جان كورد
من شعارات الحركة التحريرية الكوردية الشهيرة في تاريخها: (كوردستان يان نه مان: كوردستان أو الموت) وكذلك (تشته ك ﮊ سه رخوبونى به روومه تر نينه: لا شيء أشرف من الاستقلال)، وهذان الشعاران طبعا أفئدة وعقول أجيالٍ من مناضلي هذه الحركة عبر عقودٍ طويلة من كفاح الأمة الكوردية، الذين لم يتراجعوا لحظة عن الهتاف بحرية واستقلال أمتهم وهم يصعدون المشانق أو يلفظون أنفاسهم الأخيرة في عزةٍ لا مثيل لها، في سائر أنحاء وطنهم الممزّق.
سجلت الحركة السياسية الكوردية تراجعات على الطريق صوب الاستقلال والحرية، إلاّ أن الأمة الكوردية لم ولن تتخلى عن هدفها في وحدة أرضها وانتزاع حريتها أبداً، وهي على الوعد الذي صاغه رئيسها الشهيد القاضي محمد وهو ينشد شعرا ما مضمونه: “اثنان زائد اثنان أربعة، وأشجار مع أشجار غابة، إلاّ أنهم إذا قطّعوا جسدي إرباً إربا أو أعدموني، فإن إيماني لا يتزعزع في أن كوردستان واحدة وليس أربعة.”
وها هو العلم الذي رفعه هذا الرئيس المؤمن فوق بناء حكومة كوردستان في مهاباد 1946، يرتفع ولو لأيامٍ قلائل في إستانبول، المدينة التي أعلن فيها لأول مرة عن هذا الرمز الوطني الهام، عن علم كوردستان قبل تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923 بسنوات. وهذا يعني أن مسيرة الأجداد والآباء لم تزل هي ذاتها، بل هي المسيرة الوحيدة التي ستقود الأمة الكوردية صوب الحرية والاستقلال، وإن أي استهانة برفع العلم الكوردستاني في مدينة عظيمة الشأن بشكلٍ رسمي إنما هو استهانة بكفاح تلك الأجيال التي ضحت بدمائها وبما تملكه عبر تاريخنا الحديث المليء بالآلام والنكبات والدموع. وإذا كان البعض لا يسمح بأن يتم الاستهتار برموزه فليحترم حاملي هذا العلم، هذا الرمز الذي تتفق عليه غالبية الأمة الكوردية ولا يشذ عن القاعدة إلا الشواذ دائماً.
هذا العصر هو عصر الأرقام وتسجيل الوقائع، ولذا فقد أجرينا استطلاعاً متواضعاً، في العام الماضي، طرحنا فيه هذا السؤال “هل أنتَ/ أنتِ مع استقلال كوردستان؟ أم لا؟” على صفحات موقعنا الانترنتي (أخبار الكورد)، فأجاب 159 شخصاً كوردياً من شرائح ومستويات ثقافية وانتماءات سياسية مختلفة: فكان جواب 158 منهم (نعم) وواحد منهم فقط رفض الإجابة عن السؤال بنعم أو لا، بذريعة أن السؤال غبي، ولدى نظرنا في موقعه الإنترنتي وجدناه من الفئة التي ترفض أن يكون للشعب الكوردي أي كيان، وفي أي مستوىً كان. وحسب معلوماتنا فإن ما يزيد عن ال67% أو 68% من شعبنا الكوردي في جنوب كوردستان، بغض النظر عن سياسات الأحزاب المتعارضة، مع الاستقلال، والقادة الكوردستانيون في الإقليم واثقون من أن شعبهم لن يخذلهم، فيما إذا طرحوا عليه ذات السؤال الذي ذكرناه هنا.
استراتيجية الاستقلال الكوردي كانت محرّك الثورات التحررية المتتالية التي شهدتها الأعوام المائة الماضية من كفاح أمتنا المضطهدة الممزقة الأوصال، وحتى الثورات التي كانت تطالب بحكمٍ ذاتي داخل الدول المقتسمة لكوردستان، فإنها كانت تضم في صفوف قادتها الكبار من هو مستعدٍ للتضحية بنفسه وبكل ما يملك وبعائلته وعشيرته وآلاف مقاتليه من أجل وحدة كوردستان وتحرير الكورد. وعلى الرغم من محاولات التشويه والاقصاء والتعتيم الإعلامي على القضية الكوردية، تلك التي رافقت ارتكاب المجازر المتعاقبة بحق شعبنا، فإن العالم بدأ يشعر بأن عدم حصول الكورد على استقلالهم عنصر لعدم الاستقرار في المنطقة، وأن المستعمرين القدامى قد أخطأوا بحق الأمة الكوردية التي أثبتت للجميع بأنها رأس الحربة في أيدي الإنسانية ضد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يعني أن الظروف الدولية والإقليمية، وبخاصة منذ اسقاط نظام صدام حسين وحدوث الثورة الشعبية المجيدة في سوريا مساعدة لقيام دولة كوردية مستقلة، ربما لن تشمل في المرحلة الأولى كل أرض كوردستان، إلا أن الجهود مستمرة لنيل الاستقلال التام لكل الأرض التي تعيش عليها غالبية كوردية منذ قرونٍ طويلة. وها هما دولتان عظيمتان في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تؤكدان على دعمهما لكفاح الأمة الكوردية على طريق الحرية، كما رأينا معظم دول العالم الحر الديموقراطي تدعم الرئيس البارزاني وقيادة إقليم جنوب كوردستان في سعيها من أجل دحر الإرهاب وردم جحوره على أطراف كوردستان. وها هما تركيا وإيران تتسابقان لكسب ود هذه القيادة التي تتمتع باحترام الرأي العام العالمي وسائر محبي السلام والحرية وكل الذين يرفضون الإرهاب جملةً وتفصيلا.
إعلان الاستقلال يحتاج إضافة إلى الدعم الدبلوماسي العالمي إلى بنية اقتصادية قادرة على الوقوف على قدميها بثبات، وإلى تضامن داخلي فعال ومنتج لمختلف قوى الأمة، وكذلك إلى جيشٍ فتي قادرٍ على حماية ممتلكات الأمة وحدودها.
إن الهجوم الإرهابي على مدينة (كوباني) في غرب كوردستان كان بهدف السيطرة على مدينة تشكل نقطة احتكاك مع دولةٍ في حلف النيتو، وهي تركيا، وذلك لتأمين الاتصال والتعامل مع العالم الخارجي من خلال تلك البوابة، في حين كان الهجوم على (سنجار) في جنوب كوردستان، تكملة للسيطرة على كركوك، ومقدمةً للهجوم على مركز الحكم والإدارة في إقليم كوردستان، ولولا قدرة الدفاعات الكوردية على قهر العدو واحباط المؤامرة وتحرير المستولى عليه، لما قدّم العالم الخارجي الدعم والمساندة للكورد، وبإفشال مخطط ضرب كوردستان وشعبها من نقطتي الموصل في العراق والرقة في سوريا، وإجهاض محاولة الاستيلاء على سنجار وكوباني، تبيّن للدول الإقليمية والدولية أن الكورد قادرون على بناء جيشهم الذي يحمي اقتصادهم ومدنهم وطرقهم ومطاراتهم وقبل كل شيء شعبهم، إذ بدون وجود قوة قتالية كافية لا تستطيع حماية اقتصادك. وطالما الكورد في وضعٍ مختلفٍ كلياً عما كانوا عليه قبل الآن، فالاستمرار في تنفيذ استراتيجية الاستقلال الكوردي، ولو جزئياً وعلى مراحل، واجب مفروض على القوى المؤمنة بحق هذه الأمة في الاستقلال، وطالما لدينا قيادات تؤمن بهذا الحق، فإن على كافة قوى شعبنا الالتفاف حول هذه القيادات والضغط عليها لتتفاعل وتتضامن بشكل أفضل، ولتسير وفق خططٍ مدروسة من قبل خبراء السياسة والقانون الدولي والعلاقات الاقتصادية والشؤون العسكرية، لا يشترط أن تكون معروضة كلها للعلن، وإنما من الضروري وضع المناهج التعليمية والتربوية وفقها في كل أنحاء كوردستان، وعلى المثقفين أداء واجبهم في هذا المجال، وكلنا ثقة بأنهم ظهير قوي للسياسيين الكوردستانيين، والنقد الذي يمارسونه على القيادات ليس إلا من أجل التحسين في الأداء وعدم التردد في اتخاذ القرارات الصائبة.
استراتيجية الاستقلال الكوردي المعتمدة على ملاءمة الظروف الدولية والإقليمية، وتوافر القوة الدفاعية الذاتية، وتنامي الاقتصاد الوطني والإنتاج المتنوع، لم تكن خاطئة او خائبة، إلا أنها تحتاج باستمرار إلى صياغات جديدة على أساس المتغيرات السريعة على صعيد السياسات الداخلية والإقليمية والدولية.
إن قطار الأمة الكوردية يسير بهديرٍ قوي على سكته الصحيحة اليوم، في ظل قيادة الأخ مسعود البارزاني الحكيمة، والخاسرون هم الذين يقفزون من نوافذه دون سببٍ مقنعٍ لخوفهم الذريع وانتكاسهم حين يحتاج لهم شعبهم.
27 شباط، 2017