هل هناك شرف قومي للكُرد ؟

ابراهيم محمود
بتاريخ 20-12-2016، انعقدت ندوة فكرية في جامعة دهوك، من قبل ” مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية “، تحت عنوان” اسماعيل بيشكجي وكتاباته حول القضية الكردية “، وبحضوره، وكان لي إسهام في الندوة تلك، سوى أن الذي ارتجله بيشكجي صديق الكرد المعروف، في مختتم الندوة، صدم كثيرين، عندما توقف عند نقطة تمس واقع المجتمع السياسي الكردي، وطبيعة العلاقات بين ساسة الكرد أنفسهم، وأطلق عبارته الساخنة والموجعة في السياق” ليس هناك شرف قومي عند الكرد “، على خلفية من خصوماتهم واحتراباتهم، وطلب المصالحة من أطراف هي سبب في تقسيم وطنهم الكردي ؟!
ثمة كثيرون ممن كانوا حاضرين تبادلوا النظرات، وأصبحت عبارته تلك مدار تعليقات وتساؤلات، وثمة من رددوا: نستحق مثل هذا الوصف، إذ لو امتلكنا شرفاً قومياً لما التجأنا إلى أعدائنا لحل مشاكلنا، ولما كنا على هذه الحالة من التشرذم !
عبارة بيشكجي، تضاء من خلال العشرات من مؤلفاته، وهي تتمحور حول القضية الكردية، وقد سجن قرابة عقدين من الزمن بسببها، ومازال مشدّداً على لزوم حلها حلاً يضمن نيل الكرد لحقوقهم القومية، ولا يمكن فهمها على أنها طعن في الكرد كشعب، إنما في أولي أمر الكرد، ومن يدّعون أنهم ممثلو القضية الكردية هنا وهناك.
ربما كان أقرب دليل على صحة عبارته الموجعة، أن قاعة الاجتماعات الكبرى في الجامعة، اكتظت بالحضور في الجلسة الصباحية الأولى، وفي الجلسة الثانية” بعد ساعتين “، تبخر ثلثا الحضور. ما الذي يعنيه ذلك أكثر من التأكيد على دقة العبارة البيشكجية تلك رغم إيلاميتها؟ إذ لا بد أن جانباً من المرتجل جاء على وقْع المعاينة المباشرة من قبل بيشكجي نفسه، للفراغ اللافت في القاعة، وهو الذي قدِم من مسافة طويلة، وبجسمه الناحل وعمره الكبير.
كان أولى على الذين حضروا أن يبقوا ساعتين أخريين من جهة، ومن جهة أخرى، أن يكون هناك تركيز من ذوي العلاقة في الجامعة وغيرها بوجوب الحضور وسماع ما يجري بصدد من أفنى زبدة عمره، وهو تركي، من أجل قضية، سفِحت باسمها دماء مئات الآلاف من الشهداء، وهي لما تزل تسفَك. ألا يستحق دم الشهيد المكوث أربع ساعات، وحباً بقضية معتبَرة؟
ويقودنا الحديث عن الشرف القومي للكرد، إلى ما يقرّبنا من المعنيين به، أو يزعمون أنهم يمثّلون الكرد، وقد تناسلوا وتكاثروا بحيث لا يعرَف ما إذا كان الواحد منهم عموماً يعرف حقيقة متطلبات الكردية، ليكون بمثل هذا الاعتداد بالذات، ومنافسة نظيره، وما أكثر النظراء، وما يعنيه هذا الافتئات من بؤس مفهوم ” الشرف القومي “، والذي يتطلب في الحد الأدنى: التفاني، أي التخلي عن الزعامة الفردية الفاسدة المفسدة، أي البعيدة عما هو قومي، إذ لا أدل من حقيقة أن كثرة الزعماء تعني في الحال: التمثيل بشعب كامل يُتحدَّث باسمه، فأين تقف الزعامة حين تصبح زعماً؟
في مكاشفة الجاري كردياً، ومن خلال نسبة كبيرة ممن يتحركون هنا وهناك بزعم أنهم حريصون على القضية، ما أكثر حضور البهلوانيات التي يقومون بها، وتأليب البعض على البعض الآخر، وحتى السعي إلى تمزيق الشعب الواحد، كما لو أن الانتماء إليه هو في تحويله إلى طوائف، وحصص من النفوس؟ وفي إثر هذا الزعيم المزيف وخلافه، يندفع المرتزقة وأشباههم من المتحركين في ظله أو سواه، مرتزقة باسم السياسة، ومرتزقة كتابة، ويستعرُّ التنابذ الكردي.
هذا يستدعي العنوان السؤال في المختتم الساخن: هل هناك شرف قومي كردي حقاً ؟
دهوك- في 22-1-2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…