أمين عمر يحاور حسين جلبي عن الإعلام (الأنطالي) و حوار (المسيار) و أشياء أخرى…

 حسين جلبي الكردي السوري الألماني، الشخص الهادئ والرقيق في حياته، الثائر في داخله، على الواقع وعلى اوراقه، يكتب باسلوب رائع، يحوم حول المقال بالريشة، ورغم نعومة الريشة إلا إن أفكاره تصل إلى القارئ نحتاً، فتبقى أفكاره وتعابيره منقوشة في ذاكرة القراء .

هل تستطيع أن تقول لنا من هو حسين جلبي؟

الجواب: أشكرك بداية على المقدمة الجميلة  و على هذه الدردشة بشكلٍ عام، حسين جلبي هو ذلك الطفل الذي ولد بالأمس القريب في إحدى القرى العربية التي لا زلت أحملها في لغتي و روحي و على بطاقتي الشخصية أيضاً.

هناك في تلك القرية بدأ شعوري بالإختلاف الذي دفعني للتميز لمشاطرة ذلك الإختلاف و إضافة شئ ما عليه، حيث كان أهل القرية يطلقون علينا لقب (البيت الكردي)، ثم إمتد الإختلاف حين حملنا لقب (البيت العربي) عند مرورنا بقرية كردية في الطريق إلى مدينة القامشلي التي شكلت عشي الذي لم يغادره قلبي أبداً.
 في القامشلي بدأت بالبحث عن هويتي الوطنية الكردية خارج الكم الهائل من الأحزاب، متجاهلاً في الوقت ذاته الشرعية الحزبية أو العشائرية التي فتح البعض عيونهم عليها و تلطوا خلفها، لكني أضطررت فيما بعد و لأول مرة إلى توثيق إنتمائي الحزبي و كذلك العشائري، عندما سألني المحقق الألماني عن الموضوع، هذان الإنتماءان هما للأسف هو كل ما يحمله الكثير من المثقفين، و هناك من يقول لك أينما ذهبت فستعود إلينا، و يقصد هنا الحزب و العشيرة الذي بالكاد هناك فاصل بينهما، و لا تنسى أننا في جمعة العشائر.

نقطة أخرى أضيفها عن ألا و هي رغم كوني حاصلاً على شهادة كلية الحقوق ومحامي سابق في سوريا إلا أني كنت خاسراً دائماً في القضايا الشخصية و تسويق نفسي و يعود ذلك ربما للأسباب التي ذكرتها آنفاً، لكني أزعم أنني كنت أقف دائماً إلى جانب المظلومين، مسألة النجاح في هذه المسألة من عدمه متروك للآخرين، لكني أحمل شهادات مشجعة أعتز بها في هذا الشأن.

سؤال: كان ظهورك للقراء بشكل واضح مع ثورة تونس، هل أيقظ (بوعزيزي) قلمك أم لم يكن هناك أمر مشجع على الكتابة قبلها ؟

الجواب:  في الحقيقة أثر (بوعزيزي) في الجميع، كان بمثابة الحجر الذي حرك مياه العالم كله و من ضمنها الحبر الراكد في الإقلام، و يعادله تأثيراً بالنسبة لي تلك الليلة الحاسمة في (ميدان التحرير) بالقاهرة عندما هجم البلطجية على شباب الثورة بالحجارة و النيران، حيث لم أنم أبداً منتظراً بفارغ الصبر طلوع الفجر الذي كان النقلة الحقيقية في حياة الثورات التي نشهدها اليوم، و نقلة كبيرة بالنسبة لي شعرت بعدها لأول مرة في حياتي بالإنتصار.
قبل تمرد البوعزيزي كنت أكتفي مثله ببيع الخضار لكن على عربات الآخرين، كان رصيد البيع يصب في حسابهم.

البوعزيزي أحرق روحي معه و ثورة سوريا أعادت إحيائها من تحت رماده، و جعلتني أشعر بأن المسألة تتجاوز مجرد التنافس مع زملاء العمل في الحصول على مكان في سوق البيع، شعرت أن المسألة جدية و إنه لم يعد للدكتاتورية ذلك البريق (كما عنونت أحد مقالاتي) الذي تستطيع به حرق بريق الثورات المتوهج و إبتلاعه.
 
سؤال: بالنسبة لمؤتمر انطاليا كيف تمت عمليات الدعوة وهل وجهت إلى كل النشطاء والسياسيين المستحقين لهكذا حدث، وهل كانت للوساطة دورما لعدد من المدعويين؟

الجواب: لا أتصور أن هناك واسطة في الموضوع، كانت هناك دعوة عامة مفتوحة للجميع، و لا أعتقد أنه كان هناك رفضٌ لرغبة من أراد الحضور، ثم أن الواسطة تكون لإكتساب المغانم، في حين إن الإشتراك في المؤتمر كان إعلاناً صريحاً بالوقوف ضد النظام السوري بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، و لا أبالغ إذا قلت أن الإشتراك في المؤتمر يعادل الخروج للتظاهر اليوم في المدن السورية، فكلمة (لا) و مهما كان شكلها تعتبر مغامرة تكلف من يقولها اليوم غالياً، حيث تتعدد و تتدرج أشكال الإنتقام.
بالنسبة لي شخصياً كنت على تواصل مع د.

عبدالرزاق عيد.

سؤال: كيف كان المؤتمر ماذا حدث وما هو إنطباعك عن المؤتمر ككل ؟

كان المؤتمر تجربةً شخصية غنية دخلتها دون أجندة مسبقة، فقط كنت أشعر بالضغوط نتيجة مقاطعة العديد من أحزاب الحركة الكردية له، في البداية أشعرني ذلك بأن ظهري مكشوف، لكنه كان دافعاً للتشدد في طرح المطالب الكردية، لم يكن الأخوة العرب الذين إلتقيناهم هم أنفسهم الذين عرفناهم، لقد تغير الجميع، كان الكل يبحث عن أفضل الصيغ التي تثبت حقوق غيرهم أولاً، و عندما وجدنا تلك الأريحية في المؤتمر أزيل التشنج، و من جهة أخرى فقد إنقلب الجميع على أعمارهم، كان الشيوخ يتمتعون بحماسة الشباب، و كان للشباب حكمة الشيوخ، و كانت نتيجة المناقشات الماراثونية سواءٌ بيننا نحن الكرد أو مع الآخرين هو ذلك البيان التاريخي الذي ساوى بين جميع السوريين دون تفضيل لأحدٍ على أحد، و دعى إلى تثبيت حقوق الجميع القومية في دستور سوريا الغد التي ستكون دولة ديمقراطية مدنية تعددية، فيها فصل للسلطات، و يتم فيها تداول سلمي للسلطة بناءً على إنتخابات حرة.

سؤال: ماذا عن التمثيل الكردي في أنطاليا؟

كان التمثيل الكردي يحاكي تقريباً الوجود الكردي في سوريا، كان هناك مستقلون و كانت هناك أحزاب مشاركة، و لكن الجميع كان يحمل المسؤولية الأخلاقية في تمثيل المكون الكردي السوري، لقد كنا نعمل بروح الفريق الواحد، و كانت هناك إنتخابات في تشكيل اللجان التي تمثلنا من جهة، كما كنا منغمسين في العمل مع الآخرين من جهةٍ أخرى.

سؤال: و هل وجدت لك مكاناً في المؤتمر، كان ظهورك قليلاً في الإعلام، حتى أني لم أعرف بوجودك هناك، إلا عندما رأيتك في أحدى القنوات مع الجموع تهز بعشق علم الاستقلال؟


الجواب: في الحقيقة و منذ اليوم للمؤتمر، أصابتني (لعنةٌ النظام) ففقدت صوتي بسبب الهتاف ضده، و لذلك أكتفيت بالكلام القليل، لكن ذلك لم يمنعني من تحمل الألم و الإشتراك في المناقشات، و قد كنت مشاركاً في ورشة (المتابعة القانونية و العلاقات الدولية) و هي واحدة من أربعة ورش تمخض عنها المؤتمر، و تتابع اللجنة المنبثقة عنها العمل حالياً إلى جانب أو تحت سقف اللجنة التنفيذية التي تمثل المؤتمر.
أقول بشأن الإعلام الكردي أنه بكل أسف لم يكن على مستوى الحدث و بقي أسيراً لمسألة الشكليات و الشخصنة، و كثير من الذين خرجوا في الإعلام كانوا يتحدثون في العموميات أو عما يتناهى إلى أسماعهم دون أن يكونوا مشتركين في العمل أو يقفون على حقيقته، بل كان أغلبهم متفرغاً لتصيد وسائل الإعلام، و هنا أذكر أننا أثناء إنغامسنا في العمل و عند الخروج للردهة لأخذ إستراحة كانت هناك طوابير تقف بشكلٍ مُذل أمام وسائل الإعلام للخروج عليها، و أثناء حديث مقتضب مع مراسل أحد القنوات التلفزيونية أراني لائحة طويلة جداً بأسماء الراغبين في الظهور على شاشتها لا تكفي تغطية عدة مؤتمرات لهم، و أشير هنا على سبيل المثال إلى الأخوة في جمعية أكرد سوريا في النروج، و أرجو أن يتسع صدرهم لسماع رأيي، حيث كان هناك خبران في المواقع الكردية عن بدء و ختام أعمال المؤتمر، مضمون الخبرين و الصور المرفقة بهما ليست سوى صور تذكارية لرئيس الجمعية و عضوها (المصور أيضاً) مع شخصيات مشهورة مشاركة في المؤتمر، و ذلك بطريقة التتابع صورة لكل منهما و هكذا دواليك، حتى ليخيل للقارئ أن جمعية أكراد سوريا في النروج ـ و ليس المعارضون للنظام ـ هي التي قد عقدت إجتماعاً موسعاً في أنطاليا، مع العلم أنه كان هناك الكثير من الشباب الكرد المشتركين في ورشة الإعلام أو حتى خارجها كانوا يعملون بصمت و لم تتتح لهم الفرصة للظهور ليقولوا شيئاً أكثر فائدة و تعبيراً ويعطي إنطباعاً أفضل عن المؤتمر، و يبدو أن مصادرة حقهم من خارج الوسط الإعلامي من المتخصصين في الظهور الإعلامي و المتفرغون له قد فعل فعله.


بعد مشاهدة أخبار المؤتمر أصبحت  أنا نفسي أشك حقاً في وجودي و آخرين معي هناك في أنطاليا.

سؤال: ماذا عن رأيك بالحوار مع النظام؟

الحوار الذي يدعو النظام السوري مختلف شرائح الشعب السوري إليه ليس سوى (حـوار المسيـار)، فالإصلاحات التجميلية التي أقدم عليها النظام السوري خلال الشهور الماضية بما فيها دعوات الحوار لم تتعدى مسألة كونها مجرد محطات إعلامية مؤقتة، قد مر عليها سريعاً في إعلامه فقط لإرسائل رسائل كاذبة للخارج، و عاد بعدها إلى محطته الرئسية التي لم يبرحها حقيقةً، إلى سياسته الممنهجة في المراوحة في الزمان و المكان ذاته، فهي ـ أي الإصلاحات ـ لا وقائع غيرت، و لا أوضاع حسنت و لا حتى أملاً جلبت، بل على العكس من ذلك، فقد ترافقت مع إجراءات على الأرض تشير بوضوح إلى أن ما يؤمن به هذا النظام لدرجة القداسة هو زواجه المقدس مع الدبابة، و الذي لا يستطيع أو لا يريد الفكاك منه، فهو ينتج كل يوم على الأرض ما يشير إلى إرتباطه حياً أو ميتاً.

سؤال: و ما رأيك بتراجع احزاب الحركة عن الحوار مع النظام؟

لقد حدثت مناقشات مفتوحة على صفحات الإنترنت بين مختلف شرائح الشعب الكردي إتخذت أحياناً شكلاً حاداً في موضوع الحوار مع النظام، لم يكن من هو ضد الحوار أكثر وطنية ممن هو معه أو العكس، كان الجميع يرغب بالخروج بموقف موحد يخدم قضية شعبنا و بأقل الخسائر الممكنة، و هو ما سعى النظام إلى ضربه من خلال السعي الى بث الفرقة بين الشعب الكردي من خلال إلقاءه لقنبلة الحوار، كما سعى إلى عزل الشعب الكردي عن بقية مكونات الشعب السوري من جهة أخرى تحت العنوان ذاته.

كان الراغبين بالحوار مدفوعين بالمسؤولية التاريخية للحصول على شئ ما من النظام لمصلحة شعبنا، و بالرغبة في تأخير حصول المجازر التي ما أنفك النظام ينفذها في غير مكان في سوريا، و لكنهم تناسوا أن توقيع إتفاقية الحكم الذاتي بين أكراد العراق و النظام العراقي السابق لم تمنع من بقائها مجرد حبر على ورق، و من قيام ذلك النظام من تنفيذ المجازر و الأنفالات و كذلك قصف شعبنا بالأسلحة الكيماوية.
لقد خرج الشعب الكردي قوياً و موحداً من هذه المحنة، و رد كيد النظام إلى نحره.

 

  أشكرك على هذا الحوار القصير، مع تمنياتي لك بالنجاح.

أشكرك بدوري على إتاحة الفرصة، و آمل أن أكون عند حسن الظن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…

خليل مصطفى ما تُظهرهُ حالياً جماعة المُعارضة السورية (وأعني جماعات ائتلاف المُعارضة المُتحالفين مع النظام التركي) من أقوال وأفعال مُعادية ضد أخوتهم السوريين في شمال شرق سوريا، لهي دليل على غباوتهم وجهالتهم ونتانة بعدهم عن تعاليم وتوجيهات دين الله تعالى (الإسلام).؟! فلو أنهُم كانوا يُؤمنون بالله الذي خالقهُم وخالق شعوب شمال شرق سوريا، لالتزموا بأقواله تعالى: 1 ــ (تعاونوا على…