أي لقاء تشاوري هذا ؟؟

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

معلوم أن للحوار كما لكل المسائل المجتمعية ثقافته ومفاهيمه ومستلزماته الضرورية وبالتالي أهدافه الأساسية المشتركة بين المتحاورين والتي ينبغي الوصول إليها أو تحقيقها بالاحتكام إلى لغة العقل والمنطق بعيدا عن العنف والإكراه ، تحقيق هدف أو أهداف تطمئن لها الأطراف المعنية وتبعث على الهدوء والاستقرار بالتفاهم والقناعة بغية إزالة ما يختلج في الأذهان والنفوس من شكوك أو شبهات دونما أي قلق ، كون الغاية مشتركة والهدف واحد بالنسبة للمجتمع السوري ، وهو إنقاذ البلاد من الأزمة التي تعصف بها ، من خلال المعالجة الموضوعية  لقضايا الوطن وإنهاء معاناة الجماهير الشعبية وعموم المجتمع السوري عبر حوار متكافئ دون هيمنة طرف ومن غير شروط مسبقة ، حوار له ظروفه المناسبة ومستلزمات نجاحه ….
واستنادا إلى ما ذكر، وإلى مواقف عموم أطياف المعارضة الوطنية بمختلف انتماءاتها القومية والسياسية ، يمكن القول أن دعوة السلطات السورية ” للقاء التشاوري “الذي انعقد في دمشق تاريخ 10 / 7 / 2011 عبر ما سميت بهيئة الحوار الوطني التي يرأسها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ، حيث  تجاوز اللقاء كل المعايير الموضوعية من ظروف ومستلزمات الحوار الحقيقي ، بدءا بتشكيل الهيئة المذكورة ومرورا بالدعوات والحضور والمداخلات وصولا إلى البيان الختامي وحتى المؤتمر المزمع عقده فيما بعد لهذا الغرض الذي أسموه “الحوار الوطني”.


إن الحوار الجدي هو ذاك الذي يحقق المساواة والتكافؤ بين المتحاورين بعد توفير الظروف والأجواء الموضوعية المناسبة له ، لاسيما تلك التي أكدت عليها المعارضة الوطنية والتنسيقيات الشبابية بما تعني وقف العنف و سحب الجيش وقوى الأمن من مراكز المدن والبلدات والأماكن الأخرى المعنية ، ومحاسبة المسئولين عن جرائم القتل وكل انتهاكات حقوق الإنسان ، والسماح بالتظاهر السلمي وإيقاف الحملات الإعلامية ضد المتظاهرين ، و إلغاء حقيقي لحالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكافة معتقلي الثورة السورية المجيدة  ، والإقرار بضرورة صياغة دستور جديد يسمح بالانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي يحقق التداول السلمي للسلطة ….إلا أن السلطات قد تعمدت منذ البداية إبعاد المعارضة عن المشاركة في وضع أسس الحوار عند تشكيل ما سميت بهيئة الحوار الوطني ، حيث اقتصرت على طرف النظام وحزبه الحاكم وحلفائه والموالين له ، وتبين أنها (أي الهيئة) قد اتبعت في دعواتها وتركيب اللقاء نفس الذهنية الاستبدادية المتبعة للسلطة في تشكيلاتها السابقة كون الأغلبية العظمى من الحضور كانت للحزب الحاكم ولمن والاه ، في حين أن هذا الحزب وأجهزته الأمنية هو الجانب الأساس في معادلة أزمة البلاد ، كما اختارت من تشاء من الأفراد وحتى ممثلي الأحزاب والتحالفات في دعواتها للقاء المذكور ، مما بدا واضحا أن اللقاء يمثل – عدا أفراد قلائل – جانبا واحدا هو فقط طرف النظام الذي التقى مع نفسه ، بحثا عن وسائل وسبل لإعادة الترتيب لذاته ، وليكون بمثابة رسالة إلى المجتمع الدولي توحي بتوجه جديد في سياسته ، مما يدل على أن النظام لا يمتلك أصلا إرادة الحوار ولا ثقافته وليس لديه أية جدية في تحقيق أي حوار جاد وفعال ، الأمر الذي حدا بالمعارضة وبكل مكوناتها القومية والسياسية بما فيها التنسيقيات الشبابية والمنظمات الحقوقية وحتى الشخصيات الوطنية البارزة إلى رفض المشاركة ، لأن “اللقاء التشاوري” المذكور كما تبين لم يكن يهدف الإعداد لمؤتمر حوار وطني حقيقي لمعالجة أزمة البلاد كما زعم ، بل للسعي من أجل كسب أنصار جدد إلى جانب النظام بغية تخفيف حدة محنته ….

من هنا ، فإن الحوار الموضوعي والمطلوب هو ذاك الذي يقع على عاتق المعارضة الوطنية المذكورة ، حوار من شأنه تقريب وجهات النظر أو توحيد الرؤى لمستقبل البلاد ، وما يمكن صياغته من المبادئ الوطنية الأساسية التي تتفق أو تتوافق عليها المعارضة بكل ألوانها وانتماءاتها السياسية والقومية والشبابية والحقوقية وذلك عبر اللقاءات المكثفة فيما بينها ، من أجل تذليل أو إزالة العراقيل والعقبات التي تعترض سبيل توحيد جهودها وصفوفها باتجاه عقد مؤتمر وطني عام وشامل تنبثق عنه برامج سياسية واضحة ، ولو بخطوطها العريضة وخططها الأولية ، وتشكيل هيئات مشتركة لقيادة المعارضة وتمثيلها في المحافل واللقاءات الأخرى وإن كان بشكل مرحلي ، وتوفير منظومة إعلامية تعبر عن توجهاتها وتطلعاتها المستقبلية ، كما يمكن تأسيس مجلس وطني لصياغة مشروع دستور عصري وقوانين جديدة تحقق الحريات الديمقراطية للجميع وتضمن التداول السلمي للسلطة ، وفي هذا السياق فإن الحركة الوطنية الكردية ومعها الفعاليات الثقافية والشبابية والحقوقية والمدنية هي الأخرى مدعوة إلى إعادة الترتيب نحو توحيد صفوفها عبر مؤتمر وطني كردي عام ، من أجل مشاركة تلك الفعاليات في صنع القرار السياسي والعمل معا في سبيل تنفيذه ، كما يمكن تشكيل هيئة تمثل الشعب الكردي وتقود نضاله في التفاعل الجاد مع الجانب الوطني السوري ، للعمل معا من أجل إنهاء الاستبداد وحكم الحزب الواحد ، ومعالجة قضايا البلاد ومعضلاتها ، وحل القضية الكردية دستوريا بما يمكنه من ممارسة حقوقه القومية في إطار وحدة البلاد ، وتحقيق نقلة نوعية لسوريا باتجاه التطور والتقدم ذلك بإرساء دعائم نظام ديمقراطي تعددي قوميا وسياسيا ، نحو بناء الدولة المدنية الحديثة ، التي تحقق تطلعات المجتمع السوري في غد أفضل ، وضمان المشاركة الحقيقية لكل مكونات هذا المجتمع في سلطة البلاد وثروتها وعلى أسس من العدالة والمساواة التي ينشدها الجميع ..

16/7/2011

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (434) حزيران 2011 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….