عبدو خليل
خلال السنوات الأخيرة جرت ألاف الانتهاكات في المناطق الكردية. بدءاً من الاعتقالات والتصفيات والتهجير الممنهج لكل من يعارض سلطات الوكالة المتمثلة بحزب الأتحاد الديمقراطي، وانتهاءاً بفرض الخوات ومحاصصة الناس في املاكهم وارزقاهم. طوال تلك السنوات وحتى اللحظة الراهنة لم نسمع أن أحداً من كوادر حزب العمال الكردستاني أو من المنخرطين ضمن صفوف هذا القطيع المتروك له الحبل على غاربه قد دبت فيه الحماسة أو النخوة ليعلن ودونما خوف أو مواربة أن ما يحدث بحق ابناء جلدته هو خرق للقيم الكردية الجميلة تلك التي ورثناها أب عن جد .
المؤسف أن تصل بنا الحال لهذه الرداءة. القيمية والاجتماعية والسياسية، وأن يلتهمنا الخزلان والصمت عما يجري حولنا من كوارث وقهر بحق من نرتبط معهم بصلات كثيرة، الدم والوطن والدين و القومية. قائمة المشتركات طويلة، ونجد البعض منا مازال يراوغ ويلوك الذرائع للتهرب من مجابهة الحقيقة المرة. هؤلاء الذين لا يمكن تعريفهم بموجب الانتماء البشري والذي يعرف بأنه حيوان ناطق. أي بلغة أخرى، و حسب كل لتعريفات الأنثروبيولوجية والأجتماعية لم يتم الاجحاف بحق الحيوانات في سياقات التعريف والتنظير، ولم يميز العلماء البشر عن الحيوانات من حيث العواطف والأحاسيس، وهذا ما نلحظه في كثير من المشاهد التي تثير استغرابنا نتيجة حالات الألفة والتعاضد بين فصائل من الحيوانات تكون على شراسة فيما بينها. كأن نرى نمراً يداعب وعلاً فتياً لا يطاوعه جبروته ووجدانه في قتله والتهامه، أو كأن نرى كلباً ينقذ قطاً من الغرق وما إلى ذلك من مشاهد لا يمكن تفسيرها أو فهم كنه تلك العلاقات سوى بأنه حتى الحيونة تنتصر للمظلومين والمقهورين وتنتفي لديهم الشراسة في لحظات الضيق والشدة والقسوة .
المفارقة اليوم أن الراهن الكردي صار ابعد من عالم الحيوان و شريعة الغاب التي مازالت تمتلك وتتمسك بهذا الحد الأدنى من الشعور والمسؤولية تجاه الأخر، مهما كان مختلفاً معه أو عنه. إذ ليس من المعقول أن تثور حفيظة البعض جراء رقصة قدمتها بعض الشابات الكرديات اليافعات. كشكل تعبيري عن اهتماماتهم نتيجة تأثرهم بالذوق والثقافة العالمية الوافدة عبر وسائل الاتصالات التي لم تحول فقط العالم إلى قرية صغيرة إنما بات الفرد بحد هو العالم بأسره. من المقرف أن نجد البعض يثور حيال قضية كهذه بينما يرتدي جلد التمساح إزاء قضايا أكبر منها تمس حيوات الناس ومصائرهم. هؤلاء اللذين انعدمت مشاعرهم الهفهافة عند اعتقال السيدة فصلة يوسف و اصابهم الصم و البكم عندما كسروا أصابع جنكين عليكو ولا وماتت ضمائرهم عندما قتلوا ولات حسي بدم بارد . نسمعهم اليوم وكأنهم فجأة استيقظوا من سباتهم الإنساني لتتدلق عواطفهم دفعة واحدة أمام موضوع لا يستحق بالنهاية كل الضجيج .
أخيراً . لا أدري ماذا سيكون موقف هؤلاء عندما يكتشفون يوماً ما الحقيقة التي أودت بحياة أرين ميركان، هل يستطيع هؤلاء وقتها إعادة الاعتبار للفتاة العفرينية الجميلة التي انتهت بشكل غامض على يد جلاوزة دوران كالكان وصالح مسلم أم أنهم سيدفنون رؤوسهم في الرمال، وهل يستطيع هؤلاء من أنصاف وارباع المثقفين والاعلاميين، النظر في عيني أم الشهيدة أرين ميركان، وهل يكفي وقتها الاعتذار.
غداً أو بعد غد. ولو بعد حين طويل، ستذوب الثلوج تحت شمس الحقائق الساطعة، مهما طال الصقيع. عندئذ لن ينفع ضمير تستفزه رقصة زومبا ولا ينتخي أمام كل هذا الخراب الذي يحيق بنا.