سوريا – الاستعمار – النظام وخيارات المعارضة

الدكتور عبد الحكيم بشار

إن الدولة السورية الحالية وبحدودها السياسية وتركيبتها القومية والدينية المتعددة ليست وليدة الجغرافيا أو الإرادة الحرة لسكانها وإنما جاءت وليدة لاتفاقيات استعمارية (اتفاقية سايكس بيكو) تلك الاتفاقية التي رسمت الحدود السياسية لدول المنطقة وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية على شكل مناطق نفوذ بين الدوليتين العظميين آنذاك بريطانيا وفرنسا ، ولم يكن لشعوب المنطقة أي رأي في اختيار تقرير مصيرها بنفسها وإنما جاء رسم تلك الحدود كإرداة استعمارية.

ثم جاءت الأنظمة الاستبدادية إلى سدة الحكم والتي استمرت لعقود من الزمن وامتلكت فسحة كبيرة من الزمن والقوة والخبرة لتكون استمراراً لذلك الاستعمار على الصعيد السياسي ومعبراً عن إرادة ليس للشعب السوري فيها أي رأي أو أقل ما يقال أنها رسخت ما بدأه الاستعمار وذلك بالعمل على خطين :
1- العمل على صهر القوميات الأخرى خاصة الكردية وفق سلسلة من الإجراءات الشوفينية والتي باتت معروفة وذلك بغية خلق وحدة مشوهة وقسرية  .

2- عمل على سياسة فرق تسد وذلك بزرع الشك والريبة بين مختلف المكونات لتصبح السلطة مرجعيتها الوحيدة من خلال سياسة ديماغوجية أثبتت إلى درجة ما قدرتها على نزع الثققة بين مختلف مكونات الشعب وبالتالي إضعاف القدرة الجماهيرية والمجتمعية لسوريا في مواجهة الاستبداد .
ومنذ اندلاع الثورة السورية والتي دخلت شهرها العاشر والتي دفع السوريون خلالها حتى الآن أكثر من خمسة آلاف شهيد وآلاف المفقودين وعشرات الآلاف من المعتقلين ، وبات شعارها الرئيس الرئيسي إسقاط النظام ، وهذا يعني فيما يعنيه بالنسبة للثورة وشهدائها وقياداتها الميدانية وكافة الثوار بناء سوريا جديدة ليس على غرار سوريا (البعث – سوريا الأسد) وإنما سوريا لكل السوريين ولكن لا تزال المعارضة السورية متلكئة بل حتى متخبطة ، فالثورة وعدد الشهداء وإصرار الثوار على بناء سوريا جديدة قد تجاوزت نمط التفكير الكلاسيكي للمعارضة وعلى المعارضة خيارات محدودة لا يمكن تجاوزها للحاق بالثورة لتكون جزءاً منها أو حتى ممثلاً لها إن نجحت في أدائها السياسي ، وإلا فإن المعارضة في وضعها الحالي إذا لم تكن شكلاً من أشكال التعبير عن ثورة مضادة فإنها لا يمن إطلاقاً أن تكون معبراً عن ثورة سوريا   لكل السوريين وخيارات المعارضة تكمن في :
الأول – إزالة آثار الاستعمار : وهنا لا نتحدث عن إعادة ترسيم للحدود السياسية للمنطقة أو لسوريا وإنما إعاد ترسيم داخلي وبمعنى آخر الحفاظ على الحدود السياسية لسوريا وإقرار حق تقرير المصير للمكونين الرئيسيين (العرب والكرد) ضمن وحدة سوريا أرضاً وسيادة ومن خلال عقد اجتماعي جديد وطوعي يقوم على شراكة حقيقية بين المكونين الرئيسيين وباقي القوميات والأقليات المختلفة .
وبذلك نكون قد ألغينا الوحدة القسرية التي أوجدها الاستعمار وأنجزنا وحدة طوعية من خلال إرادة جمعية لمختلف المكونات ووفق صياغة وطنية بامتياز .
الثاني – إزالة آثار الاستبداد والشمولية : ويعتبر هذا شرطاً ضرورياً لبناء سوريا جديدة لكل المواطنين ، فالاستبداد خلق حالة من الخوف بين مختلف المكونات واستغل التنوع والتعدد في سوريا لمصلحة النظام وليس لمصلحة سوريا التعددية باتباع الديماغوجيا السياسية ، وتخويف المكونات من بعضها البعض من أجل الاستمرار والديمومة فإن النظام يحاول حالياً إقرار إصلاحات هي دعائية ومزيفة أكثر من كونها واقعية . لذلك على المعارضة الوطنية السورية العمل على إزالة آثار الاستبداد من خلال برامج وطنية واضحة وجريئة وشفافة تطرحها على الملأ دون خوف أو تردد ، فالمعارضة التي ترى نفسها نقيضة للنظام يجب أن تتحلى بالجرأة والشجاعة ليس من خلال مناداتها بإسقاط النظام لأن ذلك لا يعبر بالضرورة عن تناقضها مع النظام حول مستقبل سوريا وإنما قد يكون أحد أشكال الصراع على السلطة .
لذلك المعارضة الحقيقية التي تبحث عن مستقبل سوريا آمنة مزدهرة ستكون هي التي تعمل على النقيض من النظام من خلال برامج سياسية وطنية تقر أولاً بالواقع التعددي (خاصة القومي) لسوريا وتقر ثانياً بحق تقرير المصير لكل مكون على قاعدة وحدة سوريا أرضاً وسيادة وإلغاء جميع السياسات الشوفينية التي طبقها الاستبداد ومعالجة آثارها وتداعياتها والتعويض على المتضررين ، وإعادة ترسيم الحدود الإدارية لمختلف المناطق وفق رؤية قائمة على احترام التنوع والتعدد في سوريا ، وبذلك نكون أمام معارضة تعمل على إزالة آثار الاستعمار والاستبداد معاً ، معارضة تسعى لبناء سوريا جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، سوريا تحترم إرادة ورغبات مكوناتها المتعددة تحت سقف الوطن الواحد هو (سوريا لكل السوريين).     
22/12/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرزاد هواري

رغم مرور ما يقارب سبع سنوات على الوضع الاستثنائي في منطقة عفرين، وعجز كافة الجهات والأطراف والأحزاب الكردية عن إيجاد حلول إسعافية، بدءًا من المجلس الوطني الكردي كإطار سياسي وتنظيمي بمختلف تكويناته، ومؤتمر الإنقاذ والمجالس المحلية السبعة التي تميزت باستعداد معظم كفاءات المنطقة للتعاون، مفضلين مصلحة أهل عفرين على مصالحهم الشخصية، ومخاطرين بأنفسهم لإنجاز…

في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقة عفرين، نتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة المتعلقة بالتجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في المنطقة.

إن هذه الفصائل لم تكتفِ بفرض سيطرتها المسلحة على المنطقة، بل تجاوزت ذلك بالتدخل السافر في الشؤون المدنية والممتلكات الخاصة للمواطنين الكُرد. فقد تم إلغاء الوكالات القانونية التي منحها المغتربون لأقربائهم وذويهم،…

صلاح بدرالدين

الان ولنا كلمة بعد انقضاء امد الدعاية الانتخابية او حلول الصمت الانتخابي ….

من الواضح ان الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق : الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني قد دخلا مبكرا معترك الدعاية الانتخابية البرلمانية بكل قواهما البشرية ، والاعلامية ، حتى موعد اجرائها في العشرين من الشهر الجاري ، وقد وصلت نشاطات…

دلدار بدرخان

-مسعود البارزاني هذا الاسم الذي يتردد صداه في جبال كوردستان وسهولها ليس مجرد قائد سياسي عابر بل هو الزعيم والمرجع الكوردي الذي توارثته الأجيال واستودعته آمالها وتطلعاتها، و هو امتداد لتاريخ مجيد من النضال والتضحية، و حامل راية الكورد في كل معاركهم نحو الحرية والكرامة، و كما كان أسلافه العظام يقف البارزاني شامخاً صلباً…