنها الواقع الطموح الذي تجرع المرارة رافضا الخنوع ،إنها المرأة التي تسكنها مدينة “عفرين” بجمالها و ألآمها ،إنها المرأة التي رأيت في خصالها و أخلاقها و طباعها كوردستان بأكملها ،إنها الروح الكوردية التي أثلجت أفئدة النبلاء ،إنها الهرم الذي أسكت القاعة بمفكريها و شعرائها و كتابها و نقادها و حقوقييها بالرغم من بساطتها ،إنها القلب النابض الذي لا يعرف الحقد كما قال “محمود درويش” عن الكورد ،إنها القصيدة و البيت و الشطر و الراوي و القافية ،إنها المرأة و الأم و الأنثى و المدرسة و المجتمع ،إنها الأرض و الطبيعة و المطر و الندى ،إنها السماء بنجومها و شمسها و قمرها ،إنها العاصفة و الصاعقة و البرق و الرعد ،إنها المرأة الجميلة القوية النبيلة البيشمركية ،إنها الحنونة و المقاتلة الشرسة ،إنها الشرف و التواضع و الكرامة ،إنها القدوة و التاج الذي على رؤوسنا نحن الكورد و الأمازيغ.
نعم فقط هي أمي “لينا زينو”.