سوريا: العسكريتاريا ولعبة الشرطي والحرامي

نوري بريمو

يبدو أنه كلما إشتد طوق الخناق حول عنق نظام البعث، يزداد تخبطاً ويلجأ للعسكريتاريا التي لن تنفعه ولن تودي به سوى إلى الرضوخ الحتمي لضغط الشارع السوري المحتج على الأوضاع بعد صبر وطول انتظار، ويبدو أنّ هذا النظام غير مؤهل لإجراء أي إصلاح وفقد توازنه ولا يتعظ بدروس أمثاله ويواصل إمتهان مسلسل كسب الوقت وإستلاب إرادة الشعب وقذف مختلف مكوّناته بمختلف التهم الباطلة المندرجة في إطار نظرية المؤامرة، ليبرِّر لنفسه كي يفعل ما يشاء ويرتكب المجازر ويتفنّن في استباحة دماء المواطنين على مركوب تخوينهم وقتلهم بالجملة وتخويفهم لمنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في التظاهر من أجل نيل حريتهم والخلاص من الإستبداد ودمقرطة بلدهم، وفي ظل التعتيم الإعلامي المفروض للإستفراد بالداخل بعيدا عن أنظار العالم، يعطي الحق لنفسه ويلعب لعبة الشرطي والحرامي، بذريعة أنه نظام وطني حريص على سوريا ويتصرف كشرطي يدافع عن البلد ويحميه من أهله الحرامية المتآمرين عليه…حسبما يتزعمه أهل الحكم!!.

ليس هذا فحسب بل إنّ خيار تخوين الآخر وتوتير الأجواء وتسخينها على نار داخلية فتنوية لم تعد تنطلي على أحد، وأخرى خارجية مؤامراتية لا أساس لها من الصحة، قد صار خيارا راجحا في ساحتنا السورية التي يبدو أنها ستشهد مزيدا من العنف الذي قد يسوق السوريين إلى دهاليز مظلمة بفعل فاعل سلطوي يأبى أن يدنو أجله، مما يوحي إلى أنّ النظام لن يراجع نفسه وسيتحرك في مربع ضيق وسيوسّع أزمة الثقة بينه وبين المواطنين وسيمضي في توزيع اتهاماته بالجملة على كل مَنْ يتظاهر أو يساند المظاهرات، وبدلاً من أن يحتكم إلى العقلانية والمنطق ويستجيب لجادة الصواب ويلبي استحقاقات السوريين المطالبين بحريتهم، يتهم جموع المحتجين في كافة أنحاء البلد بتهمة ((إرتكاب جرم الإرهاب والإنسياق وراء مجاميع سلفية متآمرة على الدولة))!!، وفي هذا السياق جاءت تصريحات مسؤول المخابرات العامة في خانة تخوينية لا لبس حولها، حينما إتهم الحركة الكوردية بـ ((العمالة لإسرائيل)) خلال لقائه مؤخرا مع مجموعة من المثقفين الكورد بمحافظة حلب على أثر إنزعاجه من أؤلئك المثقفين الذين قالوا له بأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم، وأن الحركة السياسية هي الممثل الشرعي للشعب الكردي.
وإنّ إصرار أهل الحكم على انتهاج مسلكية بوليسية عنوانها السطوة الأمنية والتهديد والوعيد وعسكرة الحلول وتسليط (الشبيحة) ليعربدوا وسط البلاد والعباد ويفرضوا الرعب على الشارع ويقتلوا المدنيين العزل، يمكن تصنيفه في عِدادْ التأزيم السلطوي المقصود للأوضاع الداخلية، ولا يمكن إيجاد أي مبرر آخر لهكذا عقلية في هذا الزمن الشرق أوسطي الذي لم يعد فيه بإمكان أي حاكم مطلق أن يقضي على ثورة الشعوب السائرة بكل ما أوتيت من بأس وقوة صوب إجراء التغيير الديمقراطي الحقيقي.
وبما أن سوريا تجتاز مرحلة مفصلية بل مصيرية وحرجة جدا، فينبغي أن يكف النظام عن إستخدام أساليبه الدسائسية التي يحاول من خلالها تجييش كل ما يمكن تجييشه (الطائفة والمذهب والقومية والجيش والإعلام والموظفين والبسطاء و…إلخ) لصالح بقائه في السلطة لأمد أطول، في حين لا تزال أمامه فرصة لا بل فرص كثيرة لحقن الدماء والإحتكام للغة الحوار عبر الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني تحضره كافة قوى المعارضة وممثلي كل الأطياف بلا أية إستثناءات على أية خلفية قومية أو دينية أو طائفية أو غيرها.

 
وفي حال إلحاح النظام (والأمر يبدو كذلك) على تسويف الحلول وإعتماد لغة الحديد والنار وإستبدال حالة الطوارئ بمشروع قيد الدراسة لقانون طوارئي آخر يمنع التظاهرات ويلاحق المتظاهرين ويعتبرهم إرهابيين خارجين عن القانون!!، فإنه لا بديل أهل سوريا (عرب وكورد وغيرهم) سوى مواصلة المظاهرات السلمية وتوسيع نطاقها أفقيا لتشمل كافة المناطق وشاقوليا لرفع سقف المطالب بما يلبي الطموحات ويتناسب مع المستجدات الميدانية، وإنّ شرط نجاح السوريين الأحرار في إستكمال مشوار دمقرَطة بلدهم مقابل عدم جدية النظام، فهو أن يلتقوا حول القواسم المشتركة ويلموا شملهم ويعززوا صفوفهم ويوحدوا خطابهم وأن لا ينخدعوا بفبركات نظرية المؤامرة التي تصطنعها السلطة في هذا الحين الحرج بالذات، وأن لا يحيدوا عن مسيرة الحراك التغييري السلمي لوقاية الأهالي من دوامة العنف والخروج بأقل الخسائر والسير جمعاً صوب بناء دولة تعددية دستورية تنصف كافة الأطراف ويسودها الحق والعدل والقانون.


19 ـ 4 ـ 2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…