نأمل أن لا تذهب مبادرة الحركة الكردية السورية إلى غرفة الإنعاش

سيامند إبراهيم

جولة عابرة لكنها مؤثرة, ومفعمة للنشاط الإنساني السوري الخلاق في هذه الربوع الجميلة, الربوع التي كسرت حاجز الخوف, وانطلقت الحناجر تهتف بموعد  ثورة الشباب السلمية المباركة من  جامع (قاسمو) أو كما يحلو للمتظاهرين من أهل القامشلي بتسميته بجامع (الحرية) لا كما سمتها الدولة بجامع الوحدة وهو تفسير أعجب به البعض الآن في ظل التئام الوحدة السورية في هذه المظاهرات الغالية على قلوب محبي وعشاق الحرية.

 لكن الشيء اللافت أنه ما إن تنتهي صلاة الجمعة حتى يباشر المتظاهرين بشعار (حرية, حرية حرية) ثم تنقل الشعارات في تصاعد من الحرية إلى الشعب السوري واحد, واحد واحد واحد, وتزداد الجماهير من بين متردد أن يشارك أو من فضولي ينأى بنفسه عن النزول ومراقبة ما يجري؟
والممعن جيداً في وجوه المتظاهرين أن جلهم من فئة الشباب المتحمس للتغير بشكل سلمي, الشباب الكردي والعربي السوري المغبون؟! ثم هناك حقيقة أخرى وهي أن هؤلاء الشباب يزدادون يوما بعد يوم, ولا تخيفهم أية قوة قاهرة: وشعارهم الموت ولا المذلة”  ثم تزداد حمى وطيس هذه الشعارات نحو … للحكومة الثانية, إلى الهجوم اللاذع لرامي مخلوف صاحب القاسد الاقتصادي الأول لإلى إسقاط الرئيس وغيرها من الشعارات واللافتات المختلفة من حيث المطالب ( دستور جديد, الاعتراف بالقومية الكردية, محاسبة القتلة من السلطات, تبييض السجون..

وغيرها) وفي الشوارع الفرعية تنشر العناصر الأمنية وعملاء ومخبري الأمن المعروفين, وهم يتابعون مختلف النشاطات, والفعاليات الشبابية من تصوير والتحديق في الوجوه المتظاهرين وحفظها في مخيلتهم القذرة.

 وظهرت في نهاية المظاهرة صوتي الفنانين الثوريين (شفان برور, وسميح شقير) مما بعثا بشحنات وحماس أكثر في نفوس المتظاهرين, ونقولها بصراحة لم نتوق إلى أن أسطر ملاحم هذه المظاهرات التي قام بها شباب الكرد بالدرجة الأولى والقلة القليلة من العرب, والسريان؟ و بعض قيادات الأحزاب الكردية من مراقبين لما يجري ومشاركات خجولة لرفاقهم, ومن متحمسين لمشاركة الشباب, ومن بروزات بعض القيادات الحزبية التي تبحث عن النجومية الطاووسية كما ظهر جلياً في مظاهرة أمس حيث جاءت بعض قيادات هذه الأحزاب التي كانت حذرة ومترقبة لهذه التظاهرات؟ وتتهرب من مسؤولياتها بشكل عام لحجج مختلفة, لكنها ستعرض عضلاتها تصريحاتها لوسائل الإعلام؟ لكن المآل والهدف الرئيس في هذا الخروج بالنسبة لهم هو حب الذات والاستعراض لاغير! وهذا ما حدث في نهاية مظاهرة الجمعة الأخيرة حيث حاول  نجم المظاهرات العتيد من إقناع الشباب :” بأنه منهم, وأنهم قدموا مشروع مبادرة الحركة الكردية” ويقصد مؤتمر الهلالية الذي انعقد تحت سمع ومباركة السلطات السورية وتحت ظل حزب ثوري غاب عن الساحة الآن وتلاشت نشاطاته السياسية وحراكه ناسياً مئات المعتقلين في السجون السورية؟!
ولا ننسى في هذا المجال أن الحركة الكردية السورية وقعت في مأزق كبير من مختلف النواحي؟ فهي من جهة تريد أن ترسل إشارات للسلطة بأن هذه المظاهرات إنما لاتعنيها بشيء, والذين يخرجون في أيام الجمع إنما هم شراذم ومندسين بحسب ما سمعه الكثيرين من قياديي هذه الأحزاب؟! والثانية هم يخافون من هذا الحضور القوي لهؤلاء الشباب السوري الكردي الذي يستطيع أن يتفوق عليهم في بيان فيسبوكي ويجمعوا المئات بل الآلاف والحركة الكردية مجتمعة لا تستطيع أن تجمع بضع مئات,  وأكبر دليل هو أن هذه المظاهرات التي يعلنون أن وجودهم الحزبي طاغ! ويبعثون نشطائهم إلى هذه المظاهرات, لكن أين حضورهم في (ديريك, كركي لكي, تربس بي) وهل عملاء السلطة ومرتزقته من أزلام العشائر أقوى منهم؟ و من المؤكد أن الحركة الكردية لا تزال غارقة في أوهام الحوار الايجابي مع السلطة؟ وتظن قيادات هذه الحركة أن النظام أصبح  عاقلاً ومدركاً, ووصل لقناعة تامة بالمصالحة الوطنية السورية, ووضع رؤساء الفروع الأمنية الذين زهقوا أرواح المواطنين العزل وفتكوا بالأطفال في السجون, ناسين أو متناسين احتراق الوطن السوري, وفي معرض هذا الموضوع قال لي أحد الخبثاء:”  يا لطيف يا مغير عقل البعث فهو طوال خمسون سنة مرت زجوا بنا في السجون, ومارسوا أبشع الجرائم الإنسانية في سوريا بحق الشعب السوري والكردي بشكل خاص؟! وها هم اليوم يتصلون بالحركة الكردية في كردستان العراق, ويدعون الحركة الكردية لأجل الحوار؟ لكن أي حوار يرجى,  وهل السلطات السوري جادة في هذا الحوار؟ بعد أن ارتفع سقف المطالب بالرحيل, بعد أن داخت ونشف ريق  أصوات العقل من الأصدقاء المقربين من الرئيس (كأردوغان وغيره من الشخصيات التي كانت محسوبة على سوريا كالمفكر الفلسطيني عزمي بشارة والصحافي القومي عبد الباري عطوان, وباتريك سيل وغيرهم..) وبالعودة إلى النهاية الغير سعيدة لهذا القيادي الذي شارك الشباب في مظاهرة القامشلي الأخيرة واستعرض عضلاته وفصاحته وألقى خطاباً نارياً حاول أن يقترب من روح الشباب وقال نحن طرحنا مبادرة كردية” فهبت جموع المتظاهرين وهتفوا :” أنطاليا… أنطالياً فسكت هذا القيادي وانسحب بهدوء نحو المواقع الخلفية التي عرف موقعه الطبيعي في هذه الأحداث.

,
تكلم السيد (عبد السلام) وهو أحد النشطاء وهدأ الشباب بكلمات تصر على روح الثورة السلمية ودور الشباب الطبيعي فيها, ومن ثم خطبت وقلت:” يا شباب أنتم ممثلي الشعب الكردي الحقيقي, وأنتم الثوريون السلميون, ولا تهتموا لأصوات الانتهازية, وقطف ثمار ما قمتم به من حراك سلمي, وأنتم بيضتم وجه الشعب الكردي في سوريا,  ولن تستطيع قوة في الدنيا أن تهزمكم, والصوت الوطني الفعال والمعبر عن الشعب, هو صوت الجماهير الحقيقي لا في الذين يذهبون إلى القصر للحوار على أشلاء الشهداء وصرير جنازير الدبابات التي تدك المدن في دير الزور , وتلبيسه, وحماة, و الرستن”.
ومن الجدير بالذكر أن الحوار الحقيقي الجاد من قبل رأس السلطة هو وقف القتل المجاني, وسحب الدبابات من المدن, وإلغاء المادة الثامنة من الدستور, والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي, وأنا متأكد أن السلطات السوري تلعب في الوقت البدل الضائع, وتريد كسب الوقت وإيهام الشعب السوري والكردي بشكل خاص بهذه الدعوة للحوار ولا أظنهم جادين في هذا الحوار!
ونأمل أن يحدث العكس لكن هذا مستحيل أمام عقلية التسلط والقهر, وحرية الصحافة, وانتخابات برلمانية حقيقة, وحياة سورية حرة حقيقة  وأن يعيش الشعب السوري بدون وباء حزب البعث كما قال المفكر السوري والشاعر أدونيس؟!

Siyamendbrahim@gmail.com

موقع سيامند ابراهيم على الفيسبوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…