هوشنك بروكا
كالعادة، جاء خطاب الأسد الثالث أيضاً دون التوقعات، لا بل دونها بكثيرٍ جداً.
أقلّ ما يمكن أن يقال فيه، هو أنه كان خطاباً فاشلاً بإمتياز.
كان فيه من اللاسياسة أكثر من السياسة، ومن اللامسؤولية أكثر من المسؤولية، ومن اللاحوار أكثر من الحوار، ومن المشاكل أكثر من الحلول.
لم يأتِ الخطاب بأيّ جديدٍ يذكر.
الجديد فيه، كان حضور الرئيس فقط، بعد غيابٍ طال أكثر من شهرين، صام فيهما عن الكلام.
كلّ ما جاء فيه، كان عبارة عن “وعود قديمة”، ملفوفة بكلام مكرور لا جديد فيه سوى طلعة الرئيس ومنبره، حيث اختار هذه المرّة دار العلم(الجامعة) بدلاً من دار البرلمان والحكومة..
كالعادة، جاء خطاب الأسد الثالث أيضاً دون التوقعات، لا بل دونها بكثيرٍ جداً.
أقلّ ما يمكن أن يقال فيه، هو أنه كان خطاباً فاشلاً بإمتياز.
كان فيه من اللاسياسة أكثر من السياسة، ومن اللامسؤولية أكثر من المسؤولية، ومن اللاحوار أكثر من الحوار، ومن المشاكل أكثر من الحلول.
لم يأتِ الخطاب بأيّ جديدٍ يذكر.
الجديد فيه، كان حضور الرئيس فقط، بعد غيابٍ طال أكثر من شهرين، صام فيهما عن الكلام.
كلّ ما جاء فيه، كان عبارة عن “وعود قديمة”، ملفوفة بكلام مكرور لا جديد فيه سوى طلعة الرئيس ومنبره، حيث اختار هذه المرّة دار العلم(الجامعة) بدلاً من دار البرلمان والحكومة..
لا بل الأصح، هو أنه كان خطاباً “رجعياً”، ومتخلفاً جداً عن مواكبة الشارع السوري الذي “يريد إسقاط النظام في وادٍ”، فيما الرئيس “يريد إسقاط الشعب/ الجراثيم في وادٍ آخر”.
من يتابع خطابات الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة، والتي من المفترض بها أن تقدم أجوبةً محددة على أسئلةٍ سورية محددة، سيكتشف دون عناءٍ، أنّ الرئيس لا يتجاهل ولا يقفز على ما يريده الشعب في الشارع فحسب، وإنما يتكابر عليه أيضاً.
فهو، كلما تحدث في جديد سوريا الراهنة، وجديد شوارعها الغاضبة، سرعان ما يقفز على الحقيقة السورية الساطعة، إلى عكوسها وأضدادها.
فالشعب الذي يريد حريته لا يمكن له وفقاً لفقه نظامه، إلا أن يكون “دهماء غوغاء”، و”جماعات سلفية”، و”مخرّبين خونة”، و”جراثيم متآمرة”، وكذا المطالبة بالحقوق لا تستحق إلا أن تكون “إضعافاً” للشعور القومي و”وهناً” لنفسية الأمة؛ أما الخروج إلى الشارع، فلا يمكن اعتباره إلا خروجاً على حدود الوطن وتجاوزاً على سيادته.
قاعدة النظام الأساسية بسيطة جداً: إما أنت معه تنفخ في بوقه، وتنادي ملئ حنجرتك “الله..سوريا..بشار وبس”، أو تكون ضده.
رغم أنها باتت قاعدة حمقاء وغبية جداً، أكل عليها الزمن وشرب، ولكنها لا تزال سارية المفعول في “سوريا الأسد”، على كلّ داخلٍ سوريّ وكلّ خارجٍ أيضاً.
الواضحُ، هو أنّ الأسد يتحاشى في خطاباته الأخيرة، عن سابق قصدٍ، استخدام أية إشارات أو مفردات توحي المتلقي، بأنه “متجاوب” مع مطالب الشعب، أو أنه “يفهمها”، أو “يقدرّها”، أو “يعطيها حقها”.
كلّ ما نسمعه ونراه، هو أنه يؤكد على “إصلاح قديم” حان وقت البدء فيه الآن، ليس لأن الجمهور السوري غاضب عليه وعلى نظامه، ولا يريده، وإنما لأنّ “أولويات” نظامه “الممانع” تطلبت تأخيراً أو تباطؤاً في تحقيق “إصلاحٍ “، كان متفقاً عليه سابقاً، منذ سنوات.
وسبب تحاشي الأسد لأي تجاوبٍ واضح وصريح مع الشارع السوري، هو على الأرجح، لأنه يرى في ذلك “تنازلاً” قد يؤدي في النهاية إلى اهتزاز عرشه وصورته أمام شعبه.
هكذا يفهم الرئيس، على الأغلب، علاقة “الرئيس الضرورة” مع الشعب، الذي ليس في مفهومه إلا “صدفةً مارقة”.
فالشعب “مارقٌ”، في فقه الرئيس، أما هو فباقٍ إلى الأبد.
الرئيس لم يفهم، حتى اللحظة، أنّ في اعتذار القائد الخطأ أمام الشعب قوة صحيحة؛ وفي اعتراف القائد في حضرة الشعب بفشلٍ ماضٍ فرصةٌ كبيرة لنجاح قادم؛ وفي تصحيح القائد لذاته أمام الشعب تصحيحٌ للوطن وترجيحٌ لمستقبله.
لهذا لا يحبّ الأسد أن يفهم أحد من “حزمة” إصلاحاته الكيفية المرتقبة، المؤجلة إلى أجل غير مسمى، بأنها “تنازلات”(لا سامح الله) وإنما يحاول إفهامها بأنها “هبةً” أو “نعمةً” من الرئيس، كان قد نواها من قبل، لأجل “تعزيز” الثقة بين الشعب ونظامه.
ما جاء في هذا الخطاب، كان عبارة عن رسائل قديمة جددها الرئيس أمام السوريين والعالم، وهي:
1.
سوريا مستهدفة، وما يجري فيها منذ أكثر من 3 أشهرٍ، ليس إلا مؤامرةً دولية، تقودها جهات خارجية، وتنفذها “جراثيم سورية”، سلفية، تكفيرية، في الداخل.
2.
“سوريا الأسد” ماضية في “مشروعها الإصلاحي”، كما يشاء النظام وفي الوقت الذي يشاءه.
3.
ما يجري في سوريا هو شأن محض داخلي، لا شأن لأحد به، فأهل النظام أدرى بشعاب سوريا ومشاكلها، وإيجاد الحلول لها.
4.
“سوريا الأسد” ستشهد “حواراً وطنياً”، ولكن كيف، ومتى، وحول ماذا، ومع من، فذلك متروكٌ لأهل النظام فقط، فهم الأقربون لسوريا، وهم الأولى بالمعروف.
5.
لا إصلاح مع مطالبة الشعب بحقوقه وحرياته، أو ما سماها الرئيس الأسد ب”التخريب”، ما يعني أنّ شرط “الإصلاح الموعود”، الذي لا يزال إصلاحاً من دون علامات، وبلا سقف زمني محدد، هو سكوت الشارع، وتنازله عن حقوقه في الحرية واختيار مصيره بنفسه.
6.
“سوريا الأسد” لن تقلّد الآخرين، وإنما هي ستعلمهم دروساً لم يتعلّموها من قبل.
7.
النظام باقٍ والرئيس باقٍ، ومن يرفع شعار إسقاطهما ليس له إلا أن يسقط.
كلّ ما جاء في هذا الخطاب الرجعي، الذي لا يمتّ إلى زمان سوريا المشتعلة الآن بصلةٍ، يبدو كلاماً في الهواء لرئيسٍ كأنه ليس من هذا العالم.
هو ليس من هذا العالم، ليس لكونه كائناً من عالم الميتافيزيك، أو الماوراء الديني، بمعناه التصوفي الروحاني، كما قد يُفهم، وإنما لكونه رئيساً يستقل وراء السياسة، أو تركبه السياسة بدلاً من أن يركبها.
هو ليس من هذا العالم، وكأن ليس له عيوناً يرى بها، أو آذاناًَ يسمع بها، أو مشاعر يشعر بما يجري ويحدث من قتلٍ وبطشٍ واعتقالٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ وتهجيرٍ، يومياً على مدار الساعة، في بلدٍ تحكمه شبيحته وأجهزة أمنه، بقبضةٍ من حديد.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لم يقرأ دفاتر الشعوب العربية الشقيقة من حوله، تلك التي قالت بإسقاط أنظمةٍ عتيقة مهترئة على شاكلة نظامه، وفعلت.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لا يزال ينظر إلى العالم بمنظار “بعث الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة”، من مثوى الراحل أبيه، ويكيله بمكياله.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لا يزال مصرّاً على حكم سوريا اليوم من “وحي” القبر، بقبضة أبيه الماضية، كإصراره على تعليم السوريين من دفاتر “مقاومة” أبيه الماضية.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لم يفهم بعد، أنّ بين الصعود والسقوط، في زمن الشرق الأوسط الجديد، هناك شارعٌ واحد، أو شعارٌ واحد، بات مقوداًَ من قبل شعبٍ واحد؛ شعبٌ اختار أن يكون الحياة، في أكثر من مكانٍ وزمانٍ عربيين، فاستجاب له القدر.
الرئيس الأسد، ليس من هذا العالم، ربما لأنه لا يعيش العالم، لذا لن يترك العالم يعيش.
فهو، كلما تحدث في جديد سوريا الراهنة، وجديد شوارعها الغاضبة، سرعان ما يقفز على الحقيقة السورية الساطعة، إلى عكوسها وأضدادها.
فالشعب الذي يريد حريته لا يمكن له وفقاً لفقه نظامه، إلا أن يكون “دهماء غوغاء”، و”جماعات سلفية”، و”مخرّبين خونة”، و”جراثيم متآمرة”، وكذا المطالبة بالحقوق لا تستحق إلا أن تكون “إضعافاً” للشعور القومي و”وهناً” لنفسية الأمة؛ أما الخروج إلى الشارع، فلا يمكن اعتباره إلا خروجاً على حدود الوطن وتجاوزاً على سيادته.
قاعدة النظام الأساسية بسيطة جداً: إما أنت معه تنفخ في بوقه، وتنادي ملئ حنجرتك “الله..سوريا..بشار وبس”، أو تكون ضده.
رغم أنها باتت قاعدة حمقاء وغبية جداً، أكل عليها الزمن وشرب، ولكنها لا تزال سارية المفعول في “سوريا الأسد”، على كلّ داخلٍ سوريّ وكلّ خارجٍ أيضاً.
الواضحُ، هو أنّ الأسد يتحاشى في خطاباته الأخيرة، عن سابق قصدٍ، استخدام أية إشارات أو مفردات توحي المتلقي، بأنه “متجاوب” مع مطالب الشعب، أو أنه “يفهمها”، أو “يقدرّها”، أو “يعطيها حقها”.
كلّ ما نسمعه ونراه، هو أنه يؤكد على “إصلاح قديم” حان وقت البدء فيه الآن، ليس لأن الجمهور السوري غاضب عليه وعلى نظامه، ولا يريده، وإنما لأنّ “أولويات” نظامه “الممانع” تطلبت تأخيراً أو تباطؤاً في تحقيق “إصلاحٍ “، كان متفقاً عليه سابقاً، منذ سنوات.
وسبب تحاشي الأسد لأي تجاوبٍ واضح وصريح مع الشارع السوري، هو على الأرجح، لأنه يرى في ذلك “تنازلاً” قد يؤدي في النهاية إلى اهتزاز عرشه وصورته أمام شعبه.
هكذا يفهم الرئيس، على الأغلب، علاقة “الرئيس الضرورة” مع الشعب، الذي ليس في مفهومه إلا “صدفةً مارقة”.
فالشعب “مارقٌ”، في فقه الرئيس، أما هو فباقٍ إلى الأبد.
الرئيس لم يفهم، حتى اللحظة، أنّ في اعتذار القائد الخطأ أمام الشعب قوة صحيحة؛ وفي اعتراف القائد في حضرة الشعب بفشلٍ ماضٍ فرصةٌ كبيرة لنجاح قادم؛ وفي تصحيح القائد لذاته أمام الشعب تصحيحٌ للوطن وترجيحٌ لمستقبله.
لهذا لا يحبّ الأسد أن يفهم أحد من “حزمة” إصلاحاته الكيفية المرتقبة، المؤجلة إلى أجل غير مسمى، بأنها “تنازلات”(لا سامح الله) وإنما يحاول إفهامها بأنها “هبةً” أو “نعمةً” من الرئيس، كان قد نواها من قبل، لأجل “تعزيز” الثقة بين الشعب ونظامه.
ما جاء في هذا الخطاب، كان عبارة عن رسائل قديمة جددها الرئيس أمام السوريين والعالم، وهي:
1.
سوريا مستهدفة، وما يجري فيها منذ أكثر من 3 أشهرٍ، ليس إلا مؤامرةً دولية، تقودها جهات خارجية، وتنفذها “جراثيم سورية”، سلفية، تكفيرية، في الداخل.
2.
“سوريا الأسد” ماضية في “مشروعها الإصلاحي”، كما يشاء النظام وفي الوقت الذي يشاءه.
3.
ما يجري في سوريا هو شأن محض داخلي، لا شأن لأحد به، فأهل النظام أدرى بشعاب سوريا ومشاكلها، وإيجاد الحلول لها.
4.
“سوريا الأسد” ستشهد “حواراً وطنياً”، ولكن كيف، ومتى، وحول ماذا، ومع من، فذلك متروكٌ لأهل النظام فقط، فهم الأقربون لسوريا، وهم الأولى بالمعروف.
5.
لا إصلاح مع مطالبة الشعب بحقوقه وحرياته، أو ما سماها الرئيس الأسد ب”التخريب”، ما يعني أنّ شرط “الإصلاح الموعود”، الذي لا يزال إصلاحاً من دون علامات، وبلا سقف زمني محدد، هو سكوت الشارع، وتنازله عن حقوقه في الحرية واختيار مصيره بنفسه.
6.
“سوريا الأسد” لن تقلّد الآخرين، وإنما هي ستعلمهم دروساً لم يتعلّموها من قبل.
7.
النظام باقٍ والرئيس باقٍ، ومن يرفع شعار إسقاطهما ليس له إلا أن يسقط.
كلّ ما جاء في هذا الخطاب الرجعي، الذي لا يمتّ إلى زمان سوريا المشتعلة الآن بصلةٍ، يبدو كلاماً في الهواء لرئيسٍ كأنه ليس من هذا العالم.
هو ليس من هذا العالم، ليس لكونه كائناً من عالم الميتافيزيك، أو الماوراء الديني، بمعناه التصوفي الروحاني، كما قد يُفهم، وإنما لكونه رئيساً يستقل وراء السياسة، أو تركبه السياسة بدلاً من أن يركبها.
هو ليس من هذا العالم، وكأن ليس له عيوناً يرى بها، أو آذاناًَ يسمع بها، أو مشاعر يشعر بما يجري ويحدث من قتلٍ وبطشٍ واعتقالٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ وتهجيرٍ، يومياً على مدار الساعة، في بلدٍ تحكمه شبيحته وأجهزة أمنه، بقبضةٍ من حديد.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لم يقرأ دفاتر الشعوب العربية الشقيقة من حوله، تلك التي قالت بإسقاط أنظمةٍ عتيقة مهترئة على شاكلة نظامه، وفعلت.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لا يزال ينظر إلى العالم بمنظار “بعث الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة”، من مثوى الراحل أبيه، ويكيله بمكياله.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لا يزال مصرّاً على حكم سوريا اليوم من “وحي” القبر، بقبضة أبيه الماضية، كإصراره على تعليم السوريين من دفاتر “مقاومة” أبيه الماضية.
هو ليس من هذا العالم، لأنه لم يفهم بعد، أنّ بين الصعود والسقوط، في زمن الشرق الأوسط الجديد، هناك شارعٌ واحد، أو شعارٌ واحد، بات مقوداًَ من قبل شعبٍ واحد؛ شعبٌ اختار أن يكون الحياة، في أكثر من مكانٍ وزمانٍ عربيين، فاستجاب له القدر.
الرئيس الأسد، ليس من هذا العالم، ربما لأنه لا يعيش العالم، لذا لن يترك العالم يعيش.