لكن الذي حصلَ قبل عقد المؤتمر من ناحية إصرار البعض على إقصاء الآخر لأسباب خاصة به لا يندرجُ البتة في خانة النضال الوطني الكردي ولا يخدمه بحال من الأحوال، بل يعتبر تصرفاً فوقياً يسيء إلى عملية النضال الديمقراطي السلمي واحترام الرأي الآخر.
وأعتقد بأن موافقة الأحزاب على ذلك القرار (الفيتو) كان قراراً خاطئاً وأساءَ إلى حدٍّ ما لهذا العمل الوطني الكبير الذي انتظره شعبنا طويلاً، وترك فيه ثغرة يجب على الحكماء من أبناء شعبنا السعي لمهمة إصلاحه كي يكتمل هذا العمل ويأخذ الجميع مواقعهم تحت رايته والسير على طريق تحقيق حرية شعبنا وحقوقه القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد.
ومن منطلق الحرص على الوليد الجديد وحمايته وتفعيل دوره في الحياة السياسية، يترتب على قيادة المجلس الوطني الكردي التحلي بالمرونة والحكمة خدمةً للهدف النبيل الذي نسعى جميعاً لتحقيقه، والمبادرة السريعة لتوسيع المجلس كي يضم القوى التي بقيت خارجه .
علينا جميعاً، أحزاباً، جماهير وطنية، شباباً، كتاباً ومثقفين..
أن نعيَ بأننا نعيش اليومَ عصراً جديداً يستوجبُ طريقة جديدة من التفكير ونمطاً جديداً من العمل يستند إلى الوضوح والصدق والشفافية ويعتمد على مبدأ ثقافة وسياسة الحوار واحترام حقوق الأقلية، وأن نقتنعَ بأن زمنَ الانقلابات وعقلية الاستئثار بالقرار السياسي من جانب جهة محددة بعينها قد ولّى إلى غير رجعة، وأن سياسة الإقصاء والتهميش هي سياسة ظالمة أياً كان مصدرها ولا يجوز السماح بممارستها بحالٍ من الأحوال.
من جهة أخرى، علينا أن نعترف بأن أحزابنا رغم عثراتها هنا وهناك، وأخطائها وانشقاقاتها عبر العقود الماضية هي جزءٌ من تاريخنا السياسي، وقد قدّمتْ لشعبها حسب معرفتها وظروفها الموضوعية كلَّ ما استطاعت تقديمه، وهي تستحق التقدير والاحترام على نضالاتها وتضحياتها في تلك الأيام حالكة السواد.
يجب على النشء الجديد قراءة تاريخ حركته السياسية بتأنٍ وموضوعية وتشخيص أخطائها للاستفادة منها، وتكييفها مع الظروف المستجدة كي تتحول إلى أدوات فاعلة ومؤثرة ضمن إطار وطني جامع وبرنامج عمل عصري ينظم العلاقة بين أطرافها.
كما ينبغي على قيادات أحزابنا أن تدركَ هي أيضاً بأن جيلاً كردياً جديداً مسلحاً بالعلم والمعرفة والثقافة قد دخلَ الساحة السياسية، ويتمتع هذا الجيل بقدرة كبيرة على التحليل والتفاعل مع المعطيات الجديدة وثورة التقانة ، ويستطيع أن يقدِّم الكثير لخدمة شعبه، ولا يمكن التعاطي معه بعقلية وأساليب العمل التي كانت متبعة قبل ربع قرن من الزمن، ويترتب عليها تفهّمَ هذا الأمر الواقع والاستعداد التام لتقبله، والقدرة على احتضان هذا الجيل النشط والاستفادة من طاقاته الخلاقة لخدمة القضية القومية المشروعة لشعبنا الكردي وخدمة بلدنا سوريا، والكفّ عن وضع العراقيل والموانع المصطنعة أمام توحيد الصفوف ووحدة الكلمة الكردية التي يطالب بها هؤلاء الشباب الذين يدركون جيداً أنه في عصرنا هذا، لا يوجد فيه مكان ولا احترامٌ للضعفاء والمشتتين اليائسين، وأننا بوحدتنا نزداد قوة واحتراماً وتبوأً لمكاننا الطبيعي بين أبناء الوطن وقواه السياسية.
بممارسة المهاترات والسياسات العنفية الاستفزازية والابتعاد عن لغة وثقافة الحوار والتفاهم وقبول المختلف، تزداد الخلافات الكردية عمقاً والتشنجات توتراً، وتعمّ الساحة أجواء المشاحنات والمواقف المسبقة التي كانت سائدة قبل أيام الثورة السلمية ورياح التغيير التي هبَّتْ على شرقنا.
على الشباب من أبنائنا التحلي بالمرونة واليقظة، والإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية وتجنب التطرّف في المواقف والرؤى، لأنها تقود في النهاية إلى ما لا يرضي الجميع.
* عن جريدة الوحدة (يكيتي) – العدد (220) تشرين الثاني 2011
لقراءة مواد الجريدة كاملة انقر هنا