أحــــــــمد قاســـــــــم
كان الإحتقان قد وصل إلى ذروته لدى الشعب السوري قبيل ” إندلاع الثورة “. حيث أن العديد من المحاولات من جانب المعارضة ( إعلان دمشق ) التي كانت تهدف إلى إيصال رسائل واضحة إلى النظام, تعبر عن السخط الجماهيري لممارسات النظام تجاهها. إلا أن النظام وفي كل محاولة كان له الرد السلبي والقمعي لتلك المحاولات, يعبر بوضوح على أنه لايمكن أن يخضع للضغط الجماهيري من أجل التغيير نحو الديمقراطية. وكان الكورد وحركته السياسية في المقدمة عند تلك المحاولات, نتيجة لمعاناته الشديدة من إستمرارية سياسة التطهير العرقي التي إتبعها النظام تجاه الوجود الكوردي, وتنفيذ سياسات ومشاريع عنصرية تهدف إلى تهجير الكورد من مناطقه التاريخية.
ومع رفض النظام لمطاليب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية, كان النظام يفتح قنوات إتصال مع العديد من الجهات المنظمة التي تعد من المعارضة للنظام بعيداً عن الرموز والنخبة الديمقراطية في البلاد مع منعه بكل الوسائل أن تلتئم وتجتمع النخبة الديمقراطية في إطار تنظيمي وتشكيل جسم معارض للنظام على أن يكون البديل عند اللحظة التي تأتيه الفرصة.. يقيناً منه, أن تشكيل تنظيم بهذا المعنى سيكتسب الدعم والمساندة من الجماهير السورية ومكوناتها المختلفة, وكذلك من القوى الديمقراطية في العالم, وبالتالي ستتغير الظروف لصالحه قد يطيح بالنظام من دون مقاومة.
واستناداً إلى هذه الرؤية الإستراتيجية, كان يتحرك النظام على إتجاهين.. الأول, منع النخبة الديمقراطية لتنظيم نفسها كمنظمة سياسية.. والثاني, فتح قنوات الإتصال مع ممثلي مكونات الشعب السوري وممارسة سياسة المراوغة من خلال الظهور على أنه في حالة دراسة وضع المكونات لتحسين أوضاعهم وفقاً لخصوصياتهم العرقية والمذهبية من جهة, ومن جهة تحذيرهم من مغبة فتح أية علاقات مع المعارضة الإسلامية المتصاعدة مؤخراً..
وبالتوازي, فتح فنوات مع الإخوان المسلمين وإعطائه وعوداً على مشاركته في الحكم. هذا ما حصل عام2006 على خلفية تشكيل جبهة الإنقاذ بقيادة عبدالحليم خدام ( المنشق حديثاً عن النظام على خلفية إغتيال رفيق الحريري ).
ومع إندلاع ” الثورة السورية ” كثف النظام أنشطته على جميع الصعد السياسية والعسكرية والأمنية. سياسياً, أعلن النفير العام على مستوى الوطن وتحريك كافة أجنداته السياسية والإستخباراتية لعزل الجماهير المنتفضة من القيادات السياسية المنظمة, وخاصة عن من يمثلون ( أطراف إعلان دمشق ) بالتهديد والوعيد. مع تنشيط إتصالاته مع حزب الإخوان المسلمين, وترك شبيحته بين الجماهير للعبث بأمن المواطنين على أنهم إرهابيون أتوا من كافة أصقاع العالم ” كما أشار إليه بشار الأسد في كلمته في 30 آذار 2011 أي بعد إندلاع الثورة بخمسة عشر يوماً. وكذلك تم الإفراج عن المجرمين من السجون بقرار عفو عام لينتشروا في البلاد والإساءة إلى الثورة, مع فتح المجال لدخول طلائع المنظمات الإرهابية ومواجهة المنتفضين من جهة, ومن جهة الإظهار بأنها جاءت نصرة للثورة لطالما أن النظام يقمع الثورة السلمية منذ البداية.. بهذه الصورة الإزدواجية تم خداع الجماهير وتوجيهها نحو المنزلق الذي تم رسمه بدقة متناهية.. وبهذه الصورة, تم تشتيت القوى الأصيلة والديمقراطية لتسيطر على الساحة قوى إسلاموية متطرفة تتصارع فيما بينها على المكتسبات والإرتزاق من الدعم الخارجي الذي أخطأ الهدف من كان يقدم ذلك الدعم بشكل عشوائي.
وهكذا دخلت سوريا في نفق مظلم.. بين التنظيمات الإرهابية والمجموعات الإسلاموية, وسياسة إخوان المسلمين الإنتهازية, إلى لعبة النظام مع العديد من الفئات الإنتهازية والمرتزقة, وكذلك دخول حزب الله على الخط والميليشيات الإيرانية والشيعية العراقية, ووقوف روسيا داعمة للنظام بكل إمكانياتها مع تردد المجتمع الدولي, وكذلك الدول الداعمة للثورة السورية في مواقفها تجاه الثورة بعد أن طغت المشهد الإرهابي على الصراع في سوريا, وتحويل الثورة من ثورة الحرية والكرامة إلى أزمة سياسية وأمنية باتت تهدد كامل المنطقة, وخاصة بعد ظهور ( تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ) . إضافة إلى ذلك, لعبت الدول الإقليمية دوراً أشد سوءاً من خلال معاملاتها مع المعارضة السياسية والعسكرية, من خلال إشتراطاتها على الدعم مقابل الولاء لسياساتها.. وهكذا خرجت الثورة من أيدي السوريين, وبالتالي, أضحت الأزمة على أن تكون بإرادة دولية وإقليمية, والثمن هو دماء الشعب السوري.. ولهذه الأسباب, فقد الشعب آماله وحلمه في دولة تسودها العدالة والحرية والإستقرار والأمان, بعد أن راح ضحية هذه الثورة مئات الآلاف من الشهداء وتدمير البلد مع تهجير نصف السكان إلى خارج البلد.
ومع كل المحاولات الفاشلة للمجتمع الدولي من خلال طرح مشاريع للحل, ولقاءاته المتعددة في جنيف من دون نتائج, أعتقد أن الشعب السوري بحاجة إلى إنتاج جديد لثورة جديدة بعيدة كل البعد عن كل ما ذكرته, بإرادة سوريا صرفة, بعد أن تجتمع النخبة من الشتاة وتتحمل مسؤولياتها تجاه شعبها وبلدها.. في المقام الأول أن تضع الإرهاب في حسبانها, والإبتعاد عنها ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة.. ولتدرك, بأن الإرهاب والنظام الإستبدادي هما وجهان لعملة واحدة.
17/3/2017