تشاوري سوريا إنقلب على «الساحر»

جمعة عكاش

من حيث يدري أو لا يدري، كشف مؤتمر الحوار الوطني عورات النظام السوري أمام مؤيديه، الذين سمعوا من رموزه وصفاً دقيقاً لمفاصل الأزمة السورية، على عكس كل ما ساقه الإعلام الرسمي من كذب وخديعة لتغييبهم طوال الأشهر الأربعة الماضية.
سمع المؤيدون الحاجة إلى تفكيك الدولة الأمنية التي كانت حتى قبل أيام ضرورة من ضرورات مناهضة إسرائيل، وسمعوا ضرورة الاعتراف بالمعارضة وإخراج منتسبيها ومؤيديها من السجون رغم أنهم كانوا من مثيري النعرات الطائفية، ويحاولون إضعاف نفسية الأمة ويتصلون بالخارج.

سمع هؤلاء من النظام نفسه ضرورة تعديل الدستور الذي أطلق يدهم في البلاد طولاً وعرضاً دون شروط أو قيود، فصدموا لهذا الانقلاب على الذات، كما أنهم سمعوا أيضاً ضرورة تحديد ولاية الرئيس الذي كان في موروثهم مكلفاً إلى الأبد.
لقد صُدم الكثيرون من المؤيدين باستجابة رموز نظامهم لمطالب المتظاهرين، وربط حلها بإنقاذ البلاد، ما جعلهم يتساءلون: ألسنا نواجه عصابات وسلفيين ومخربين وقطاع طرق؟

اكتشف هؤلاء الحقيقة في أول بث حي مباشر لتلفزتهم التي يتابعها مئات الآلاف منهم نتيجة إيمانهم بأن “القنوات المغرضة” متآمرة على سوريا.

أما السوريون الصامتون (الأغلبية) فقد وضع النظام بين يديهم اختباراً ذاتياً آخر لفشله، فما دار من حديث خلال الجلسات المتتالية وما تمخض عنه البيان الختامي من توصيات باهتة عمومية أحرج المراهنين منهم على إمكانية الإصلاح، وإخراج البلاد من أزمتها عبر عنق الحوار.

فاكتشفت شريحة كبرى من هؤلاء الصامتين أنه وعبر الحوار لم ولن تتحقق مطالب أبناء الخؤولة والعمومة والأصدقاء المحتجين في الشارع، وهؤلاء بشكل أو بآخر عطلوا دورة حياتهم ومصالحهم، ويجب ألا يستمر ذلك إلى الأبد، ويبدو أن هذا المارد لن ينتظر صامتاً إلى النهاية فعليه أن يقرر إعادة العجلة إلى الدوران على ما يبدو في إطار منطق الشعب الباق والنظام الزائل.

أما السوريون المعارضون المحتجون فقد لمسوا تجانساً أكثر مع المعارضة الداخلية التي قاطعت حوار النظام، ومع أنهم لا يجدون المعارضة في خندق المطلب الرئيس وهو إسقاط النظام، إلا أن عدم محاورتها للقتلة زاد من شرعيتها بينهم، وبالتالي فإن ذلك يمهد لأرضية جديدة سيبدو المعارضون والمحتجون في الداخل أكثر تماهياً عليها من ناحية العمل الميداني، وابتكار نوعية جديدة من الاحتجاجات والاضطرابات والاعتصامات، يمكنها التأثير في زيادة عزل النظام دولياً وإزعاجه داخلياً من النواحي الاقتصادية والسياسية، خاصة أن أي فرص حقيقية وجادة للحوار استنفدت ولا مجال للاستمرار في مناخ مخالف للقاء حول الطاولات المستديرة.

أرادها النظام في “حوار الذات” حيلة جديدة عساها تنطلي على المعارضة فتنقسم، والمجتمع الدولي فيهدأ، فوقع النظام في شباك نصبها بنفسه، توحّدت معارضة الداخل والخارج في مقاطعة النظام، كما صعّد المجتمع الدولي لهجته من باريس ولندن وواشنطن التي أعلنت “مسيّرةً” لا “مخيرةً” أن الأسد فقد الشرعية.

علة النظام أنه لا يعرف شعبه الذي لا تنطلي عليه خديعة المسلسلات من شاكلة “بقعة ضوء” و”مرايا” التي تَصعدُ بوصف المشاكل إلى عنان السماء، لكنها تجعل المشاهد معلقاً هناك.
وسيذكر التاريخ أن “حوار غوار” ورفقاءه كان آخر حلقة واقعية لهذين المسلسلين اللذين لم يعد يشتريهما أحد بدرهم أو دينار أو دولار.

العربية نت

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرزاد هواري

رغم مرور ما يقارب سبع سنوات على الوضع الاستثنائي في منطقة عفرين، وعجز كافة الجهات والأطراف والأحزاب الكردية عن إيجاد حلول إسعافية، بدءًا من المجلس الوطني الكردي كإطار سياسي وتنظيمي بمختلف تكويناته، ومؤتمر الإنقاذ والمجالس المحلية السبعة التي تميزت باستعداد معظم كفاءات المنطقة للتعاون، مفضلين مصلحة أهل عفرين على مصالحهم الشخصية، ومخاطرين بأنفسهم لإنجاز…

في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقة عفرين، نتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة المتعلقة بالتجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها الفصائل المسلحة في المنطقة.

إن هذه الفصائل لم تكتفِ بفرض سيطرتها المسلحة على المنطقة، بل تجاوزت ذلك بالتدخل السافر في الشؤون المدنية والممتلكات الخاصة للمواطنين الكُرد. فقد تم إلغاء الوكالات القانونية التي منحها المغتربون لأقربائهم وذويهم،…

صلاح بدرالدين

الان ولنا كلمة بعد انقضاء امد الدعاية الانتخابية او حلول الصمت الانتخابي ….

من الواضح ان الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق : الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني قد دخلا مبكرا معترك الدعاية الانتخابية البرلمانية بكل قواهما البشرية ، والاعلامية ، حتى موعد اجرائها في العشرين من الشهر الجاري ، وقد وصلت نشاطات…

دلدار بدرخان

-مسعود البارزاني هذا الاسم الذي يتردد صداه في جبال كوردستان وسهولها ليس مجرد قائد سياسي عابر بل هو الزعيم والمرجع الكوردي الذي توارثته الأجيال واستودعته آمالها وتطلعاتها، و هو امتداد لتاريخ مجيد من النضال والتضحية، و حامل راية الكورد في كل معاركهم نحو الحرية والكرامة، و كما كان أسلافه العظام يقف البارزاني شامخاً صلباً…