تنويه: تم اعداد هذه الدراسة قبل خمس سنوات ووزعت حينها /10/نسخ لبعض الرفاق والأصدقاء لإبداء رأيهم في الموضوع وقد نصحوني وقتها بأن الظرف السياسي الآن لا يساعد على نشر مثل هذه الآراء ،كما قمت بنشرها في النشرة الداخلية للحزب تحت اسم مستعار/دلشاد رشو/نظرا لطبيعة وآلية النشرة قبيل المؤتمر الخامس للحزب في /2007/
كثرت منذ فترة الاطروحات التي تتقدم بها بعض الأطراف السياسية والشخصيات الكردية وخاصة من قبل الجالية الكردية في الخارج، ونظرا لسهولة وسائل الاتصال اليوم بين الداخل والخارج عبر شبكات الانترنيت والفضائيات الكردية ، فإن هذه المفاهيم والمصطلحات الجديدة بدأت تنتقل إلى الداخل وتثير جدلا واسعا لدى الطبقة السياسية الكردية والمثقفين الكرد ، وأضحت تحوز على اهتمام الجيل الجديد من الشباب ، إضافة إلى تأثير تجربة إقليم كردستان العراق المباشر على ذهنية الإنسان الكردي ودفعه باتجاه طرح مفاهيم سياسية جديدة حول القضية الكردية بعيدا عن أي دراسة علمية واقعية لماهية وجوهر القضية الكردية في سوريا وخاصة ما يتعلق با لجانب الديمغرافي (جغرافي – بشري) ، ولعل من بين أهم المفاهيم المطروحة الآن مقولتا (الفيدرالية والحكم الذاتي) وإطلاق التسمية الكردستانية على الأحزاب السياسية ، وقد بدأت التنظيمات والتكتلات السياسية في الخارج تتبنى عمليا هذه المفاهيم ، والسؤال المطروح: ترى هل تمت دراسة معمقة لمجمل جوانب هذه الاطروحات في إطارها الجغرافي والتاريخي والسياسي والقانوني ؟ أم أن الموضوع لم يتعدى الجانب العاطفي والتقليد الكردستاني – العراق نموذجا-؟ وحسب متابعتي للموضوع فإنني لم أجد حتى الآن أي دراسة من قبل أصحاب الطرح – باستثناء دراسة الأخ نوري بريمو حول الإدارة السياسية الذاتية- وعليه على ما يبدو فإن طغيان الجانب العاطفي على الجانب العلمي الموضوعي هو المحرك الأساسي لمثل هذه الاطروحات ، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى نجد أن الاطروحات المتبعة حتى الآن من قبل الحركة الكردية في الداخل تتراوح بين (حقوق قومية – حقوق قومية ديمقراطية – حقوق سياسية ثقافية اجتماعية – الإدارة الذاتية … الخ) وجميعها تتسم بالضبابية وعدم الوضوح ، لدرجة أنه لو سألنا قياديا في حزب معين حول توضيح إحدى هذه المقولات التي يتبناها فإننا سوف نتلقى جوابا يختلف في الكثير من نقاطه مع جواب قيادي آخر يعمل في نفس الحزب ويحمل نفس الصفة الحزبية .
ولما كان من الأهمية اليوم أن نقف بعمق وموضوعية عند هذه الإطروحات ودلالاتها المعرفية لنتمكن من اختيار الأنسب والمنسجم مع واقعنا الجغرافي الموزع والمتباعد والمتداخل مع الأقوام الأخرى (عرب – آثوريين …)
لذلك فإن الوقوف على حقيقة وجوهر القضية الكردية في سوريا كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية يعتبر مدخلا سليما وموضوعيا للبدء بالإسقاط السياسي على هذه الحقيقة بشكل يؤمن المساواة والعدالة والحرية للشعب الكردي في سوريا بعيدا عن ذهنية الإقصاء والإلغاء والاضطهاد الممارس منذ نصف قرن .
من المعلوم تاريخيا إن كردستان كوطن للكرد قسمت بين أربع كيانات سياسية (تركيا – إيران – العراق – سوريا) بموجب اتفاقية سايكس – بيكو وملحقاتها بعد أن كانت قسمين (تركيا – إيران ) وان قسما منها أو أقسام من هذه الجغرافية (الجزيرة العليا – كوباني – عفرين) ألحقت بالدولة السورية الحديثة النشوء بعد الحرب العالمية الأولى بموجب خط بروكسل /1924/ دون أي اعتبار لإرادة شعوب المنطقة من العرب والكرد ، كما أن هناك جالية كردية كبيرة موزعة بشكل عشوائي ، سواء بفعل الهجرة الداخلية بحثا عن ظرف اقتصادي أفضل أو بسبب الوجود التاريخي في العديد من المناطق ذات الأغلبية العربية (الحسكة – تل أبيض – الرقة – عين عيسى – منبج – الباب – السفيرة – إعزاز – نبل – جرابلس – حلب – جبل سمعان – ريف اللاذقية ….
الخ) بالإضافة إلى وجود جالية كبيرة في حماة وريفها ودمشق ومن الملفت للنظر أن هذه المناطق الكردية الأصلية وكذلك مناطق الانتشار الكردي الآنف الذكر تتركز جميعها في شمال سوريا ما عدا دمشق وحماة .
ومن هذا المنطلق يجب البحث عن صيغ سياسية تؤمن مشاركة معظم أبناء الشعب الكردي في إطار الحل المستقبلي المفترض للقضية الكردية في إطار الوطن السوري .
وعليه فإن مناقشة جميع الحلول المطروحة من قبل الحركة الكردية والشخصيات الأكاديمية من الباحثين الكرد بهدوء ومسؤولية يجب أن يدخل في صلب الاهتمام الكردي اليوم بغية الوصول إلى فهم مشترك وعلى ضوئه يتم صياغة الخطاب السياسي الكردي الموحد للعمل بموجبه محليا وإقليميا ودوليا .
ولعل الضرورة تقتضي استعراضا سريعا للحلول المطروحة اليوم ومناقشتها وتبيان الجوانب السلبية والايجابية منها ، مما قد يدفعنا البحث إما إلى إغنائها أو استنباط حلول أخرى أكثر ايجابية وأقل سلبية وقد تكون غير مطروحة على الساحة اليوم .
الطرح الأول : وهو ما يعبر عنه بعض الأطراف في الحركة الكردية في المطالبة بـ (الحقوق القومية الديمقراطية – الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية – الحقوق القومية المشروعة …..)
إن المتمعن في هذه الشعارات يجدها فضفاضة وحمالة أوجه وتعني الكثير والقليل بنفس الوقت فالحقوق القومية أو الحقوق السياسية لشعب له خصائصه التاريخية واللغوية والجغرافية المتميزة ويعيش على أرضه تندرج في حده الأدنى بحقوق المواطنة الكاملة مع الشعب الآخر الذي يتعايش معه والذي يمتلك أكثرية سكانية.
وبمعنى أوضح يجب أن يكون في هذه الحالة للمواطن الكردي كامل حقوق المواطنة في جانبه السياسي والثقافي ما يوازي حقوق المواطن العربي أو الآثوري ضمن إطاري الدولة السورية ووفق دستور يتساوى فيه المواطنون جميعا في الحقوق والواجبات دون منح خصوصية معينة للمكونات التي هي أقل عددا من المكون الأساسي سوى ممارسة ثقافته الخاصة في مؤسسات خاصة (السريان نموذجا) .
ويعتبر إعلان دمشق تعبيرا حقيقيا عن هذا الطرح، فالقوى الديمقراطية العربية رفضت بشكل قاطع إدراج تعبيرات معينة في البيان يشتم منها رائحة الخصوصية القومية مثل (الحقوق القومية للشعب الكردي أو بما يضمن الحقوق السياسية للشعب الكردي … الخ) وأصرت على أن لا تخرج مقولة الحقوق القومية من دائرة مفهوم المواطنة وحقوق المواطنة ، وعليه فإن ممارسة هذه الحقوق ما هي إلا شكل من أشكال الانحلال التدريجي والطوعي في المكون الرئيسي (العربي) .
أي الاندماج المجتمعي الطوعي بشكل مرن مثلما يمارس الآن في أوربا من خلال تعاملها مع الجاليات غير الأوروبية (المهاجرة) .
وهذه الصيغة من الحقوق لا تلبي في المحصلة رغبات الشعب الكردي في التعبير عن خصوصيته القومية كشعب وكشريك أساسي في تكوين الدولة السورية كما أسلفنا في المقدمة ، ولهذا السبب أيضا اضطرت الأحزاب الكردية الموقعة على إعلان دمشق إلى إصدار رؤية كردية خاصة بهم تختلف كليا عما تم التوقيع عليه في إعلان دمشق ..
في محاولة منها لتدارك الموقف الرافض كرديا للإعلان .
ومن الجهة الثانية فأن تعبير (الحقوق القومية الديمقراطية – الحقوق السياسية ..) يمكنها أن تندرج في حده الأعلى في إطار حق تقرير المصير وفق شرعية الأمم المتحدة والقوانين الدولية المعنية بقضايا حقوق الشعوب المضطهدة ، بما فيه حق الاتحاد الاختياري أو حق الانفصال وعبر استفتاء الشعب حول الموضوع (تيمور الشرقية مثلا) من هنا نجد أن الفصائل الكردية التي تتبنى هذا الشعار (الحقوق القومية الديمقراطية…) لا تستطيع حسم الموقف النهائي وتفضل التعامل بضبابية مع الطرح تجنبا لاحراجات سياسية سواء مع الشعب الكردي أو مع النظام أو مع المعارضة لذلك فهم يمارسون ازدواجية مفرطة ، ففي المنطقة الكردية يقولون شيئا وفي دمشق شيئا آخر وفي باريس وواشنطن تفسيرا مختلفا .
وبالتالي فقد أصحاب هذا الشعار المصداقية في التعامل بوضوح مع القضية الكردية في محيطه الكردي والعربي والدولي .
ويفترض بأصحاب هذا الطرح أن يعيدوا النظر بهذه المقولة وتحديد المحددات الأساسية له ، لكن يبدو أن الوضع الديمغرافي المعقد للكرد يدفعهم إلى الاستمرار في التعامل مع هذا الطرح بهذه الصورة وهذا ما لم يعد قادرا على الثبات في وجه متطلبات المرحلة المقبلة التي تجاوزت موضوع المطالبة بالاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي ودخلت مرحلة ماذا يريد الشعب الكردي ؟! .
الطرح الثاني : (الإدارة الذاتية – الحكم الذاتي – الفيدرالية) : يبدو للوهلة الأولى تقارب هذه المصطلحات من الناحية النظرية مع وجود نوع من التدرج للخط البياني المتصاعد في الطرح مع الابتعاد عن الضبابية والديماغوجية إضافة إلى مراعاته للخصوصية القومية بشكل مقبول ، لكن السؤال هل هناك إمكانية في إخضاع هذا الطرح للممارسة العملية حتى إذا سلمنا جدلا بوجود حياة ديمقراطية حقيقية وقبول من الطرف العربي بممارسة الكرد لحقهم الديمقراطي الطبيعي في إدارة أنفسهم ضمن إطار الدولة السورية الواحدة .
أعتقد أن الجواب عليه صعب ومعقد للغاية نتيجة تعقيدات الوضع الديمغرافي الكردي في شمال سورية وتباعد مناطق تمركزه الأساسية من بعضها البعض بمسافات كبيرة (جزيرة – كوباني (عين العرب) – عفرين) تفصل بينها تجمعات عربية ، إضافة إلى وجود تجمعات عربية – آثورية في بعض المناطق الكردية الأساسية (قامشلو مثالا) حيث تصل هذه التجمعات بشكل مترابط إلى المدينة من جهة الجنوب (قبيلة الطي) وكذلك وجود تجمعات كردية مقطوعة الامتداد الكردي في بعض المناطق الأخرى (مدينة الحسكة – الرقة –….) ناهيك عن وجود العديد من القرى الكردية وجالية كردية كبيرة في مدينة حلب نفسها وريفها (منبج – باب – سفيرة) والرقة وريفها ، إن هذا الوضع المعقد للتواجد الكردي في الشمال السوري مع تداخل الأقوام الأخرى فيما بينهم يشكل صعوبة كبيرة في رسم الخارطة الديغرافية للإقليم الفدرالي المفترض ، هذا من جانب ومن جانب آخر ليس من حقنا أن نفرض خارطتنا على الآخرين من جانب واحد أي في حال عدم قبول الآخرين الانضمام طوعا إليها .كما أن ربط هذه المناطق الأساسية الثلاث بعضها ببعض بطرق برية وعلى امتداد يزيد عن /600/ كم وتفصل بين كل منطقة وأخرى مسافة /150-200/ كم أمر غير منطقي ومن الاستحالة السيطرة السياسية والإدارية على الإقليم كإقليم موحد من خلال هذه الطرق ، إضافة إلى ذلك فإنه يتم حرمان ما لا يقل عن ثلث شعبنا المتواجد في حلب وريفها والرقة وريفها وبعض المناطق من الجزيرة من الانضام إلى هذه الخارطة ، ناهيك عن وجود نوع من التباين في بعض العادات والتقاليد بين هذه المناطق نتيجة هذا التباعد الجغرافي الكبير .
ونتيجة لكل هذه الاعتبارات مجتمعة فإنني أجد في طرح الحكم الذاتي أو الفيدرالية طرحا صحيحا كممارسة لحق شعب أصيل، لكنه غير عملي نظرا لاستحالة تكوين خارطة ديمغرافية حقيقية لتواجد الشعب الكردي بشكل مقبول ، وبالتالي فإن هذا الطرح يندرج ربما في سياق العاطفة أو التقليد ، ولم أجد حتى الآن دراسة جدية من قبل أي طرف سياسي يتبنى هذا الطرح سوى رفع الشعار (الحكم الذاتي لكردستان سوريا) أو الفيدرالية .
وتبقى مقولة (الإدارة الذاتية للمناطق الكردية) من أكثر المقولات مرونة ، حيث تتوفر فيها إمكانية التوسع والتضييق للدوائر الكردية مع إمكانية تطبيقها على أحياء المدن ذات الكثافة الكردية الكبيرة كدمشق وحلب والرقة وحماة …..الخ.
لكن من مثالب الإدارة الذاتية القومية تشكيل كتل صغيرة ومتباعدة (جيتو) ولا تملك مقومات البقاء السياسي الموحد ، ناهيك عن عدم وجود أي ترابط اقتصادي وثقافي واجتماعي للتواصل بين هذه التجمعات وبذلك تفقد الشخصية الكردية مقوماتها القومية تدريجيا ،وبناء على ما تقدم يجب التفكير جديا بحل آخر أكثر عملية ويحقق الترابط الحقيقي بين المناطق الكردية الأساسية والتجمعات المتناثرة هنا وهناك ، ولا يتم ذلك إلا من خلال نظام فدرالي على مستوى سوريا ككل ، بحيث يتم تقسيم سوريا إلى أقاليم وفق مبدأ اللامركزية السياسية على أن يتم تشكيل إقليم شمالي سوريا (مشترك) تضم محافظات حلب – الرقة – الحسكة – وإقليم الساحل ويشمل محافظتي اللاذقية وطرطوس والإقليم الجنوبي ويشمل (دمشق – درعا – السويداء – قنيطرة) وإقليم الداخل أو الوسط ويضم محافظات (ادلب – حماة – حمص – دير الزور) مع الأخذ بعين الاعتبار بأن التقسيمات الإدارية الحالية ليست مقدسة وعليه يجب أن يعطى الحق لبعض الأقضية والنواحي بالانسحاب من هذا الإقليم والانضام إلى إقليم مجاور يشعر فيه بالاندماج أكثر من غيره ، كما يجب أن يعطى الحق بتشكيل دوائر صغيرة لفئة متميزة (دائرة قومية) داخل الإقليم الواحد إذا اقتضت الضرورة وذلك بناء على رغبة هذا التجمع (النموذج الروسي) .
ومع علمنا المسبق بأن هذا الطرح سوف يثير الكثير من اللغط والنقاش وهذا ضروري ، لكن في المحصلة يبقى – حسب وجهة نظري – المخرج السليم والواقعي لكل مكونات المجتمع السوري لاعتبارات عدة منها :
1-إن المجتمع السوري مجتمع متعدد القوميات والأديان والطوائف إضافة إلى وجود تجمعات قبلية ومدينية تختلف بعضها عن بعض في الكثير من العادات والتقاليد ، وبالتالي فإن هذه الكيانات التي ذكرتها والتي هي قريبة عن بعضها جغرافيا قريبة إلى حد كبير في الكثير من المفاهيم والعادات وهذا ما يؤمن استقرارا مجتمعيا أكثر مما نحن عليه الآن .
مثال : القبائل العربية المتواجدة في الجزيرة والمتجاورة للعشائر الكردية تربطها علاقات حسن جوار (اجتماعيا واقتصاديا)مع الكورد، بينما لم يستطيعوا حتى الآن أن يقيموا علاقات طبيعية مع المستوطنين العرب الذين قدموا إلى الجزيرة من محافظات أخرى .
2- إن النظام الفيدرالي كأحد النظم البشرية المتبعة في العالم أثبت قدرته على الاستقرار والاستمرار أكثر من أي نظام آخر على تحقيق العدالة والمساواة والدمج المجتمعي ، وليس صدفة أن يتم اللجوء إلى هذا النظام في معظم الدول المتحضرة (أوروبا – أمريكا – كندا – الهند ….الخ) حيث يشعر كل تكتل في هذا النظام بأنه شريك أساسي في بناء الدولة بعيدا عن أي غبن أو استئثار بالقرار السياسي من قبل فئة معينة ولعل التجربة الرائدة لدولة الإمارات العربية خير مثال في المنطقة ، حيث نجد أن دولة الإمارات العربية حديثة النشوء مقارنة بعدد كبير من الدول العربية ، وبفضل المرونة السياسية التي يتبعها النظام استطاعت أن تحقق قفزات هائلة في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والإعلامية ودخلت القرن الجديد كإحدى الدول العالمية الرائدة في الاقتصاد ، لا بل منافسة قوية للكثير من الدول المتقدمة عالميا وهكذا أثبت الواقع العملي بأن الدول المركبة (الفدرالية) في نظامها أفضل بكثير من الدول البسيطة (المركزية) .
3- إن سورية لم تشهد منذ نشوئها حياة سياسية طبيعية ، فالقبضة العسكرية والأمنية كانت ولا تزال هي التي تؤمن عامل ما يسمى الاستقرار والاستمرارية للدولة بالقوة ، وبالتالي لم يحصل أي اندماج مجتمعي طبيعي بين مكوناته الاجتماعية ، بل العكس من ذلك حصل تنافر كبير بين شرائح وفئات المجتمع بشكل مخيف نتيجة ممارسات الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم وعليه فقد طغى على الكثيرين منهم شعور الاضطهاد والغبن كالشعب الكردي والدروز وغيرهم .
4- إن هذا الطرح لا يعتبر انفصاليا أو تفتيتا للدولة كما قد يتصوره بعض الغلاة من القوميين العرب ، كما لا يعتبر في الوقت نفسه تخليا عن الحقوق القومية للشعب الكردي كما قد يتصوره بعض السياسيين من الكرد والعاطفيين ، بل العكس من هذا وذاك فإن هذا الطرح يحقق الاستقرار والاستمرارية للدولة بشكل مرن وعن قناعة بعيدا عن القبضة الأمنية من جهة ويؤمن الحقوق القومية للكرد كشريك أساسي في الوطن السوري من جهة أخرى وكذلك حقوق الأقليات القومية الأخرى .
ويبعد عن المجتمع شبح العنف المجتمعي والانقلابات العسكرية والقمع والتمردات واستئثار فئة على حساب فئة بالقرار السياسي للدولة .
ويتم كل ذلك عبر تفاهمات وتوافقات وطنية مدروسة بعناية ومن ثم صياغة دستور فدرالي للدولة يشارك فيه كل أطياف المجتمع السوري بناء على تلك التوافقات.
أما كيف يحقق هذا النظام الحقوق القومية للشعب الكردي ولا يلغيه فإن الموضوع يحتاج إلى توضيح أكثر .
– من المعلوم أنه بات واضحا أن الأجزاء الكردستانية الملحقة بالدولة السورية أضحت جميعها ضمن الإقليم الشمالي المفترض بالإضافة إلى التجمعات الكردية المتناثرة في المحافظات الثلاث ، وبالتالي أصبح الشعب الكردي أرضا وشعبا ضمن خارطة الإقليم الشمالي وعليه يجب أن يثبت هذه الحقيقة الديمغرافية في دستور الدولة الفدرالية وان يسقط هذا الواقع على دستور الإقليم أيضا على أن يذكر صراحة بأن الإقليم الشمالي يتكون من قوميتين رئيسيتين (كردية – عربية) بالإضافة إلى القومية الآثورية (سريان +آشوريين+كلدان) وكذلك الأقليات الأخرى .
وان يتم تثبيت حقوق هذه القوميات (السياسية والثقافية والاجتماعية) في دستور الإقليم والمشاركة السياسية وفق المبدأ الديمقراطي النسبي وعبر صناديق الاقتراع ، وبالتالي تؤمن هذه الآلية مشاركة الجميع كردا وعربا وآثوريين في صناعة القرار السياسي وإدارة الإقليم التنفيذي والتشريعي كل حسب نسبته .
أما ايجابيات هذا النظام الفدرالي على الشعب الكردي وكذلك الآثوري فهي كثيرة أهمها :
1- إن المجتمع الكردي من ديريك حتى عفرين مرورا بالحسكة والرقة وكوباني يصبح كتلة موحدة دون فواصل ونتوءات وطرق ملتوية وبالتالي سوف يشكل حجما مقبولا ومؤثرا من كتلة شعب الإقليم بعربه وسريانه وبالتالي فإن هذا الحجم الذي قد يزيد أو ينقص عن 50% سوف ينعكس تلقائيا على إدارة الإقليم وفقا للمبدأ الديمقراطي السابق كما أن هذه الخاصية من التوحيد سوف يستفيد منها كثيرا الأخوة الآثوريون ايضا خاصة إذا علمنا ان كثافة تواجدهم في الحسكة وحلب كثيرة وبالتالي يؤمن لهم وضعية سياسية أفضل مما هم عليه الآن .
2- إن مدينة حلب كحاضرة اقتصادية ضخمة سوف تكون عاصمة الإقليم وبالتالي فان الطاقات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها المحافظات الثلاث سوف يشكل تكاملا اقتصاديا متميزا يؤثر ايجابيا على تحقيق الرخاء الاقتصادي لشعب الإقليم ويساهم ذلك بشكل ايجابي في الاندماج المجتمعي بشكل طبيعي من خلال الاحتكاك الاقتصادي والاجتماعي المباشر بين مكونات مجتمع الإقليم .
3- إن العرب الذي يعيشون في هذه المحافظات الثلاث لهم علاقات اقتصادية وزراعية وتجارية وصداقة مع الكرد إضافة إلى وجود نوع من علاقات المصاهرة والشراكة والاحتكاك اليومي ، لذلك فهم أقل الفئات العربية تشجنا من الكرد بعكس الذين يعيشون على بعد مئات الكيلومترات عنهم ولا يعرفون عن الكرد شيئا سوى ما يلقن لهم من أفكار وأغلبها عنصرية ، لذلك ليس غريبا أن يكون أكثر الشخصيات السلطوية التي مارست السياسية العنصرية والقمع بحق الكرد من خارج المحافظة (محمد طلب هلال – سعيد السيد – اسماعيل عقلة ……الخ) وفي المقابل تجد إن بعض المسؤولين من أبناء هذه المناطق اقل حدة من الآخرين في التعامل مع الكرد ، وهذا يعود بالفضل إلى هذا الاندماج المجتمعي الطبيعي ي والاحتكاك اليومي بين الشعبين رغم مرور نصف قرن من ممارسة الفلسفة العنصرية من قبل الأنظمة .
4- إن هذا الطرح يؤمن غطاءا ايجابيا لزرع الثقة بين القوى العربية والكردية ، لأن الخوف العربي من هاجس الانفصال الكردي وخوف الكردي من نظرية الاحتواء أو الإلغاء العربي للوجود الكردي (نظرية الصهر القومي) يحول دون حصول التقارب المطلوب ، لذلك نجد أن الحوارات مع القوى السياسية العربية على الأغلب تأخذ طابع الحذر المتبادل فالاختلاف على مفردات يفترض أن تكون بديهية (قضية كردية – شعب كردي – حقوق سياسية – قومية ثانية ….الخ) مرده في الأساس هو فقدان الثقة وخوف كل طرف من الآخر بأن يقع في مطب أجندة الآخر دون أن يدري .
وختاما لا بد من التأكيد بأن هذا الطرح جهد فردي نظري متواضع نابع في الأساس من التجربة اليومية والاحتكاك اليومي مع القوى الكردية والعربية وهو بحاجة إلى نقاش جاد من قبل جميع الأطراف المعنية ومن جميع جوانبه السلبية والايجابية عسى أن نوفق في وضع اللبنة الأولى في جدار البناء المستقبلي السليم للدولة السورية.
ملاحظة :(تم إدخال بعض التغيرات الطفيفة في الدراسة انسجاماً مع المرحلة)