مَنْ نجح في تجيير اجتماع معارضة الداخل التشاوري لمصلحته؟

  عمر كوجري

انتهى “المعارضون” المشاركون في اجتماعهم التشاوري الذي عقد في دمشق يوم الاثنين الماضي، والذي تم – كما قيل- بمبادرة شخصية من شخصيات ثقافية وسياسية وفكرية سورية معارضة، منهم من قضى سنوات طويلة في السجن، ويحز في نفسه، ويتألم ما يتعرض له الشعب السوري، ويسعى على طريقته للتوصل إلى بوصلة أو خارطة طريق توقف هذا الدم السوري الذي ينزف منذ أواسط آذار الماضي وإلى الآن.
 ومن الحضور مَن كان مطلوباً منه الانخراط في صفوف اجتماع ” المعارضة” ولو لبضع ساعات، وذلك تلبية لدعوات وإيعازات من الجهات إياها، وهذا الطيف حاول أن يلعب دوراً للتضييق على الحضور، ووصل الأمر ببعض منظمي اللقاء أنهم أبدوا امتعاضهم الواضح لحضور وجوه علاقتها وثيقة بالأجهزة !! بدرجة كبيرة، ولم يعرف عنها اشتغالها وامتهانها صنعة الكتابة الأدبية أو الاحتراف أو حتى الهواية السياسية، كذلك انتفاء علاقتها بالمعارضة بشقوقها الداخلية والخارجية وما بين بينهما اللهم إلا الحضور وكتابة التقارير التي تحسّن و ” تحلّي” الخط كما يدرج العامة هنا.

وقد حاول النظام السوري الذي يشعر بضغط شعبي وخارجي كبيرين استثمار هذا النشاط ” المعارض” لمصلحته، أملاً منه في تحقيق أكثر من هدف في مرمى الاحتجاجات الشعبية المستمرة، ومحاولة ضرب المعارضات ببعضها” وتقديم المحتجين والمنتفضين في الشوارع السورية على أنهم ثلة من الزعران أو ” الحثالة” بحسب تعبير أحد – إن صحت التسمية- المحللين السياسيين والأساتذة الجامعيين، وبالتالي جعل كل الدماء السورية التي أريقت في كل بقعة من أرض سورية حلالاً زلالاً لأن الخارجين “خارجون عن القانون، ومارقون”.
وإرسال رسالة للخارج – يبدو أنها وصلت سريعاً من الجانب الأمريكي الذي أثنى، وبارك اجتماع المعارضة” الوطنية” على أرض الوطن، وبالتوازي صرحت فرنسا التي صعدت موقفها تجاه دمشق في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق، ووقفت إلى جانب الانتفاضة الشعبية السورية مستنكرة الحل العسكري الذي تنتهجه السلطة منذ اليوم الأول من الاحتجاجات وإلى الآن، صرحت بأن هذا اللقاء هو بداية الطريق الصحيح، وكادت أن تعتذر عن كل جفاء بدر منها تجاه النظام!!!!
 وكذلك أرسل الأوغلو التركي إشارات الأمان ورمش عين المغازلة بأنه قادم قريباً إلى دمشق ليعيد الحميمية والدفء بين الأحباب المتخاصمين حاملاً معه ورقة اللاجئين السوريين الدسمة!!
 وفحوى رسالة النظام أنه صار ” يقرن الأقوال بالأفعال” وهاهي المعارضة السورية” الوطنية تجتمع في وسط دمشق دون أن يلاحَق المجتمعون، ودون أن يتعرض أحد للمساءلة!!
ولتقول للمعارضة الخارجية أنها تتقوّى بالخارج، وتريد تحويل سوريا إلى ليبيا أو عراق أخرى، وبالتالي لتزيل لون الوطنية من ردائها باحتضانها المباشر أو غير المباشر لذلك العنوان الكبير” سوريا للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية”
 ولتقول أيضاً- وللأسف على لسان بعض الحضور- ” الزائف” أي نعم وستين نعم، التظاهرات الشعبية غير بريئة، وهي متآمرة على الوطن، وإن هي إلا عصابة مسلحة تقتل العباد، وتريد أن تتلظى البلاد بجحيم التدخل الخارجي والتمزيق والحرب الضروس الطويلة.
وبالفعل كان مثار دهشة واستغراب حضور شخص من مستوى الممثل” أبو عصام” عباس النوري في اجتماع للمعارضة وهو الذي نفى عن المحتجين كل طموح بالتغيير، وكل حق بالتظاهر قبل أيام ،وغيره وغيراته كثيرون!!!؟؟
ولعل هذا ما دعا أحد المعارضين الحضور للقول بأن النظام قام باختراق المؤتمر إعلامياً عن طريق إرسال أشخاص غير مدعوين أساساً لإثارة البلبلة داخل المؤتمر، ولتمرير وجهة النظر الرسمية في تواطؤ بين هذه الشخصيات ووسائل الإعلام الرسمية.


والأنكى من كل هذا أن وسائل إعلام النظام الرسمية وغيرها الخاصة” الرسمية جداً” مثل الدنيا وأخواتها اللبنانيات، أبدت انزعاجها من البيان الختامي لاجتماع ” المعارضة” التشاوري، وقالت إنه خلا من ذكر العصابات المسلحة، ومن ذكر أن طابع الاحتجاجات في الشوارع السورية هو طابع ديني” إخواني – متطرف- طائفي- إقصائي ألخ ألخ…”
  إذاً:
رغم النقاط التي سجلها هؤلاء الكتاب والساسة مثل رفض الخيار الأمني، والدعوة الصريحة للوقوف إلى جانب الشارع السوري المنتفض، وأنه لابد من زوال “نظام الاستبداد، ولا بد أن تسود المواطنة بين السوريين التي تحقق المساواة في ما بينهم.


ورغم أن المؤتمرين صرحوا أنهم ليسوا بديلاً لأي طيف أو أي تنظيم معارض و هو لا يضع نفسه في مواجهة قوى المعارضة الديمقراطية، ورغم أن اتحاد تنسيقيات الثورة السورية” المعارض لم يرق له ذلك الاجتماع جملة و تفصيلاً ورغم ورغم.
يبقى أخيراً أن النظام هو أكبر المستفيدين من اجتماع” فندق سميراميس” لأن الاجتماع منحه بعض الأوكسجين الذي افتقده في الفترة الأخيرة على المستوى الداخلي والخارجي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…