عرب «هنادي» هيمو، من شمال أفريقيا ، ومَن جلبهم إلى سوريا : ابراهيم محمد علي باشا «الكردي»

 ابراهيم محمود 
قرية ” هيمو ” التي تبعد عن قامشلو قرابة ثلاثة كيلومترات، على طريق عامودا جهة الغرب، بجوارها: غرباً، تشكلت قرية ” هنادي ” الاستيطانية العربية منذ سبعينيات القرن الماضي وبإشراف من دولة البعث السوري، وفي خانة ” المغمورين “. قرية ” هنادي ” حيث تبرز لوحة تحمل هذا الاسم، في جوهرها ليست إلا مجموعة عديدة من قبيلة صغيرة، تعود أصولها السكنية إلى شمال أفريقيا، وأن أعداداً منها قدمت إلى سوريا مع جيش ” ابراهيم محمد علي باشا المصري: 1789-1848 “، والذي يزعم عن أنه كردي في أصوله، وهي مفارقة تاريخية كبيرة، حين يكون جالب عرب هنادي إلى سوريا، من يكون بالنسب هذا.
وفي متابعتي لأصول هذه القبيلة، وصلتها بالمكان، وأنا أتقصَّى جغرافية المكان وديموغرافيته، وموقع الكردي فيه، كان لكتاب الرحالة والصنَّافة و الآثاري  والسياسي والرحالة الألماني ” ماكس اوبنهايم 1860-1946 “، بالتشارك مع آخرين والمعنون بـ” البدو “، وهو في أربعة أجزاء مترجمة إلى العربية، وفي الجزء الأول ” البدو: ما بين النهرين: العراق الشمالي، وسورية “، ومن ترجمة: ميشيل كيلو- محمود كبيبو، وتحقيق وتقديم: ماجد شبّر، دار الوراق، لندن، ط2، 2007 “، فائدة كبيرة، في تسليط الأضواء على خطوط  تحركات هذه القبيلة وتوزع أفرادها وانخراطهم في أعمال مختلفة تتجاوب مع مصالحهم الشخصية، وليس مع ما يزعَم أنها ” العلامة القومية الفارقة “، ويهمني إيراد ما جاء على ذكره، وبين صفحتي ” 431- 433 “،  حيث يبرز العنوان ” هنادي ” في أعلى الصفحة، من الطبعة المذكورة :
( قدِم الهنادي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر من شمالي أفريقيا إلى سورية، وهم قبيلة صغيرة، توطنت بين حلب والفرات. يسكن قسم آخر منها في فلسطين، تعيش قبيلتها الأم في مصر إلى اليوم، وترجع نسبها عبر تسميتها إلى هند بنت سلام إلى الذيب وسعده، الأبوين الأولين لمجموعتي البدو المصريتين الكبيرتين: سعادي وسلالمة. حافظ هنادي سورية  أيضاً على شجرة نسبهم هذه، كما تبيّن صيحة الحرب لديهم: أخوة سعدهْ… وثمة تشكيك في النسب، إذ ربما تكون أصولهما بربرية: أي سلالمة وسعادي.
ليس في حوزتنا أية معلومات حول تاريخ الهنادي الأقدم، وإن كنا نعلم أنهم سكنوا في منتصف القرن الثامن عشر مقاطعة البحيرة المصرية من أعمال الدلتا الغربية، وطردهم أولاد علي، فانتشروا من هناك بمحاذاة مجرى النيل إلى بني سويف وجرجه، حيث تحولوا إلى الاستقرار بعد أن حطَّم محمد علي سطوتهم… هاجر هنادي، منذ بداية القرن التاسع عشر، فرادى إلى فلسطين وسورية، ثم رافقت أعداد كبيرة منهم الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا الذي احتل سورية عام 1832 م. رابط قسم من قوات القبيلة قرب غزة في فلسطين، كما تبعهم فيما بعد الشيخ عقيلة آغا إلى الجليل، بينما وطن ابراهيم باشا قسماً آخر منهم بين حلب وبحيرة الملح في الجبول ، سعياً منه لإقامة حاجز يصد عنه غارات البدو. هؤلاء الهنادي استخدموا فيما بعد ضد الأتراك، وقادهم شيخهم حجي بطران بعد معركة نزب ” 24 حزيران 1839 م ” إلى سورك ورأس العين، لكن شمر ردتهم على أعقابه. بقي الهنادي في سورية، عندما غادرها الجيش المصري في السنوات التالية. وقد أدخلتهم الحكومة التركية في خدمتها، واستخدمتهم كشرطة ضد البدو، لكنهم عجزوا عن حماية الفلاحين منهم إلا في حالات نادرة ” وبعد مستجدات “، واصل الهنادي فيما بعد التطوع في الجيش والدرك التركيين. فكان الشيخ حسا آغا الذي قابله زاخاو عام 1880 برتبة مقدم في الجيش، وكان أخوه أحمد بك ملازماً في الدرك .
يسكن الهنادي الآن شمال الجبول ” شرق الباب “، يعملون في الزراعة وتربية المواشي واستخراج الملح…قدمت أسر عديدة في التسعينات من القرن التاسع عشر من مصر إلى سورية، وسكنت قرب حماة، حيث انضم إليها مهاجرون من طرابلس، قدموا إلى هناك بعد الحرب التركية- الإيطالية .).
في النص ” الاوبنهايمي، إن جاز التعبير، ثمة تساؤلات تُطرَح وهي على تماس مباشر بقائمة المتحولات التي طرأت علي المنطقة: حقل البحث هنا، وتحت يافطة الشعارات القوموية العربية، وفي الواجهة: كيف يمكن الربط بين ” هنادي ” اللوحة المعدنية التي تنتصب على قارعة الطريق، كما لو أنها حقيقة مكانية، والأصل المشكوك فيه، عدا عن كون الأصول ترتد إلى شمال أفريقيا،  وأكثر من ذلك إلى امرأة هي الأخرى غير متيقَّن من حقيقتها ؟
ما الذي يمكن قوله عن الانتشار ” الهنادوي ” في جهات مختلفة، خارج البحث عن مغانم عن طريق الحرب وفي ظل الآخرين، دون السؤال عن البعد القيمي لعملية الانضواء ؟
أي لصوصية مموَّهة، ومستفزَّة، هذه التي تتوارى وراء أكثر من قناع: مع أي جهة، شريطة أن يقدَّم لها ما تعتبره هذه القبيلة الصغيرة الضئيلة الشأن في السلَّم القيمي العشائري العربي، أكثر من كونها لصوصية تتقدمها وتعرّف بها في عملية التبعية بالمقابل ؟
أي نوع من الشرف ” القومي ” أو أصالة النسَب، أو شرف الاعتداد المطلوب بالذات، لجماعة مستعدة للحاق بأي قوة تجد فيها بغيتها ولو على حساب الحد الأدنى من تمايزها ؟
كيف يمكن تقدير المسافة الجغرافية بين كرد يتحركون في نطاقهم الجغرافي ويقال على مستوى النظام عن أنهم قدِموا من ” الشمال “، ومن جاؤوا من وراء آلاف الأميال ليتم تطويبهم أهل المكان، والمعنيين به ؟
أي كوميديا تاريخية سوداء في الجاب الآخر، مع ابراهيم محمد علي باشا الدياربكرلي الأصل حين يأتي بفلول من هؤلاء الهناديين ” ، ويستبقيهم في البلاد، ليصبحوا عالة عليها وعلى العباد، وفي المقام الأول ” الأكراد ” ؟
الإمَّعية كلقب لافت، جهة الانتقال من مكان إلى آخر، والدخول في طاعة أي سلطة، ولو ضد بني ” جلدتها ” من العرب الآخرين: مع ابراهيم باشا ضد الأتراك، ومع الأتراك ضد البدو وها هم أفرادها مع  نظام يحتويهم، ليكونوا حتى ضد ” عرب ” المنطقة، والكرد في المتن؟!
وبصدد الشرف، بالمعنى الواسع للكلمة: لم نسمع ” لم أسمع أنا “، بأي مجابهة ضد الطغيان التركي من قبل أي جهة/ جماعة، فئة عربية بقيت ضمن حدود الدولة التركية سياسياً، ومنذ أكثر من مائة عام ” قرن كامل “، تأكيداً على وعي بالمغايرة خلاف الكرد الذين لم يتوقفوا عن عملية المجابهة هذه، بغض النظر عن أسلوب التحدي، أو النتائج، حيث التمايز الذاتي ملموس.
مَن في وسعه الكشف عن اللصوصية الرحالة هذه، وخاصية الشرف المرافقة لها ؟
 

دهوك، في 13-2/2017

م1: الخطوط الموضوعة أسفل الكلمات من قبَلي نظراً لأهميتها، وللتدقيق فيها.
م2:لا أخفي أن الوارد عبارة عن مقطع صغير، من كتاب أعمل على إنجازه يخص  منطقة ” الجزيرة ” كما هو الاسم المتداول عندنا، لطبعه لاحقاً، وذلك، بتعقّب كتابات رحالات لهم صلة بالمنطقة المذكورة، حيث إن حساسية الموضوع تتطلب المزيد من التروّي والتوثيق، بعيداً عن أي فورة عاطفية، أو تعابير شعبوية للاستهلاك المحلي، وتسيء إلى مفهوم التاريخ نفسه، كما هو حال الكثير من كّتابنا الكرد ذوي الأفق الضيق، أو الضحالة في وعي الوثيقة .
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…