د. محمود عباس
المعضلة في الطفرات أو النقلات الروحية الثلاث: موسى المتكلم، وعيسى الأبن، ومحمد المولى على البشرية، هي أنها أبطأت على مدى قرون عديدة التطور الفكري، وضيقت مساحات استخدام العقل والنهج العلمي، ووضعت الحدود النهائية، وعلى مقاييس تلك المراحل الزمنية، علاقة الخالق بالمخلوق، وذلك عندما جعلوا ذاتهم: آخر المتكلمين؛ وآخر الأبناء؛ وآخر الأنبياء، وأن جميع العلوم تمر من خلال نصوصهم، وفرضوا علاقتهم بالإله بالنقل المطلق دون العقل والمقياس.
تتالت مراحل زمنية وفكرية عديدة قبل أن تثور شريحة ثقافية قبل السياسية من المجتمع على الحاضنة الدينية، وعلى مفاهيمها، فتمكنت من اختراق حواجز تحجيم التطور الفكري، كالتي حصلت في أوروبا على مدى قرنين من الزمن، أزالت على الأقل هيمنة استبداد وسطاء الخالق على المخلوق، وبها تم فتح الأبواب للطعن في الطفرات الثلاث.
لا يستبعد بأن ما يحدث اليوم في شرقنا وعلى الجماديات في الرسالات السماوية الثلاث وسدنتها، ثورات مشابهة لبدايات الثورة الأوروبية، رغم ما يتخللها من اختراقات وتحريفات من قبل المنظمات الدينية الراديكالية والليبرالية معاً، لكن ما وراء الضجيج والدمار تكمن بدايات ثورة على الاستبدادين الديني والسياسي في العالم الإسلامي.
ومن المؤسف أن الأحزاب الكردية لا تزال معظمها تعيش مرحلة ما قبل مرحلة الثورات الفكرية هذه، وتعرض ذاتها وكأنها حملة آخر الرسالات الكونية، متجاوزين آخر الأنبياء، في الوقت الذي لا يزال المجتمع الكردي يعيش بطريقة أو أخرى في خانة العبودية عند القوى الاستعمارية الإقليمية، ومربعاتها الأمنية، وبما أن الخالق لا يعقل بأن يسمح للمخلوق من المجتمع العبودي من حمل رسالة إنسانية في الشرق الأوسط، لذلك لا بد للحركة الكردية من توعية ذاتها للإدراك بأنها من أجل تحرير المجتمع يتطلب التركيز على تنمية مكونات الأمة الكردية، والانطلاق من على عتباتها، لحل القضية الكردية القومية والثقافية. والغريب أن بعض الأطراف من الحركة الكردية، ترفض الانتماء إلى الرسل الكردية والخالق معا، مع ذلك تتخبص تائهة بين عبودية الخالق والانتماء إلى مجتمعه.
أثناء مواجهة هيمنة الاستبداد الديني، في نهايات عصر الظلمات، طرح رواد من المفكرين الأسئلة المحيرة للعقل المسيحي، وحرضت المجتمع وشريحة وسطاء الله على الأرض الأجوبة عليها، وبها اخترقت جغرافية الحظر على العقل ومنطق النقل، وكانت من إحدى العوامل المؤدية إلى خروج المجتمع الأوروبي إلى النور.
والأسئلة التالية نموذج بسيط عن المطروح في تلك المرحلة الزمنية وهذه:
1- لماذا اخفى الخالق على مر التاريخ جيناته، ولم يخلفها، وهو القادر على الحفاظ عليها ليثبت مطلقه على الأرض؟
2- هل ليحير الإنسان، أو لديمومة الصراع الفكري بين مخلوقاته، وتابعيه أو من اتبع تعاليم من ادعوا باتباع تعاليمه، أم ليستمر المؤمن والعاصي في الحيرة، ويدوم التنقيب عن المخفي، في الحيز الروحاني، أي العالم الأخر. بعد التأكد من عدمية بلوغها علمياً، حيث الخالق أو الأب الروحي؟
3- وعليه يفرض السؤال التالي ذاته على الفكر البشري المحير: هل يشبه الخالق أبنه أو من نفخ في روحه؟ أم الأبن يشبه خواله ملوك اليهود؟ وهل حمل صفات والده أو من حمل عنه روحه؟ وإن كان كذلك لماذا المخلوق تمكن من أبن الخالق؟ ألم يكن بإمكان الخالق أن يوصل رسالته تلك بشكل مباشر لمخلوقاته الضعيفة؟ أم أن المخلوق تجاوز قدرات خالقه في مجالات ما؟
4- أية لعبة غامضة وراء هذا الخلق، وما هي جريمة الإنسان الذي ولد بدون إرادته منذ البدء؟
5- ولماذا المخلوق يخدع ذاته إلى هذه الدرجة، بتقبل منطق نقل المفاهيم وعدم استخدام العقل؟ هل ليخلق في ذاته قناعة بالخالق المجهول، والذي تعجز عنه قدراته الفكرية، فيخلق حول ذاته الرهبة، وبناءً عليها يضع القوانين لمسيرته في الحياة؟
بعض من هذه الأسئلة يجب أن تطرحها الحركة الكردستانية على ذاتها، لتزيل النقاب الذي وضعه خالقها على وجهها، علها ترى عيوبها والمآسي التي فعلتها بالقضية الكردية وبمجتمعه وبتحريض من السلطات الشمولية الاستبدادية، ولربما تتبدل وتعطي الزخم للمجتمع الكردي لمعرفة تاريخ القوى الإقليمية الاستعمارية، ويصل الكردي إلى الثقة بالذات، والإيمان بان هذه السلطات الخالقة ليست كلية القدرة، ومن الممكن إزالتها بل والقضاء عليها، في حال عرفت كيف تستخدم قوى مجتمعها الخام، وتوقفت عن صرف طاقاتها في القتال الأبيض الكردي الكردي.
مع إزاحة نظرية التطور البشري الطبيعي، والتي تقبل العقل لا النقل، جانباً في هذا المقال، سيظل السؤال الأبدي مع ملحقاته فارضا ذاته على الإنسان:
1- إن كانت الأديان من الخالق، لماذا يُسّير أمور خلقه بشكل غير مباشر، وعن طريق عدد قليل من الأنبياء والرسل؟ الذين تراكمت حولهم المشكوكين فيهم أكثر من المؤمنين بهم، وهو القادر أن يغير في مخلوقاته ما يشاء، ويجعلهم على الهيئة التي يريدها، ويفرض ما يجب أن يكونوا عليه؟
2- أم أن الخالق في الأديان بحد ذاته ليس الخالق الكلي؟ أخطأ الإنسان في تكوينه، فكان فيه نقص، مثلما يخطأ اليوم الإنسان كخالق في مخلوقاته من الأدوات، والأجهزة!
3- يسأل العقل الحر اليوم، ما هو ذنب البشر، لتكون جيناته مليئة بالأخطاء والأمراض الفكرية والجسدية، والحيرة تلازمه طوال عمره، يعيش الضياع في المعرفة، وبعمر زمني لا نهائي من الصغر مقارنة بعمر الكون، أو لنقل بعمر خالقنا اللانهائي، وهو من صنع خالق كلي القدرات.
4- أم أن الإنسان من صنع المخلوق الخالق، وليس الخالق الكلي، الذي له ربما حدود وقدرات غير مطلقة، وبها نتقبل فكرة أن الله والطبيعة وجهان لحيز واحد، فمثلما فمادام وضع للإنسان بداية ونهاية، لا بد من خلقه بهذا النقص؟ أم أن السؤالين طوباويين، صاغهما الإنسان لذاته، لإشباع رغباته الروحية وتوسيع مداركه؟
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKURDA@GMAIL.COM
5/11/2016م