الكرد والآشوريون.. تاريخ متزامن وحاضر مرتبك..!!

خليل كالو

   لم يجد الكرد والآشوريون أنفسهم في بغتة من الزمن جيران لبعضهم اليوم وبالصدفة على جغرافية متصلة ومترابطة في كافة أماكن تواجدهم أو هكذا بدون سجل تاريخي مشهود لهم حيث تربطهم علاقات العيش المشترك منذ فجر التاريخ بخيوط ووشائج غير مرئية وغير خاضعة لتأثير وإرادة التغيير الشوفيني الممنهج والتشويه المفتعل من صيادي الماء العكر بالرغم مما ساد بينهم في كثير من الأحيان نوع من الجفاء وبرودة العلاقات والاحتراب التي لها مبرراتها التاريخية في ذلك الماضي السحيق وفي مقدمتها ثقافة السيطرة كتعبير عن أصالة ووجود وحيوية بمفهوم ذلك الزمان وهذا الجيل ليس مسئولا عن تلك الأسباب ونتائج تلك الحقب وما صنعه الحداد في العصور الحديثة من ثقافة الإقصاء والفكر المجرد الذي ساد بلادهم في القرون الماضية بعد أن استلبت إرادتهم بحد السيف وما صنعت تلك الثقافة والفكر المجرد شرخا كبيراً بينهم .
 اليوم أن هذا الجيل مسئول عن رأب هذا الصدع حيث ما زالت ذاكرتهم متقدة لا ينسون بطريقتهم الخاصة وأنهم أصحاب تاريخ متزامن ومشترك في بعض منه كونهم من الشعوب الذهبية التاريخية لا يخدعون بسهولة ويسر حيث هم سليلي تاريخ وأرض وشعب موغل في عمق /36/ قرناً من الزمن أو أكثر.

 كثيرة هي الأطلال والأوابد التي تحكي قصص الآباء والسلف على جدرانها فتشد الأبناء إلى الجذور كما الرضيع إلى ثدي أمه وخاصة بعد تنامي ظاهرة الوجدان والشعور القومي والانتماء إلى الأمة الذي هو أعظم ظاهرةٍ اجتماعية في عصرنا.

فبعد أزمنة طويلة من الاضطهاد والإنكار والتهميش واليوم من حق أبناء هذين الشعبين أن يفتخروا ويعتزوا بالانتماء إلى أمتهم التي تميزها عن غيرها  من الأمم من حيث الثقافة واللغة والجغرافيا والتاريخ والعادات والمعتقد .

فعند كل حديث عن شعوب ما بين النهرين لا بد أن تحضر إلى الذاكرة هذين الشعبين القديمين الموغلين في أغوار التاريخ بالرغم من الكثير من المفاصل الدامية بينهما وسنوات الجفاء التي برأينا تدل على حيويتهما وليس على همجيتهما كما يقال أحيانا من قبل مثقفي هذا الطرف وذاك بل على العكس الذي هو أمر طبيعي بمقاييس التطور البشري والثقافي والحضاري لتلك الأزمنة  السحيقة فكل شعب مسالم وضعيف لم يكن له حظوظ العيش باستقلالية وكرامة ما لم يكن دائما على أهبة الاستعداد والجاهزية لأي طارئ وكانت ثقافة الغزو والتوسع على حساب الجار للجار لبناء الأمجاد  سائدا لأسباب عديدة  وأصبحت بدورها حافزا لابتكار أساليب جديدة للبقاء على الذات من جهة أخرى  ربما أبقت تلك الثقافة الكرد والآشوريون مستمرون في العيش كمتحدات متمايزة ضمن تلك الظروف الصعبة لغاية اليوم دون الاستسلام  للقدر.

    فإذا كانت الأرض شرطاً أوليا للحياة فلا بد أن يكون النهرين العظيمين الفرات والدجلة شرطاً أساسياً لوجود هذين الشعبين العظيمين وهنا لا ننسى جبالهم الشماء بالرغم من الحروب الكثير التي دارت بينهما على مر التاريخ ونزعة السيطرة في مراحل كثيرة منها ولكننا اليوم أبناء الواقع وعلينا الاعتراف بوحدة الحال والتاريخ ونسعى أن نكون أقرب الأقوام لبعضنا البعض منه إلى الجفاء علما أننا نعيش في بقعة جغرافية تاريخية واحدة منذ أكثر من 3600 سنة ويعتبر الكرد والآشوريين برأينا من الشعوب الذهبية كونهم لن يتغيروا كمعدن الذهب وحافظوا على ذاتهم من الانصهار والاغتراب والاندماج بالرغم من كل الظروف القاسية التي مرت على هذين الشعبين العظيمين من السياسات الشوفينية منذ مئات السنين التي كانت كفيلة بصهر الحجر ناهيك عن ثقافة وهوية البشر.
  كانت بلاد سومر والكوتيين وبابل وآشور هبة النهرين العظيمين.

فعلى ضفاف أدجنا (أدجلات – دجلة) حيث ينبع هذا النهر العظيم من هضاب وسفوح جبال زاغروس جنوب بحيرة وانwan  في شرق جبال طوروس سماه السومريون أدجنا في الألف الثالث 3000 ق.م ثم دعاه البابليون و الآشوريون أدجلات والميديون بالدجلة وسماه الفرس تغرا والإغريق (تجريس) وقد استعمل هيرودوت هذا الاسم عام 450 ق.م وكذلك على ضفاف يورانونو النهر العظيم الذي سماه السومريون ( براتو-الفرات).

هذا النهر الذي هو أحد أكبر أنهار غرب آسيا وأحد الأنهار التاريخية ينبع من هضبة ملاذ كرد وسرحدا ويتجه غرباً وجنوبا فيخترق جبال طوروس متجهاً نحو الصحارى الجنوبية.

عندما يفيض نهرا دجلة والفرات في نيسان وأيار من كل عام كان يسبب في ترسب الطمي على أرض السهول وعلى أطراف هذين العملاقين تكونت أول بذرة للحضارة وعلى هذه البقعة من الأرض نشأت الأمة الكردية والآشورية .

وليس بخاف على أحد بأن الشعوب التاريخية في تلك المنطقة الجغرافية ومنها الآشوريين والكرد هم نتاج تطور تاريخي وصراع عنيف مع التاريخ منذ عهود غابرة ويتفق اغلب العلماء بان هناك علاقة وثيقة بين الكرد الحاليين والآشوريين القدامى كجيران ولهم تاريخ مشترك في الكثير من مفاصله .
 
    هناك صفحات من تاريخ سابق لا نود الرجوع إليه لبناء فكر وثقافة عليه فنحن أبناء اليوم وسيبقى الانتماء إلى أي أمة و قومية أو ثقافة ما ليست نابعة عن إرادة شخص ما أو عدة أشخاص ولا تكفي إرادة عدة أشخاص من مجتمع واحد وثقافة أخرى بالطعن في حقيقة وسيرورة شعب آخر لأسباب سياسية وأيديولوجية يشهد له التاريخ بمصاحبته له .

فلن يستطيع الكردي إلغاء الآشوري (أو السرياني) بجرة قلم وحقد عنصري ثقافي أو غاية سياسية وكذلك العكس .كوننا أبناء تاريخ وجغرافيا واحدة في الكثير من مفاصل التاريخ وقد كنا أصحاب ثقافة مادية وروحية واحدة حتى وقت ما في التاريخ بالرغم من اختلافات اللغة والثقافة الآن وقد فرقت بين أنواع الشعوب ما بين النهرين وعلى رأسها الآشوريون والكرد وشكلت لمساحات تشمل على حياة مشتركة متميزة عن المساحات الأخرى فسمي متحدا وبالرغم من ذلك كان هذين الشعبين على صلة قريبة من حيث الاشتراك في الحياة وولد تجانسا في العقلية والصفات والكثير من العادات والتقاليد والأزياء والتقارب النفسي وشؤون الحياة العامة والمآتم والأساطير وطريقة دفن الموتى ونظام العائلة والعلاقات بين الناس في المجتمع والتقاليد .
   خلاصة القول ومفاده هو أن الكرد والآشوريين كانوا وما زالوا شعوب معاصرة لبعضها منذ سنوات طويلة وسيبقون على المدى المنظور .

فما عليهم الحفاظ على هذا الرابطة التاريخية وأن تسود بينهم العلاقات الأخوية كشركاء حقيقيين في المستقبل وألا تشوبهم أي ثقافة وفكر غريب تجعل منهم على خلاف لأن مصيرهم في المستقبل سيكون مشتركا في السراء والضراء فعلى النخب الواعية من الشعبين أن تعمق العلاقة والروابط ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وترك التاريخ للتاريخ والافتخار بصفحاته المشرقة وزرع روح الإخاء والمعاشرة الإنسانية بعيدا عن كل ثقافة قومية عنصرية وطائفية مقيتة حيث لا أحد يستطيع أن يفصل بين المشاعر الخفية والباطنية لدى كل شعب بمفرده  لسبب بسيط  جداً لأنهم أصحاب جغرافية متداخلة ومشتركة ووطن تاريخي واحد رسم خريطته على رمال ضفاف أنهاره وصخور جبالهم الشماء فلا أحد يستطيع محوها بسهولة وبنزعة فردية ومزاج عابر .

  xkalo58@gmail.com   

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…