أجرت صحيفة (بويربريس)، حواراً مع الرفيق عبد الحميد درويش (سكرتير حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، ونشرته في عددها (56) بتاريخ (1/1/2017)، وقد أثار حواره هذا موجة من التعليقات والشتائم من جانب بعض الأوساط المضللة تجمعها في العمق جذرٌ واحد وهو التشويش على القضايا الجوهرية التي تهم شعبنا الكردي في سوريا، وتحرضها في الكواليس جهة بعينها أخذت منذ عقود على عاتقها مهمة محاربة كل ما يصدر عن عبد الحميد درويش وحزبه بغض النظر عن مضمونه، فقد شغلت تلك الجهات أبواقها التضليلية حتى قبل نشر النص الكامل من هذا اللقاء بأربعة وعشرين ساعة، لا بل حتى إن الكثيرين من هذه الجوقة لم يقرأوا المقال الذي أخرت الجريدة نشره – ولغاية في نفس القائمين عليها- واكتفت مع الأسف بنشر بعض المقتطفات المجتزأة فقط من متنه بشكل لا يليق بمهنة الصحافة التي يجب على العاملين فيها احترامها قبل غيرهم،
وقد تركزت محور الحملة على قول الرفيق حميد بأن بشار الأسد مازال رئيساً للجمهورية، وبأنه إذا كتب له رسالة سيخاطبه بالسيد رئيس الجمهورية وسيطالبه فيها بأن لا يستغل فشل المعارضة أو ضعفها وإنّما الاستجابة لمطالب الشعب السوري ولمطالب الكرد، وقد أهملنا هذه الحملة بمجملها وترفعنا عن الرد عليها، لسوقيتها ولأن الحقائق والمواقف التي طرحها بشكل واضح وصريح في لقائه الشامل تكذب هذه الحملة المنظمة ضد حزبنا وسكرتيره، كما أن الوقائع الميدانية وتطورات الأحداث اليومية بنفسها تؤكد واقعية ما طرحه، وتكشف عن زيف شعارات المضللين والمشوشين.
الحقيقة ما دفعنا لكتابة هذا التوضيح هو المقال الذي نشره السيد ابراهيم محمود في الموقع الإلكتروني (ولاتي مة)، بعنوان (الأخطاء القاتلة للأستاذ حميد حاج درويش)، والذي يعلق فيه على الحديث التلفزيوني لسكرتير الحزب على قناة (روداو)، بتاريخ (3/1/2017)، ويبدو أنه قد أغاظه كثيراً قول الأستاذ حميد بـ(أننا ننتمي إلى مدرسة نورالدين زازا، مدرسة الشجعان)، وبـ(أننا قد أخطأنا.. ولكننا لم نندم):
طبعاً لسنا فلاسفة كالأستاذ إبراهيم محمود لنغوص في عوالم (الجنس في القرآن)، كما لسنا بليغين مثله لنخوض معركة التلاعب بمفردات العربية والضياع بين دهاليز المصطلحات التي لا يبغي من ورائها سوى إغراق القارئ الكردي في بحور أشعار عنترة وعروض الفراهيدي ليس إلاّ!! ولذلك لن نناقشه في هذا المجال الذي اكتسب فيه مهارات بهلوانية، وإنما سنقف عند المنزلق السياسي الذي لا يجيد الخوض فيه سوى كيل الاتهامات بحق المناضلين وتخوينهم بالجملة انطلاقا من العقدة النفسية التي يختزنها منذ بدايات تجربته السياسية الفاشلة التي خاضها أيام كان طالباً كوسموبوليتياً، إلى حين كتابته لـ(صورة الأكراد عربياً بعد حرب الخليج)، ليدخل عبرها إلى الوسط الكردي الذي كان قد اعتزله حتى تلك اللحظة، ويقوم بتفريغ عقدته تلك دفعة واحدة في كتابه (نقد الذات الكردية)، بدلاً عن نقد ذاته المريضة، ويصب فيه جام حقده – يميناً وشمالاً- على كل مبدع في هذا الوسط من دون استثناء.
نعم لقد أخطأنا.. ولم نندم أن نقول ذلك، فالخطأ –وبحسب فهمنا المتواضع باللغة العربية- هو سوء تقدير لموقف ما بسبب المبالغة في تقييم ظروف المرحلة التي اتخذ فيها هذا القرار، وقد وقعنا في هذا الخطأ عندما صدقنا أصحاب الشعارات بأن بشار الأسد ونظامه آيل إلى السقوط خلال أقل من ستة أشهر، وها قد مر أكثر من ست سنوات ولا يزال المجتمع الدولي يتعامل معه رئيساً للجمهورية محاولاً إقناعه بالسماح لممثليه الجلوس مع المعارضة السورية التي أثبتت فشلها الذريع في تمثيل إرادة الشعب السوري خلال كل هذه السنوات التي شهدت حرباً مجنونة أججها تجار الحرب هنا وأمرائها هناك، هذه الحرب التي لم توزع على السوريين الورود بكل تأكيد وإنما المزيد من القتل والتشريد والتهجير والتدمير ومن دون رحمة.
أما الندم فهو أن يقرر المرء عمداً وعن سبق إصرار موقفاً أو جرماً يعتقد بأنه سينطلي على الآخرين، فيكتشف فيما بعد بأنه فشل في إخفاء آثاره وإفرازاته المشينة، فيندم تجنباً للعقاب والحساب، وهذا ما يجب أن يفعله أولئك الذين مازالوا يدعون بأنهم سيُسقِطون النظام بالشعارات الدونكيشوتية والشتائم الغجرية، أما حزبنا فقد قالها مراراً بأنه أخطأ آنذاك في تقديره لتلك الظروف، من دون أن يهاب الإرهاب الفكري لمثل هذه الحملات.. وكما يقال فإن الاعتراف بالخطأ فضيلة!!.
لابد من التذكير بأن الرفيق عبد الحميد درويش وباعتباره شخصية كاريزمية فاعلة في الوسطين القومي والوطني، لا يعيبه بكل تأكيد عمره الكبير الذي أمضاه في مقدمة النضال الكردي في سوريا وعلى مدى ستة عقود، كما لا يعيبه وضعه الصحي الذي لا يعكس إلاّ حجم الضريبة التي دفعها شخصياً على هذا الطريق من السجن والملاحقة والتشهير..
ولهذا فأن يتلقى الأستاذ حميد الشتائم من الحاقدين على جرأته في الاعتراف بأخطائه، خير من أن يتلقى المديح على إخفائها والتستر عليها كأولئك المنافقين الذين يخفون فظاعاتهم ويتسترون عليها تحت كم من الشعارات البراقة، مثلهم مثل القطة التي تخفي روثها تحت التراب، والذي سرعان ما تكشف عنه رائحته التي تزكم الأنوف،هكذا هم المضللون الذين يكشف الواقع عقم شعاراتهم وفشل أساليبهم التضليلية ليتوسلوا النجاة في وقت لاينفع فيه الندم.
أجل، مدرسة نورالدين زازا هي مدرسة الشجعان، التي غرست في تلامذتها إرادة التمسك بخصوصية الشعب الكردي في سوريا واستقلالية قراره السياسي وزرعت فيهم روح الثقة بالنفس والتمرد على الإرهاب الفكري المنظم الذي ظل خصوم زازا يمارسونه ضده وضد تلامذته من بعده وفي مقدمتهم الرفيق عبد الحميد درويش، فإذا كانت الشجاعة كمفهوم يصعب قياس أبعادها المادية، فعلى الأقل يمكن تقدير حجمها المعنوي بناءاً على التضحيات المقدمة دفاعاً عن الحقيقة، وظلت التهمة الموجهة لحميد درويش ورفاقه منذ أوائل الستينيات من القرن المنصرم على يد الجهات التي تقف خلف مثل هذه الحملات الترهيبية، هي أنهم من جماعة نورالدين زازا ومن المحسوبين على مدرسته ودفعوا ومازالوا يدفعون ضريبة ذلك الكثير بلغت درجة التكفير والتخوين والاغتيال السياسي بحقهم، ولكنهم لم ولن ينحنوا، وظلوا ولازالوا يتعاملون بشجاعة مع السياسية بموضوعية وبمنطق واقعي، بعيد عن المبالغة في طروحاتهم السياسية أو المغالاة في شعاراتهم الإعلامية، باعتبار السياسة فن ممارسة الممكنات.
مكتب الإعلام للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
8/1/2017