ابراهيم محمود
كمتابع عام لما جرى قبل عامين، إنما كمتابع كردي خصوصاً، لا أظن أن كردياً تابع عملية توجه قوة من البيشمركة من ” إقليم كردستان العراق “، باتجاه كوباني وتحريرها، وعبر شاشات التلفزة الكردية وغيرها، دون أن تطفر دموع التأثر والحماس لتلك القوة، التي كانت رغم ” محدوديتها ” العددية، تمثيلاً لإرادة كردية فوق- محلية، وعامل تجاوز للتقسيم الامبريالي الدولي والإقليمي الذي تم قبل قرن، وبقرار دولي، وما عناه هذا التحرُّك وهو أن الدول الكبرى” مصطلح لا يمكننا التنكر لموقعه “، كما جزَّأت كردستان تستطيع توحيدها، رغم كل غطرسة النظام التركي وسعيه إلى التعتيم على ما جرى، وما معه في الجوار.
توجه البيشمركة إلى كوباني بعدَّتها وعتادها وزيها وعلمها الكردستاني وعبورها عبر أرض محتلة تركياً، وعلى مرأى ومسمع من أعين الساسة والمسئولين الأتراك الأكثر حساسية من مفردة ” الكرد- كردستان “، مثَّل لحظة تاريخية استثنائية في التاريخ الكردي بامتياز، وتحرير كوباني قبل عامين من طغيان داعش ومَن في إثر داعش، مثّل لحظة ضمن لحظة تاريخية، هيهات تتكرر من منظور السائد كردياً. كوباني هذه النقطة الكردية الجغرافية شبه المنسية دولياً، كما هو الاسم الكردي وعن عمد طبعاً، كانت معمّدة دم الكردي الواحد الموحّد، قضيته الواحدة الموحدة، كينونته الواحدة الموحدة، شرفه القومي الواحد الموحد، لحظة فالتة من التاريخ، وتبعاً لعملية الصرف السياسي الدولي، في بقعة أريد لها أن تقوم بهذا الدور، تأكيداً على نباهة اللعبة وأهلية القوى الكبرى في البعثرة والجمهرة للقوى، الشعوب، الأمم، الإرادات، وعلى أرضية المصالح التي لا تبقى على اللون ذاته، وبالإيقاع السياسي عينه.
إزاء ذلك، ربما يسهل، ومن جهتي، أن أتحدث عن هذه اللحظة الكوبانية، كما لو أنها حلم وامض، وهو لم يكن حلماً، وتلك وثبة واقع وتاريخ، لحظة قابلة لأن يُتحدَّث عنها في مجلدات، لأن ثمة تاريخاً كاملاً يمكنه الحضور والنظر فيه، لحظة مرتبطة بما هو جائز النظر فيه في نطاق” الجهاد القومي الكردي المقدس “، وهو جدير بالتشديد عليه هنا، وعلى منواله، إن قيّض للحظة غير مقدَّرة أن تتكرر، جهاد ترجم نوعية الإرادة الكردية في تمثيل عمقها التاريخي، وكيفية التلاقي بينها وبين إرادة دولية، والتي أفصحت عن حقيقة ربما صدمت أولي أمر متقاسمي كردستان، وحتى المعنيين بلعبة الصراعات الدولية، ومصائر الشعوب، وواضعي الخرائط على طاولات خاصة، عند رؤية هذا الزخم الكردي، كما لو أن حدوداً باعدت بين الكرد أنفسهم قسراً، ومنذ أزمنة طويلة، وفي العصر الحديث أكثر، لم تعنهم في شيء، بالعكس، عنتهم، وهي حقيقة كونهم كرداً فوق هذه التقسيمات، فوق الحدود المصطنعة، وبعيداً عن التنظيرات، ودعاوى اللاكردية، كما لو أن الكرد الذين هتفوا بما هو كردي، وطفرت الدموع ” القومية ” الطابع من أعينهم، وهم يتابعون خط تحرك البيشمركة، ونثروا وروداً، كما زغردوا وهللوا لهذا المشهد القومي أساساً، كما لو أنهم لم يتلقوا درساً حول كيفية التعرف على ما هو كردي، وأين تكون الجغرافيا الكردستانية، بقدر ما كان هناك شعور وجداني ملتحم بطبيعة تحمل صفة كردستانية، رغم كل التحفظات والمخاوف وحتى تداعيات المشهد من قبل الذين رافقوا خط تحرك القوة البيشمركية غير المسبوقة، وكأني بهم أرادوا حمايتها، كما رغبت تلك في حمايتهم، وهو تلاحم وجداني قومي استثنائي، تعدى كل تلقين عقائدي موجه هنا وهناك.
لحظة كوباني التاريخية والجغرافية الموقع، وأنا أستدعيها مرة ثانية، وفي ضوء المتخوَّف منه كردياً- كردياً، فكيف بالآخر، لحظة الجهاد القومي الكردي المقدس، هل يمكن أن تتكرر، ومتى، وأين؟ وأليس في مقدور المعنيين بهذه اللحظة أن يرتقوا إلى ما فوق المحلي والمجزَّأ، ليكونوا في مستوى تأثر الذين احتضنوا عملية تحرك القوة الكردية القومية الطابع، إنما أكثر من ذلك، في مستوى تخوفات أعدائهم وخصومهم، ممن صدمتهم اللحظة تلك؟ وهو درس، لكَم نحن بحاجة، كشعب، إلى احتضانها، وتجسيدها، في تاريخ نحن صانعوه، ونحن فاقدوه معاً !
دهوك، في 27-1-2017