بقلم: يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
الموضوع متشعب جدا ولا يمكن الحسم فيه، بل كان من الإمكان أن يطرح كبحث ميداني إستنادا لبحث أنثروبولجي وسوسيوثقافي وسوسيولوجي وبسيكولوجي ….
اولا قبل كل شيء يجب التنويه بأن بلدان الشرق الأوسط هي من البلدان المستلبة فكريا بواسطة الثقافة العربية الخليجية إبان الغزو الإسلامي حيث وقعت على الثقافات الأم تغيرات جذرية بواسطة الإقصاء والإباذة والإنسلاخ الفكري، مما يثبت ذلك أن الشعب الكوردي لم يكن ذكوريا ولا كان يحتقر المرأة، بحيث كانت نصفه الثاني تشاركه في العمل وتدبير العيش وكانت تحارب جنبا إلى جنب معه في الحرب، ومازال ذلك إلى يومنا هذا، حيث كانت المرأة تمارس حياتها بكل شجاعة مادامت دمائها تذرف لوطنها، لم تكن للثقافة العربية التي تدعي بأن الرجال قوامون على النساء أي وجود في المجتمع الكوردي، وإعتبار المرأة عورة و إنسانة لها نقص عقلي وديني ونقص القدرة والذكاء …..
لكن بعد طمس الثقافة والأعراف والتقاليد الأم وفرض فكر عربي إسلامي ونهجه بالقوة والعنف والإبادة كان الشعب الكوردي يتحمل عبء الثقافة العربية الممنهجة من شبه الجزيرة العربية، مما ادى إلى قلب الموازين لصالح الرجل وفقدت المرأة وزنها وحريتها ووعيها وكرامتها وطموحها في كل شيء، وحتى جمالها بإعتباره فتنة للرجل والمجتمع، كما انها اصبحت عالة على المجتمع وقد ساهم الرجل في ذلك لأنه لم يحرك ساكنا من ذلك الظلم وهذا ما يمكن ان نفسره في النزعة نحو التملك والتسلط.
المجتمع الكوردي قبل الإستعمار العربي الذكوري هو مجتمع راق وديموقراطي واخلاقي ومتساوي وإنساني وعملي عندما كانت أروبا عينها تحتاج إلى جو ومناخ وحوافز لتشكيل مجتمع مثل مجتمع الكورد وهنا ندكر المرحلة الهلينية والهلينستية اليونانية والشرقية.
بعد هجرة الكورد أو الأصح إبادتهم، ورؤية الكورديات للمجتمع الغربي الذي عشنه في حقبة من الزمن قبل الإستعمار العربي، بدأ وعي باطني بالحياة من جديد وميلاد القيمة والحقيقة والوجود الذي فقدنه بعد الإستيلاب المدكور، اي بداية التحرر للمرأة ليس لأنها تسعى للحرية والتمرد بل لأن المرأة الكوردية بدأت تحي شخصيتها ووعيها الأم فيها الذي أفقده الزمن والسياسة والقمع قرون، ما يوضح أن الوعي ليس بالضرورة ما يعيشه المرء بل هناك ثقافة جمعية وتراكمات نفسية وتاريخية ووعي باطني لاوعي متوارث مند القدم.
إن المرأة الكوردية كانت تعيش بثقافة ليست ثقافتها، فعندما وجدت الذات ظروفا ملائمة تحررت تلك الذات المضطهدة والمستلبة والمنسلخة والمستعمرة بثقافات غاصبة.
مثلا إذا تمعنا في الناشطة الكوردية (أيسل حاجي) التي نعرفها جميعا بأنها مهاجرة كوردية حرة عملية إن لم اقل انها اروربية التفكير لكن كوردية الهوية والماهية؛ الشيء الذي يدل على ان الفكر الكوردي هو فكر أروبي قبل ان يتأسس المجتمع الأوروبي، وألمانيا المتحضرة التي تثني على الأكراد مند القدم خير دليل على ما اريد إيصاله.
ليس من المعقول تفسير تحرر المرأة الكوردية أمر لاأخلاقي وإنفصال عن الثقافة والتحرر اللاخلاقي ….. لأن الكورديات هن ضحية الثقافة العربية والثقافات الغاصبة والآن حان الوقت لينصفها القدر من جديد لتعانق نفسها وتصالح ذاتها من جديد، ونفس الشيء ينطبق على الرجل الكوردي الذي شرب من الثقافة العربية الذكورية ليتحول إلى عدو المرأة الكوردية اي لأمه وأخته وزوجته و بنته.
لن اسمح لأي كان حتى وان كان كورديا ان يحلل ثورة المرأة الكوردية بدافع قانوني وحقوقي أجنبي ومؤامرة، بل هي ثورة فطرية داخلية متشبعة من الثقافة الام للكورد وليس كما يفسره أعداء المرأة.
الآن جاء الوقت لتحرر المرأة الكوردية من كل القيود الذي تعتبرها عالة وعورة وناقصة لتبني إلى جنب الرجل دولة كوردستان غدا.
فعلى الكورد ان يفهموا بأن المسألة ليست اخلاقية بل هي إرساء الذات الاصلية من جديد، كما أحمل المسؤولية للمثقف والكاتب والسوسيولوجي والمؤرخ الكوردي للكتابة والتطرق لمثل هذه الإشكاليات التي بدوره يعطيها حلا منبثقا من الذات نفسها وكذا التماشي مع العراقل الإجتماعية وفق منهج صحيح وتفسير علمي، لأن المثقف الذكوري الكوردي يحلل وفق أزمة خانقة عربية التي بدورها هي الأخرى السبب في تلك المعضلة، إذ حق القول أننا نحلل المشكل بمشكل آخر وهكذا نسقط في اللاوعي واللاعقلانية وبالتالي نندرج في حيز العقل الجمعي للأنا الأعلى المتمثلة في الثقافة الغير البناءة العربية الذكورية …..
إن الإستيلاب الفكري هو من بين اخطر انواع الأسلحة الإستعمارية التي تعمل عليها كل الدول ذات المشروع الإمبريالي المتبني على الفكر القومي العرقي الديني.
كما اقصد بالقومية الإمبريالية هي بناء الوعي وزرعه في ذات لا يشبهها في شيء، كما هو الحال عند الأكراد والأمازيغ فكثيرا ما نسمع من الأمازيغكورد يقولون: نحن العرب ….!!!! ليس سوى أنهم ضحايا التعريب، وإدساس الثقافة العربية الممخزنة في الذات المستعمرة وطنيا وثقافيا …. وهنا يكمن سبب الإنشقاق والتفرقة والتيه الهوياتي ….
كما انوه للكورد جميعا بأن ينظروا إلى المرأة بأنها قضية لا فرق بينها وبين كوردستان، تحتاج هي الأخرى لمن يضحي عليها ويكتب لها وإليها من أجل الحرية والمساواة والقوامة ….
لتبقى المسألة مسألة عقلية، وفكرة في وسع الجميع فهمها وتفهمها إذا ما اعطينا لأنفسنا بعدا ثقافيا حرا وتاريخيا ونفسيا واجتماعيا وسياسيا….
مع تحياتي للشعب الكوردي.