فنحن جميعاً أي جميع السوريين بكافة مكوناته معنيين إزاء ما يجري على أرض الواقع، لكن يبدو أن بعض القوى والشرائح في المجتمع السوري وحسب المعطيات والوقائع ما زالت لا تصدق أو أنها تصدق ولكنها لا تريد الاعتراف بالأمر الواقع ولا تريد الانخراط في عملية التغيير خوفاً على مصالحها ومكتسباتها، فهي بشكل أو بآخر تبطء من عملية التحول والتغيير بخلق حالة من النكوص لدى شريحة معينة بالعودة إلى مرحلة الذل والخنوع بحجج واهية لا مبرر لها كمسألة الأمن والاستقرار.
فمن الواجب علينا الإقرار بأن سوريا تعيش ثورة حقيقية لا مثيل لها، شموع هذه الثورة مشتعلة من أقصاه إلى أقصاه، ولأول مرة في تاريخ هذا الوطن الجريح يتوحد فيه خطاب الشعب جمعة بعد أخرى – قولاً وفعلاً – بالتظاهر السلمي في جميع بقاع الأرض السورية من أجل التغيير الديمقراطي للنظام والانتقال بالسلطة من حالة الاستبداد إلى حالة الدولة الديمقراطية المدنية التعددية.
وبعيداً عن التحليلات العميقة وكما هو واقع الحال فالنظام السوري يبدو أنه فقد مصداقيته إزاء قيامه ما سمي بالاصلاحات الشاملة، ويمكن ان نفهم ذلك من خلال سلوكياته، وما يقوم به من خطوات خجولة على أرض الواقع ليس إلا عبارة عن ترقيعات تهويمية يراد بها خداع الرأي العام العالمي أولاً وخداع الشعب ثانياً، وإذا لم يكن كذلك فلماذا العنف والقتل والتنكيل والاعتقال المستمر ضد المتظاهرين، ولماذا لا تبدأ السلطة بإعادة الجيش إلى ثكناته، ولماذا الأجهزة الأمنية ويداً بيد مع لجان الشبيحة يعيثون الشوارع فساداً دون ضمير إنساني وهم ينتهكون كرامة المواطنين وحرياتهم وكأن المتظاهرين هم أشباح جاؤوا من المريخ، ولماذا السلطة لا تقوم فوراً بإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع.
ولماذا لا تضع الدستور في متناول الشعب للاستفتاء على تغييره؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي تدفعنا إلى القول بأن النظام السوري ليس جاداً للقيام بالإصلاحات الحقيقية الجذرية، ذلك لأننا لا نلمس منها حتى اليوم إلا شيء أبعد من المراوغة والإبقاء على ما هو الحال بترقيع ما لا يمكن ترقيعه وهدر الوقت بالابتعاد أكثر فأكثر عن آمال وطموحات الشعب السوري ومطالبه المشروعة.
فالسلطة السورية حالياً تعيش في حالة صراع إحجام الإحجام، فإنها من جهة في حالة القيام بالإصلاحات الجادة وتحقيق الديمقراطية الحقيقية فإنها لا تضمن بقائها، والرحيل أيضاً كما يهتف به المتظاهرين لا يناسبها وتفوق عقليتها، عقلية التمسك بالسلطة إلى أبد الآبدين، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بين طرفي المعادلة وهذا يعني أن سوريا ستعيش حالة اللاتوازن مع بقاء النظام واستمراره في التمسك بالسلطة وعدم اللجوء إلى المسار الديمقراطي والعملية السياسية في حل الأزمة من جهة وكذلك استمرارية المظاهرات والمطالبة برحيل النظام من جهة أخرى.
ويمكن القول بأن النظام هو وحده المسؤول عن كل هذه التطورات وخاصة ما يتعلق برفع سقف مطاليب المتظاهرين.
وما يخص الشعب الكردي في سوريا فمنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة السورية، كان حاضراً بكل قواه، وذلك لم يأتي من فراغ، بل نتيجة طبيعية لممارسات السلطة لأكثر من أربعة عقود بتطبيق مشاريع ومخططات شوفينية وعنصرية بحق الشعب الكردي في سوريا، وعدم الاعتراف بوجوده وحرمانه من كافة حقوقه القومية والديمقراطية ومن المشاركة السياسية في البلاد والتنكيل به وقمعه وزج مناضلي حركته في السجون وتهميش مناطقه اجتماعيا واقتصادياً، وتغيير معالمه الديموغرافية والشخصية والثقافية، كل ذلك بهدف صهره في بوتقة القومية العربية ومحوه من الوجود.
لا شك بأن عملية التغيير في سوريا من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطية المدنية والتعددية تأتي لمصلحة الشعب السوري بكل مكوناته من جهة ولمصلحة الوطن وبنائه وتقدمه وازدهاره من جهة أخرى، ونضال الشعب الكردي من أجل تأمين حقوقه القومية والديمقراطية ومن أجل تحقيق الحرية والديمقراطية لسوريا عموماً ومنذ خمسينيات القرن المنصرم كان يصب في هذا الاتجاه أي أنه لم يكن نضالاً حديثاً ومؤقتاً بل كان قديماً ومستمراً.
واليوم ومع انطلاق الثورة السورية اثبت الشعب الكردي للعالم أجمع وللعربي قبل غيره مدى وطنيته من خلال تمسكه بوطنه سوريا حيث كان شباب الكرد أول المتظاهرين في مناطقهم ومناطق أخرى في العمق السوري دعماً ومساندة لأخوتهم في درعا وحمص وباقي المناطق الأخرى، والحركة الوطنية الكردية أول من أطلقت مبادرتها من أجل حل الأزمة القائمة في سوريا، وهنا مكمن القوة في أن الحركة الوطنية الكردية في سوريا تمتلك إرادة القرار وتمتلك العزم والقابلية في التكيف مع مجريات الأحداث إذ وهي اليوم قوة فاعلة في هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي في البلاد، علماً أن ما جاء في الوثيقة التأسيسية للهيئة ما يخص حقوق الشعب الكردي “الاعتراف بالوجود القومي الكردي في سورية باعتباره جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، الأمر الذي يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والعمل معاً لإقراره دستورياً، وهذا لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي” دون مستوى طموحات الشعب الكردي، كونه يتسم بنوع من الغموض والضبابية، ويتنافى مع جوهر العملية السياسية نحو التغيير المنشود ببناء دولة ديمقراطية مدنية وتعددية، لكنه ليس المطاف الأخير والعملية لا تتوقف هنا ما دامت الثورة السورية مستمرة.
ومن أجل ذلك كله نحن اليوم بأمس الحاجة إلى رص الصفوف نحو توحيد الخطاب السياسي ووضع البرنامج المستقبلي على أساسه إلى جانب توحيد الجهود وتكثيف العمل باتجاه رفع وتيرة النضال وتوسيع دائرة المظاهرات بما يناسب طموحات وآمال الشعب الكردي في سوريا وبما يناسب مستقبل البلاد عموماً.