بقلم : يوسف بويحيى (أيت هادي شيشاوة المغرب)
لم نكن أقل وعيا بذواتنا ولا حتى من نكون ؟!،لكن كنا في صراع بين التابث و المتحول فينا ،لم يكن تفكيرنا عكس ما نطمح إليه ،لكن تناغمت ميولاتنا مع حقيقة ماهياتنا ،لكن بنظرة أقل براءة مما كنا نتوقع ،صحيح أنه ليس بمقدورنا أن نجيب أنداك على كل التناقضات الملموسة التي يلتهمها اصحاب القرار بكلمات متقطعة ولا مبالية تتبث مذى الحقيقة المرة الساعين إلى ٱخفاءها .
تماشينا مع سراديب النضال بقناعة تامة و بكل الطرق المتاحة ،أحرقنا الزمن على ذلك العلم الحر ،وبشعارات هزت أركان الجامعات مما كانت تعرفه من تطاير غبار ماتبقى من كرامة عهر فكر القومية العربية و الفكر الستاليني العقيم .
نتعب دون أن نمل ،و نعود لنستريح على جدران الجامعات ،تلك الجدران التي أحرقت كاهلنا و أشعلت لهيب أمنياتنا التي كنا نرى من خلالها حياة بدكريات التاريخ و تراكماته أملا سيضيء غدا بأشعة شمس الحرية.
لم يكن الخوف من طبعي و لا من تياري الأمازيغي الذي كان محطة أنظار حاقدة من طرف تيار اخر أمازيغي أعرفه و يعرفني!!! ،إني أجد نفسي اليوم مجبرا و يروق لي أن أكون عدوا بشرف الفكر و المعرفة و الحقيقة التي كثيرا ما تنازلنا على نواياها القاتلة لعنصر منا و من أوائل النضال فينا ،الذي من خلاله يشرع القاتل كل جرائمه بٱسم الأمازيغية الأحادية الأصولية بمعناها الدكوري الفكري.
لم تعد القومية العربية دات خطورة على العنصر الأمازيغي في عصرنا الراهن ،وذلك لٱنحلالها هي الأخرى لأسباب اكثر تعقيدا من أكدوبة الوعي و فبركة الحراك السياسي الإجتماعي ،و إن صح التعبير بعوامل خارجية حتى وإن لم يكن همنا في الموضوع مناقشة القومية العربية ،حيث لم تخلو هي كذلك من فكر التمييز و الجهوية بين اطرافها ،بما تملك من عرق أصيل حر في الخليج و آخر هجين في شمال ٱفريقيا يستمد عروبته من الأول .
هل فعلا كنا نحن الأمازيغ بمستوى مغاير عن فكر القومية العربية؟؟!! ،من النذرة كنا نسمع على أن ذلك الطالب أمازيغي بل غالبا وقطعا ما ماكنا نبعد هذا الٱسم على تيار يتكلم بلهجة أمازيغية تتخللها مفاهيم مدرجة عربية ليس لها أي دخل في مفهوم الهوية و لا المواطنة ولم ولن تكن تشكل أية إشكالية حتى على مفهوم الوطنية بمعناها الحقيقي التاريخي من المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية الأمازيغية العالمة .
كنا ننبد العنصرية و العنف بكل اشكالهما المادية و الرمزية ،لكن هل كنا واثقين و مؤمنين مما ندعو إليه فيما بيننا !!،أو الأجدر أن أقول هل كنتم أنتم واعين بذلك فينا !!،لم نكن جميعنا نستطيع ان نخرج من تلك الدوامة بحل يجمع كل الأطراف تحت إطار معتدل و منصف لكل الشرائح الأمازيغية الغيورة الحاملة لفكر و وعي و هوية واحدة تتساوى فيها كل أسنان المشط ،لم يخلو الدرب من أي من تلك الشرائح لكن لماذا لا نرى في وليمة اليتيم سوى تلك الشريحة الحمراء !! ،هل بات اليوم أن نستدرج المثقف على أي الأمازيغيات يتكلم و يناضل بالرغم من ان القضية واحدة ،على اي التناقضات يمكن أن نبني مشروعا فكريا قويا راسخا يستمد حجته من الحقيقة الأبدية ،لكن يبقى التناقض حافزا للوصول إلى الحقيقة و الظفر بالفكرة البناء ،لا قاعدة تسير بنا إلى الهاوية التي نحن فيها و بسببها لا نرى سوى خيبات الأمل في كل من المثقف و الحركة و المؤسسة ،مثقف تائه بين هذا و ذاك ،حركة مليئة بالتناقضات و الببغات و الفراشات الملونة و المرضى بشتى انواع العقد النفسية بما فيها الفردية و الجماعية ،و المؤسسة الممخزنة التي أحكم المخزن و الخونة القبض على أبواب زنازينها الفولاذية .
لقد طرحنا للتو تلك الحقبتين على طاولة الواقع ،كانت الأولى أكثر نجاعة فكرية و حكمة و بعد تأويلي أزعج الهذوء القومي العربي و كذى الفكر المتمركس الستاليني بأنواعه و التيارات المحافظة الإسلامية ،كما رفع من إيقاع المقارعة الفكرية من داخل و خارج الجامعة ،أما بالنسبة للثانية فلم نسمع منها إلا بتشويه الخطاب و النفور الفكري من كل ما لا يطابق ذوقها الأحمر حتى و إن كان يطابق قناعاتها ،بالكاد أصبحت الساحة النضالية مهرجانا تلعب فيها كل الأدوار بٱسثتناء أن يكون المهرج منحذرا من قطيع الحمرة ،العجيب في الأمر ان الكل كان بارعا في الرقص ،لم نكن نتخيل أن الأمر أسوأ مما كنا فيه إلا بعد أن مل أعداؤنا من ركاكة الفكر العقيم ،أقسم أنك أيها “البابا” لست مقهورا أكثر من الأغلبية التي كانت تقدس قشور فكرك الذي لم يرتقي إلى ذلك الجبل الذي كثيرا ما تغنيت عنه بعبارة (نحن أبناء الجبال) ،لقد كنت انا من يشتري السيجارة للأغلبية على الرغم من أني لم اكن أدخن ،و كانت سيجارتك أنت أثمن من سيجارة العميل .
إن مفهوم المتعاطف مازال يشكل أزمة تمييزية نوعية عنصرية حيث ليس من الأخلاق إقصاء الأمازيغ من منظومة النضال إلى درجة التعاطف ،المتعاطف يبقى من ليس أمازيغيا يؤمن بمشروعية القضية الأمازيغية ،اما الأمازيغي الحر يبقى مناضلا بالرغم من لونه و لكنته و نبرة صوته و إنتمائه الجغرافي .
مالم تكن تعلمه عن “المتنبي” أنه على الرغم من علو كعب شعره إلا أنه إمتطى المجد بموته عليه لا بكعبه.
لم نختلف يوما على أن القضية الأمازيغية قضية وجود ،لكن كيف نسعى لذلك الوجود ما دمت تفتقر إلى فهم مكثف بأن الوجود أخلاق .
لقد كان مروجو فكر الفيلسوف “باسكال” أكثر وضوحا مما كنت تدعو إليه ،على الرغم من أن النوايا كانت متبادلة من كل الأطراف (لا داعي من فضح الواضحات) ،لقد أعطى “باسكال” نموذجا حيا للإنسانية و ليس الإنسان كما تعتقد ،بما سماه بمفهوم النظام ،وأقرن مفهوم الإنسان بالتنظيم شريطة ان يكون تنظيما جمعيا ،لقد دكرني فهمك ل”باسكال” بفهم طبق الأصل لشخصية سياسية معروفة لذى العالم الغربي “الحسن الثاني” ،حيث مازال صدى مقولة (النظام هو الإنسان) يضفي طابعا سياسيا أكثر مما هو في الحقيقة فكريا أخلاقيا على حد تعبير “باسكال”.
إن الذات الأمازيغية المفكرة لا تتطلب منا فهما “ديكارتيا” بالدرجة الأولى بٱعتبار هذا الأخير لا يتحدث على أي ذات بل ذات مفكرة لكن بوعي إيماني تستمد تقوى إيمانها بفكرها من تلاوات تلك الترهات على جدران الكنائس التي تقتل كل الأشياء الجميلة في الإنسان ،هل الإيمان يكفي وحده للنهوض بالذات الأمازيغية!! ،على الرغم من أننا لسنا أنا و أنت سوسيين تمعن جيدا في “سوس” بالرغم من انها هي المرجع الأساسي للفكر الإسلامي عبر التاريخ المحلي المغربي ،لكن بماذا ساهم هذا الوعي الإيماني تلك الذات الأمازيغية الحاملة له ،إن نظرة “ديكارت” في الذات ليست سوى معضلة حقيقية للذات الأمازيغية و حافزا لتحللها أكثر مما هي عليه الآن .
إن الذات الأمازيغية أحوج إلى فكرة “هيگل” المتكاملة من حيث عمق الماهية الجوهرية للإنسان و وجودية الذات المستقلة الكائنة و مشروع هذه الذات من هذا الوجود و حفظ سيرورة هذا الوجود بوعي وطني تحت دستور واحد متكامل ،على الرغم من أن “هيگل” كان أكثر قومية مما خلف فارقا كبيرا بين عالمية الفكرة و خصوصية التطبيق .
جميل ان أسمع منك ما فهمت من “كانط” بخصوص القواعد الأخلاقية للفرد و الجماعة ،لكن لم يعتبر “كانط” في حد ذاته بأن الإنسان وسيلة كما إذعيت أنت بأن الأمازيغية إستراتيجية ،إن الإنسان غاية في ذاته و من حوله في منظور الفيلسوف المذكور ،حيث ان إستراتيجية الأمازيغية هي بمثابة تحطيم تلك القواعد الأخلاقية التي تزعم أنت بالبناء عليها ،أوليس ماتتبناه تناقضا قاتلا؟؟ أو أن لك تأويل آخر؟؟.
إن الإنسان أو بالأحرى الأمازيغية هي غاية تستمد فكرها من الإنسان الأمازيغي بٱعتباره هو الآخر غاية كذلك.
أقسم أني لم أرى أكثر الأشخاص تقنينا للجرائم المشروعة من المؤرخ ،حيث ما يثقل فؤاد القضية هو ما إذا كان هذا المؤرخ أمازيغيا بمثابة طبيب نفسي يعطي عقاقير الهدنة للمريض دون التخلص من المرض الذي أكل عليه الدهر و شرب إلى أن بات كمرض عضال .
نعم هناك فكر “علي صدقي أزايكو” الذي أجمع شتات الأمازيغ من الضياع في شوارع العروبة المستعمرة ،لكن هناك أيضا “المختار السوسي” بالرغم من إنتقادي له بخصوص مفهوم الوعي إلا أنه كان أمازيغيا بٱمتياز ،قرأنا القليل مما خلفته أيادي الغدر من ذكاء “بوجمعة الهباز” لكن من منا قرأ على “إدريس بن زكري” كما ألقبه بماندلا المغرب ،رحل علينا صديقنا “مبارك ألعربي=nba” قتل أو مات المهم أنه مازالت أغانيه تحرك مشاعر النضال و كذلك رحل عنا “عموري مبارك” و “الحاج محمد البنسير” و “الحاج بلعيد” لكن بوعي أمازيغي يتماشى مع قضايا عصره .
لقد اعطى المفكر الأمازيغي “مولود معمري” و “مولود فرعون” أكثر مما أعطاه آخرون في القبايل لكن غالبا ما نرى صور “معتوب لونيس” هي الأرجح لذى المثقفين ،عجيب أن نهمل من صنع الربيع الأمازيغي بحجة الرصاصة و كأن “مولود معمري” لم يقتل غدرا كما وقع ل”سعيد سيفاو المحروق” …
لم تقف مقولة “توماس هوبز” (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان) على هذا الحد بل أصبحت بمنوال يثير الخجل من أنفسنا على أن الأمازيغي عدو أخيه الأمازيغي اليوم، لقد مزق الأمازيغ الأمازيغية أكثر مما مزقها زعماء القومية العربية حيث لم تترك و لا سبيلا للمصالحة الداخلية بين كل القوى الإجتماعية .
لقد بات للمؤرخ الأمازيغي أن ينهج مسلكا جديدا واسعا متنوعا تنبث أرضه من كل زرع ما قد تعطي للحقل جمالية و تكاملا و تناسقا و دخيرة أكبر .
إني أراك تحب الشعر كثيرا فوددت أن أسمعك بيت ختام [لا تنه على أمر و تأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم] .